أساطير

أسطورة إسون بوشي.. الجزء الثاني

أسطورة إسون بوشي.. الجزء الثاني
قالت: سأسميه إسون بوشي، أي صغير الحجم.

ضحك الرجل بقهقة ثم قال: اسم جديد.. ضحك مرة أخرى بقهقهة.

ظلت شيان ترعى إسون بحنان كبير حتى زال عنه الحزن ونسى فقدانه لأمه.. كانا الزوجان يطعمان الصبي صغير الحجم أفضل الطعام، فلم يكن في الواقع يحتاج الكثير من الطعام، لذا فرغم فقرهما كان من السهل عليها إطعامه جيدًا. اشتد عود الفتى مع الوقت وصار قوي البنية، رغم أن طوله لم يزد أبدًا عشرون سنتي متر. كبر الصبي وصار شابًا ولم يزد طوله، لكنه كان يساعد يو في أعمال الحقل.

وفي يوم ذهب الفتى إلى يو وشيان وقال لهما: لقد كبرت يا والداي، ويجب أن أساعدكما، أنتما تبذلان مجهودًا كبيرًا في الحقل، ويجب أن أحمل عنكما بعض العبء.

قالت شيان بابتسامة: وكيف ستفعل ذلك يا إسون؟

رد: سأسافر إلى المدينة أعمل هناك، وسوف أكون غنيًا ثم سأعود لكما وأعطيكما أموالًا كثيرة حتى تستغنوا عن هذا العمل الشاق.

ضحك يو بقهقة وقال: يا إسون وماذا ستعمل؟

رد الفتى بنبرة مترددة: لا.. لا أعرف، لكني سأجد طريقي، لا تقلقا عليّ.

كانت شيان تظن أن الفتى يمزح لكنه تابع: لقد جهزت حقيبتي وبنيت مركبًا وسأسافر غدًا.

ظهر على وجه شيان خوفًا شديدًا وقالت: ماذا تقول يا إسون هل تتكلم جادًا؟! المدينة يا ولدي كلها مخاطر.. وأنت.. أنت.

قاطعها إسون: صغير الحجم.. أعرف، لكني لست صغير العقل، وسترون ما سأفعل، ولن أتراجع عن قراري، فأرجو أن تساعداني فيه.

خضع الزوجان لقرار الشاب صغير الحجم.. وطلب منهما سيفًا ومأونة للسفر.. لم يعرفا من أين سيحصلوا له على سيف يصلح لحجمه، لكن شيان جاءت لها فكرة، فأعطته مسلة الصوف التي كانت تغزل بها الملابس من صوف الغنم، وصنعت لها جراب من صوف غليظ، ثم أعطتها لإسون في الصباح، ففرح بها ولفها على وسطه وحمل حقيبته وغادر على قاربه، الذي لم يتجاوز طول النصف متر.

ظل القارب يمشي في المياه مدفوعًا بحركة النهر يومان حتى وصل إسون أخيرًا إلى المدينة، فنزل من المركب وبدأ يتجول في طرقات المدينة.

لم يكن إسون يعرف شيئًا في المدينة بالطبع، ولم يكن يعرف أين يذهب ولا حتى ماذا سيعمل، لكنه كان يريد أن يكون غنيًا، ولأن إسون ذكي، فقد كان يعلم أنه لكي تكون غنيًا يجب أن تذهب إلى أغنى مكان في المدينة. رأى سائق حنطور واقفًا يطعم حصانه، فذهب إليه ونادى: يا سيدي، يا سيدي.

لم يعرف الرجل من أين يأتي الصوت، ظل يتلفت حوله يبحث عن مصدر الصوت، وكان صوت إسون أجشًا رغم صغر حجمه. أخيرًا نظر الرجل عنده قدمه ورأى إسون.

ضحك الرجل بقهقهة وقال: آسف أيها الفتى الصغير لم أتخيل أن مصدر الصوت يكون بالأسفل هكذا.. ضحك مرة أخرى بقهقة.

رسم إسون ابتسامة مرحة على وجهه وقال بتهذيب: لا عليك يا سيدي.. أريد فقط أن أسألك عن شيء، فأنا لست من المدينة.

رد الرجل: تفضل، سأجيبك عما تريد أيها الشاب إسون بوشي. لم يكن الحوذي يعرف اسم إسون، لكنه قال صفته، وكانت صفته هي اسمه.

قال إسون: أين يقع أغنى مكان في المدينة؟

قال الرجل متعجبًا: لماذا تريد أن تذهب إلى أغنى مكان في المدينة؟

رد: أريد أن أعمل هناك، حتى أصبح غنيًا.

ضحك الرجل بصوت عال وقال: قصير مكير.. قصير مكير.. تابع: أغنى مكان بالطبع هو قصر الملك، أنا ذاهب لهناك الآن، يمكنني أن أخذك.

قال إسون: رائع.. إذًا سأركب على رقبة الحصان.

قال له الحوذي: لماذا؟

رد: لأني لو ركبت في الحنطور ستطلب مني مالًا.. أنا إسون بوشي (صغير الحجم) سأركب على رقبة الحصان وقتها لن تطلب مني مالًا.

ضحك الرجل بقهقة وقال: يا إلهي.. يا إلهي.. لم أرى هذا من قبل.. ماكر.. ماكر.. لك ما تريد أيها الشاب صغير الحجم.. لكن لا تنساني عندما تصير غنيًا. ضحك بقهقهة مرة أخرى.

رد إسون: وعد لن أنساك.

وصل إسون القصر، ودخل من بين أقدام الحرس، ولم يلاحظه أحد. دخل وتجول فيه، حتى وصل إلى غرفة الحكم، وكان الوزير الأعظم واقفًا يتناقش مع كبير الحرس في إحدى الأمور.. فطن إسون بذكائه أن هذا رجل هام في الدولة، فاقترب منه ونادى يا سيدي المعظم.. يا سيدي.

سمير أبوزيد

باحث ومهندس في مجال النانو تكنولوجي بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، وله عدة أبحاث علمية منشورة. ألف ثلاثة روايات " صندوق أرخيف" و " الرفاعي الأخير" و " عز الدين"، كما كتب للعديد من المجلات وله ما يزيد عن الثلاثمائة مقال.
زر الذهاب إلى الأعلى