قصص الرعب

أشجار الموت

أشجار الموت

أشجار الموت

أشجار الموت (أسمي فريد، أبلغ من العمر أربعه وثلاثين عاماً، مصري الجنسية، أعمل مهندساً تخصص شبكات الاتصال، لدي خبرة جيدة في المجال مع فرع شركتكم في السودان، أتقدم بطلب ترشيحي للعمل مع البعثة الذاهبة لإندونيسيا الشهر القادم، وتقبلوا مني احترامي وشكري لكم. )

هكذا كانت صيغه رسالتي الإلكترونية التي بعثتها للفرع الرئيسي للشركه، فقد قررت أن أترك كل شيء هنا وأذهب لاستكمال حياتي في اندونيسيا، ولذلك أسباب بالطبع، فقد أنتقل والداي لرحمه الله في فترة متقاربة وظللت وحيداً، حتي ظهرت ( نسمه) الفتاه الوحيد التي أحببتها في حياتي، تحولت حياتي الباهتة إلي أخري مليئه بالتفاؤل سارت حياتي كالأرض البور عندما تسري بها الماء وترويها.

ولكن كعادة الأشياء الجميلة لا تستمر للأبد لم تتحمل حبيبتي مشواري الشاق حتي أكون جديراً بالزواج منها، فقد رفض والدها طلبي لها بالزواج مراراً وتكراراً بسبب أمور ماديه، تلك الأمور التي تواجه أي شاب في بداية طريقه، وزوجها لابن زميله بالعمل، ولم أشعر منها بالتمسك فقد استسلمت لرغبة والدها بدون مناقشه…

مرت السنوات و ما زلت وحيداً لم أدخل في علاقات من بعدها، كنت وحيداً ولكن ظل طيف أمي وأبي يلازمني لا أعلم هل اختلق ذلك أم أن أرواحهم تأبي الرحيل وتركي وحيداً، ولذلك عندما قرأت إعلان الشركة في طلب مهندسين للترشح للعمل في فرع الشركة الجديد في اندونيسيا، أحسست أن السفر سيكون قرار صائب لكي ابدأ حياة جديدة، ليس لدي ما اخسره لا عائله ولا حبيبه و بالكاد لدي أصدقاء لطالما كنت انعزالي …

انتظرت الرد كثيراً فقد تقدم العديد غيري من جميع فروع الشركة علي مستوي العالم والوظائف الشاغرة فقط أربعه أماكن للمهندسين، ولكن لحسن حظي بعد توفيق الله أن تاريخي معهم مشرف فقد خدمت في اكتر من فرع لهم داخل مصر وخارجها وأثبتت كفائتي، ولذلك جاء الرد في خلال شهر أنه تم قبولي للعمل ضمن البعثة الذاهبة لإندونيسيا وأن علي تجهيز أوراقي، وتضمنت رسالتهم تفاصيل أخري حول ميعاد السفر ومكان الإقامة وان علي أخذ دورة تدريبية في اللغة الأندونيسية لكي تيسر التعامل إلى حد ما هناك …

أشجار الموت

أتممت التجهيزات وجمعت أصدقائي المقربين لأودعهم، وتجمعت في اليوم المحدد للسفر مع الثلاث مهندسين الآخرين والعشرة فنيين وآخرون، تجمعنا أمام الشركة وذهبنا إلى المطار سويا و بدأت الرحلة….
مرت الرحلة في سلام ووصلنا لمطار اندونيسيا، وكان في انتظارنا المسؤول الإندونيسي عن تأسيس فرع الشركة الجديد، وأخذنا إلي مكان إقامتها في ( تانا توراجا) وهي منطقه جبليه وتعد قريه وليست مدينه، ولكن تتميز إندونيسيا بجمالها الخلاب وحفاظ أهلها علي تراثهم من حيث طريقه بناء المنازل بالأشكال التقليدية، ولكن كان هناك أوجه أخري لتراثهم وهي عادات غريبه تعرفت عليها لاحقا…

منذ اليوم الأول راودتني أحلام عن أطفال صغيرة في المهد بوجوه مفزعه، لم ألق لذلك بالاً ورجعت الأمر لتغيير المكان ورهبه السفر والمكان الجديد، ولكن ما حدث في اليوم التالي أثبت لي أن هناك أمراً غير طبيعي، استيقظت من النوم علي صوت طفل رضيع يبكي بشده، مهلاً فالصوت يأتي من غرفتي.

