قصص الرعب

الآخر

الاخر
فهمي المستكاوي، إسم لا يعني لأي إنسان أي شيء لفترة كبيرة، بمعني أدق لا يعني لأحد شيء طول الأربعين عام من عمره، ولكن تغير كل شيء في الشهور الماضيه….
فهمي موظف في وظيفه حراسه باحد المدن الجديدة، وليست أي مدينه فهي تلك الفارهة التي يقطنها علية القوم ويسألك موظفي الحراسه عن وجهتك في كل مرة تذهب الي هناك، بالطبع فالسكان هناك زوارهم معدوين علي أصابع اليد الواحدة.
كان يذهب لعمله كل يوم في السادسة صباحاً، يخرج من منزله في حي السيدة زينب الساعه الرابعة صباحاً لكي يصل في الميعاد لانه يركب أكثر من مواصله حتي توصله فقط لمكان تواجد حافله المدينة السكنية التي يعمل بها، مهمته هي حراسه البوابة الداخليه للمدينة فهي مقسمه لعدة أقسام وهو مسؤول عن منطقه (ب)، له زميل يدعي (عطا) يشاركه نوبه عمله التي هي من السادسة صباحاً حتي السادسة مساءً، يتسامرون ويقومون بتناوب أوقات الدوريات ويتلقون إتصالات من السكان لطلب عمال نظافه أو عامل صرف صحي وما إلي ذلك، يحب فهمي وظيفته وان لم تكن مجدية لتكفل مصاريف عائلته، فهو يسكن مع أمه وهي في العقد السابع من العمر ولديها ما يكفي من أمراض، وكان قد تزوج منذ خمس سنوات ولديه طفلتين (ملك، مريم).

كانت حياه فهمي مستقرة بشكل كبير، تتخللها بعض متاعب الحياة التي تواجه أيا منا من أزمات مالية وأقساط والتزامات وغيرها..
ولكن تبدل الحال فجأه عندما أتت الشرطه وأخذت فهمي من منزله الساعه الثامنه مساءً في ميعاد عودته من العمل، وبعد مناقشات عرف أن التهمة هي تهمه قتل عمد لسيدة أعمال تقطن في نفس المنطقه السكنيه التي يخدم بها فهمي ووجهه ظاهر في الكاميرات بوضوح في تمام الساعه الثامنه وأنهم وجدوا الجثة بعد ثلاث أيام عندما جاءت ابنتها للإطمئنان عليها لعدم ردها علي هاتفها!!!!
لم تجدي أياً من محاولات الشرطه في استجوابه فهو يؤكد علي عدم معرفته من الأساس بالحادث وأنه لم يرتكب هذه الجريمه!!
ظلت زوجته تتوسل للجيران أن يساعدوها في تكليف محامي للدافاع عنه، وفي الأخير تطوع (فتح الله) المحامي للدفاع عنه بدون مقابل.
عندما تم مواجهه فهمي والمحامي فتح الله بالفيديوهات، بالطبع لم يصدق المحامي أنه برئ، ولكن ظل فهمي يبكي ويقسم أنه يبدو مثله ولكنه ليس هو!!!
طلب فهمي زميله عطا للشهاده، فقد كان فهمي يوم الحادث اجازة بسبب مرض ابنته الصغيرة.. وجاء عطا للشهاده وقال الآتي ” يا باشا فهمي ده غلبان اليوم اللي قبل ما ياخد اجازة ده قال إن بنته سخنه بقالها يومين وعايز يوديها للدكتور ومفيش وقت عشان لزم يروح المستشفي وكل المواعيد الصبح، فا قولتله خد اجازة، وكان فيه واحد باشا من سكان الكمبوند بيحبني يعني فعطاني تذكرتين لمسرح مصر وأماكن في الصف التاني كمان، بس أنا مقطوع من شجرة ومعنديش حد اورح معاه، فلما فهمي قال أنه خلاص هياخد اجازة قولت دي من نصيبه، يودي البنت للدكتور الصبح ويسيب ولاده مع أمه ويروح يفك عن نفسه هو ومراته بليل في المسرح الساعه ٨، وتاني يوم قالي أنه راح واتبسط اوي وشكرني”
وعليه ذهبت قوة من النيابه للتحقيق في كاميرات المسرح كانت المفاجأة أن فهمي وزوجته ظاهرين بشكل واضح في الصف التاني في المسرح !! وفي نفس توقيت ظهروه في كاميرا المجمع السكني !!!
عندما علم المحامي بما حدث، قدم طعن بتزوير الفيديو الخاص بالمجمع السكني وقال ربما يكون زوره الفاعل الحقيقي ليفلت بفعلته ويقع فيها فهمي، وكان هناك شهود من عمال المسرح يؤكدون تواجد فهمي وزوجته، بجانب ظهورهم بكاميرات المسرح، فتم إطلاق سراحه بشرط أن لا يغادر البلاد ..
وتحول فهمي المستكاوي من أسم لا يعرفه أحد، لأسم علي كل الجرائد ومواقع التواصل الإجتماعي تحت عنوان، ( القضيه الغامضه) (فهمي المستكاوي، برئ أم مدان) ( الحقد الطبقي يدفع المستكاوي لقتل سيدة أعمال مرموقة).
وانقسمت الأخبار بين مع وضد … مع فهمي وبرائته ونظريه المؤامرة في كون أحد زيف الفيديو ليفلت بفعلته ويقع بها المسكين الذي لا يجد من يدافع عنه،….
وضد فهمي وأنه حاقد ناقم علي معيشته وأنها كانت شهيرة بعجرفتها فقرر التخلص منها..
ثبتت برائه فهمي لوجود حجه غياب قويه، ولكن يبدو أن الأمر لم ينتهي….