اقشعر جسدي لأنني استيقظت للتو من حلم مفزع به أطفال مفزعين ولكن سرعان ما دخلت سيدة من أهل البلد وأخذت الطفل وهي يبدو عليها الأسف، ثم لحق بها رجل يتحدث الإنجليزية بطريقه مضحكه، يعتذر و يقول انهم مسؤولين عن التنظيف في مساكن المهندسين وأنها استأذنت لجلب ابنها لظروف خاصه وان ذلك لن يتكرر، ولكني قلت له أن يسامحها فكلنا نقع في ظروف طارئة..

ذهبت لمقر الشركة الواقع بعد محطه واحده من السكن يمكنك الذهاب إليها سيرا على الأقدام، مبني مكون من أربعه طوابق وأمامه غابات كثيفه، يعتبر أبسط مبني للشركه في تاريخها مقارنه بكل المباني الأخري، ولكن بما أن العمل أغلبه في مواقع خارجيه فلم تكن الأعمال الإدارية تحتاج أكثر من مبني صغير ..

ذهبت للسكن بعد ساعات العمل منهك من عدم تأقلمي بعد علي الجو الحر الممطر أحياناً، قرر زملائي الثلاثة عدم العودة معي للسكن، فقد اقترحوا سابقاً أن يذهبوا لاستكشاف البلد والمحلات ولكني رفضت لاحتياجي لأكبر قسط من النوم…
ذهبت للسكن وما أن استكانت أعضائي علي الفراش حتي أحسست بأنين طفل صغير يتهيأ للبكاء، ظننت أن عامله التنظيف ما زلت هنا، أو هكذا أقنعت نفسي حتي لا أصاب بالهلع .

وفي وسط أفكاري بدأ الطفل بالصراخ ولم يكن طفل واحد، بالتدريج كثرت الأصوات وصراخهم أصبح مزعج، غطيت أذني بيدي بشكل لا إرادي، تحركت لأري مصدر الصوت ولكني لم أري شيئاً في الغرفة والغريب أن بمجرد أن فتحت باب الغرفة توقف كل شيء فجأه، توقفت لدقيقه خارج الغرفة أتأمل الشقة ثم قررت أن أعود للنوم.

ولكن كان بانتظاري طفل رضيع علي فراشي جامد الملامح، اقتربت منه فبدأ في الصراخ العادي للأطفال في مثل هذه السن وثم فجأه انطفأت الأنوار وتوقف الطفل عن البكاء تحولت الغرفة لظلام دامس، تحسست الفراش حتي التقط الطفل، ولكني لم أجده !!! عادت الأنوار وأحسست بدوار وعدم التصديق، هل هذا كله أوهام و هلاوس أم شيء أخر !!!

أشجار الموت

من شده التعب قررت أن أنام رغم رعبي، فليس من الجيد أن أذهب لزملائي وأقول لهم هناك شبح طفل يطاردني، فهم لا يعرفونني وسأكون مادة للسخرية لمدة كبيرة، قررت النوم ولكن سمعت صراخ طفل غاضب رضيع ، صوت مشروخ يقترب بجواري، وأسمع صوت بداخل عقلي يقول كلمه باللغة الأندونيسية لم افهمها ولكن علي الفور أحضرت هاتفي الذي ثبتت عليه برنامج للترجمة، وكانت ترجمه الكلمة هي أنقذنا!!!!!

تملكني الرعب ولم أعرف ماذا علي أن أفعل وبالرغم من أن الأجواء هدأت إلا أنني لم استطع النوم حتي الصباح، وقررت أن احكي لزملائي أياً كانت العواقب، ولكني تفاجأت بأنهم جميعاً يعرفون السبب وهو أن لهذه البلدة طقوس تراثيه في دفن موتاهم مما يسبب بالتأكيد عدم ارتياح الأرواح، قال ذلك أحدهم ساخراً ولكن لربما كان محقاً.

كنا نتحدث ونحن علي المقهى في أحدي الأماكن القريبة من المسكن، وجاء العامل المسئول عن النظافة يدعونا لحفل ما، كان العمل أنتهي باكراً يومها ولم يكن لدينا أي خطط ولذلك قررنا تلبيه دعوته بحضور حفله، وكانت المفاجأة أن الحفل هو طقس مسمى بـ “معنني” أو “Ma’nene”

فهم لهم طقوس تراثيه بإخراج الموتي من قبورهم وإلباسهم ملابس جديده كل ثلاث سنوات أو في المناسبات الخاصة بالعائلة كزواج أحدهم أو ولادة طفل جديد كي يحتفل المتوفي معهم بالمناسبة! ويتم التنزه بهم وسط البيوت وتكون أجواء احتفاليه مليئه برائحه الموت!! ..

ظللت مندهشاً ولم أصدق عيني، فقد قرأت عن عادتهم ولكن صدقني ما تقرأه لا يسوي ربع ما تراه بعينيك.
وتناهي إلي سمعي أيضاً أنهم يدفنون الأطفال الذين لم يتم ولادتهم والخدج والذين لم تنبت أسنانهم بعد في الشجر، حيث يقومون بالحفر في الشجر ودفن الطفل وقفل الحفرة بألياف النخيل، وذلك ظنا منهم أن الشجرة تمتص الجنين وتعيده للحياه في هيئة أوراق شجر !!

حينما اقتربت من شجرة ما من تلك الأشجار التي يدفنون بها الأطفال سمعت صوت صراخ الطفل داخل رأسي وأحسست أنه يجب علي فعل شيئاً ما!!! .. سألت مسؤول النظافة عن تلك الشجرة وعن الأطفال المدفونون بها وقال إنها مجرد شجرة مثل البقيه، ذهبت للسكن ورأسي يدور بها ألاف التساؤلات.

أشجار الموت

وأثناء النوم سمعت صوت صراخ الرضيع مرة أخري واستيقظت لأجد طفل لم تنبت أسنانه بعد، قصير كطفل لم يبلغ عامه الأول يبدو كأطفال القرية ولكنه كان شاحباً وجامد الملامح وتحدث كما يتحدث البالغين تمالكت أعصابي هذه المرة واستمعت إليه، قال كلام فهمت بعضه وترجمت بعضه في قاموسي وكان معناه ( ملعون ملعون قتلها وقتلني، أنقذنا أنقذنا )!! واختفى…
ظللت أفكر ماذا علي أن أفعل يجب أن أفعل شيئاً ما، أظن أنه يحاول توصيل رسالة، والجدير بالذكر أنني الآن تأكدت أنني كنت أرى أمي وأبي حقا وليست هلاوس ….

في اليوم التالي ذهبت في جوله حرة حول منطقتي وتجربه لغتي الأندونيسية الضعيفة في محاوله لتقويتها وأيضاً لمعرفه ما قد يكون حدث لذلك الطفل الذي أراه.. وعندما تحدثت مع أهل المنطقة تأثر الكثير منهم وبكي الكثير، فليس من السهل أن تفقد طفلاً، وقصصت عليهم رؤيتي لطفل يطلب الاستغاثة، وبالطبع صدقوني لأنهم مؤمنين بكل أشكال الخرفات، ولم أصل لشيء ولكن كل الناس محل شك إن لم أكن أنا أهلوس …

في صباح اليوم التالي أتت لي سيدة كبيرة في السن وطلبت أن نتحدث علي انفراد، قالت لي أنها جده لطفل من الأطفال المدفونون في الشجرة وهي جدته لأمه التي ماتت في يوم ولادته بشكل غامض فلم تكن مريضه وكانت ولادته سهله، عاش الطفل بعدها فترة ولكن قبل أن يُكمل عامه الأول تاه وبعد البحث وجدناه غريق في البحيرة القريبة من منزلنا، ضعف بصرها من شدة البكاء علي حفيدها وعلي ابنتها، ولكنها تعتقد في قرارة نفسها أن زوج ابنتها هو السبب، لكثرة المشاحنات بينهم، وعدم حزنه علي ابنتها وزواجه بأخري سريعاً بعد موت ابنتها بحجه تربيه الولد، ولكن ليس هناك دليل، وعندما وصفت الولد الذي أراه للسيدة بكت وتأثرت كثيراً وقالت إنه هو …هو حفيدها المتوفي …

وبالرغم أنني من المفترض علي يقين الآن من هدف ظهور الولد لي ولكن زادت حيرتي، ماذا سأفعل!! من الجنون أن أذهب للشرطه سيضعوني في مستشفي الأمراض العقلية، يالها من حيرة…
وفي الصباح ذهبت لرجل حكيم من أهل القرية وشرحت له ما حدث وأنني مشتت الذهن، قال لي أنني روح نقيه تختارها الأرواح للظهور بسبب ما ربما توصيل رسالة أو شيء كهذا، وأن روح الولد عالقه لأنه مات بفعل فاعل ولم يكن حادث ومن رسالته يبدو أن أمه أيضاً لم يكن موتها طبيعي، ولذلك هو يسعى لتوضيح الأمر لكي يأخذ المجرم عقابه، ثم قال لي أنه عندما أرى الفتي مرة أخري يجب أن اسأله عن الطريقة التي تجلب لروحه السلام…

تركت الحكيم وذهبت للسكن وانتظرت الفتي هذه المرة، وبالفعل مع تمام الساعة الثانية عشر صباحاً أتى لي وسألته، قال إنه يجب نبش قبره في الشجرة وأخذ قطعه من ملابسه وإعطائها للأب وسيتكفل هو بالباقي، وبالفعل في صباح اليوم التالي ذهبت لجدته وأخبرتها بما قال وأنها يجب أن تساعدني في إيجاد قبره في الشجرة، في المساء كما واعدت الجدة ذهبنا الي ساحة الأشجار المقابر ونبشنا قبر الولد وكان شبه محنطاً بفعل الفورمالين الذي يحقنون به جثثهم مع مواد أخري، أخذت قميصه وتركت القميص للجدة لتعطيه هي بدورها للأب.

سمعنا صراخه تلك الليلة وهو يقسم أنه رأي شبح أبنه بوجه شرير وظل الحال هكذا حتي ترك الأب عمله وأصابه الجنون، حتي وصل الأمر أنه ذهب للشرطه واعترف بفعلته، وأنه وضع السم لزوجته بعد ولادتها بساعات ليظن الجميع أنها ماتت من تعب النفاس والنزيف، فإنه لم يكن يحبها من الأساس وقد تزوجها رغماً عنه رغبه لأبيه لإتمام صفقات ماديه مع أبيها، وبعد فترة من التردد ألقي أبنه في البحيرة لأنه لم يكن يريد أن يتحمل مسؤوليته، وكان يريد أن يتزوج حبيبته السابقة، وبعد عدة أيام أستيقظ أهل القرية علي خبر وجود الأب مشنوقاً في نفس الشجرة المدفون بها الولد…..

لم تنتهي زيارات الولد لي، ولكن كان هذه المرة يطلب إنقاذ باقي الأطفال فهم غير مرتاحين من طريقه الدفن تلك!!
ولذلك في صباح اليوم التالي قدمت طلب العودة لمصر، وجهزت أشيائي ولكن قبل أن أذهب قررت أن أفعل شيئاً متهوراً لا أعلم عواقبه ولكن سأهرب قبل أن يتم اكتشاف الفاعل، جهزت الكثير من المعدات التي نستخدمها في المواقع من المواد المشتعلة وسهرت ليلاً اسقي كل شجرة منها وتوصيلها بخط من البارود …. باقي علي طيارتي ساعتين ….. أشعلت طرف البارود مما يمهلني دقائق حتي أبتعد مسافة كافيه، وذهبت ركضاً للسكن وأخذت حقائبي..

ولكن قررت أن أذهب للرجل الحكيم لأخبره بما سيحدث كأنه شيئاً أتاني في رؤية، وأخبرته أن عليه تجميع رفات الأطفال ودفنها بشكل لائق، وهرعت للمطار قبل أن يلحظني أحد أو حتي أودع باقي زملائي..
علمت عند وصولي لمطار القاهرة أن الغابات احترفت عن بكره أبيها بفعل فاعل والفاعل مجهول، وأهل القرية يظنون أنها لعنه ما خصاً بعد موت أحد أفرادها مشنوقاً في شجرة من شجرات الموت في وقت سابق، وتم دفن رفات الأطفال أخيراً بشكل لائق حسب تعليمات الحكيم،

بعد استقراري بمصر أتى لي الولد لمرة أخيرة ولكن هذه المرة كان متبسماً مشرق الوجه ولوح لي بيده مودعاً واختفي…
ولكن يبقي السؤال الذي شغل بالي كثيراً، هل ستتوقف القبائل عن هذه العادات الموروثة وتعتبر ما حدث علامه علي أنهم مخطئين في تلك العادات أم سوف يكملون ما هم فيه…

تمت

اقرأ أيضاً

العالم بعد كورونا

الكحل ( الجزء الثاني)

زر الذهاب إلى الأعلى