عاد فهمي لعمله بعد تفهم رئيسه لبرائته وان ما حدث ما هو إلا تلفيق له، عادت الأمور كما كانت مع بعض الحذر ..
ولكن ظلت الأمور الغريبه تحدث، فقد قال فهمي أكثر من مرة أنه يشعر أن أحدهم يراقبه، حتي يوم أستيقظت عائلته علي صوت صراخه من دورة المياه وهو يقول إن إنعكاسه في المراه لم يتحرك معه وظل ثابتا وما أن صرخ رجعت الأمور طبيعيه ولكنه ظل يقسم أن إنعكاسه لم يتحرك، وتكرر الأمر أكثر من مرة حتي إعتاد الأمر ولم يتحرك وظل يتأمل انعكاسه في المراه وتحدث معه وقال من أنت ولكن انعكاسه أكتفي بأنه أبتسم ورجعت الأمور طبيعيه..
ومن الأمور الغير طبيعيه، اختفاء لجيران في نفس الحي الذي يسكن بيه فهمي حي السيدة زينب، وانتحار الكثير ولكن كان المريب في الأمر أن أغلب من ينتحرون هم أناس يكرههم فهمي، علي سبيل المثال (الحاج علي) صاحب محل الأدوات الكهربائيه، أشتري منه فهمي مروحه وغسالة مستعمله بالقسط، ولكن (الحاج علي) كان ذو طبع سيء، ظل يطالب بماله ويهدد فهمي بالحبس، وُجد مع شفرة حلاقه بحمامه الموصد من الداخل ومعصم مُقطع الشرايين..

أبلغ العديد من الناس عن اختفاء أطفال وكبار ولم يكن السبب معروف، وكثفت الشرطه التحقيقات ولم تصل لشيء.
ولكن ذات صباح وصل بلاغ لمباحث القاهرة عن وجود أشلاء بشرية في بحيرة مُهمله بأحدي المحافظات النائيه، ومع معاينتها تم التأكد من تطابقها مع مواصفات الأشخاص الذين تم الإبلاغ عن اختفائهم، ومع رفع البصمات كانت البصمات متطابقه مع بصمات فهمي!!!!
وهذه المرة أيضاً تم القبض عليه وأيضاً تم التأكد من وجوده في مكان عمله بشكل يومي، وعدم احتماليه ذهابه لأي مكان سوي من منزله للعمل والعكس، وهذه المرة لم تطلق سراحه الشرطه.

وكان رد فعل الأخبار أكثر انتشاراً هذه المرة، (السفاح فهمي المستكاوي يُقطع ضحاياه)،( فهمي هَرب من قضيه قتل سيدة الأعمال ولكن بصماته علي أشلاء ضحاياه تفضحه)، إلخ …
ولم يعد المتضامنين معاه في صفه، فهو الأن مدان بشكلٍ كامل.
ومع تضارب الأدله ووجود حجه غياب مُقنعه أخري، لم تحكم المحكمه عليه بالاعدام وخففت الحكم للسجن المؤبد.
وفي أولي فترات سجنه، سُجن في عنبر مكون من أربعة عشر شخص، وتزمر النزلاء الآخرين من الكوابيس التي تأتيه ليلاً وتيقظهم جميعاً مما ادي لأفتعال مشدات كلاميه ويدوية معه، انتهت به في حبس انفرادي.
ومع اول ليله له في الحبس الانفرادي، تلفت حوله لإحساسه أنه ليس وحيداً وأن أحدا معه، تلفت حتي لمحه!! جالس في ركن الغرفه ينعكس عليه ضوء القمر القادم من أعلي من نافذة الزنزانة، دقق فهمي بنظره حتي يتأكد مما يراه، فهو الأن ينظر لنسخه طبق الأصل منه…
فزع فهمي وتراجع بظهره للوراء ولكن استجمع رابطة جأشه وسأل بصوت مرتعش ” انت مين ” لم يأتيه رد ولكنه كرر السؤال اكتر من مرة “انت مين “،
ليأتي الرد أخيراً من طرف الزنزانة الأخر بصوت رخيم يثير الرهبه ” أنا…. أنا أنت يا فهمي” ثم ضحك ضحكه مرعبه تميل للسخريه،
رد عليه فهمي مستنكراً “أنا إزاي ودخلت هنا أمتي أصلا وازاي، أنت انس ولا جن”
رد عليه الآخر ” ولا أنس ولا جن ” ثم ضحك ضحكه ساخرة مرعبه أخري أعلي من السابقه،
قال له فهمي ” أنت اللي كنت بتظهرلي في المرايا صح يعني أنا مش مجنون ولا بهلوس، بس إزاي يعني أنت مين لو مش جن ولا أنس واللي حصلي ده أكيد بسببك، أنطق قول ”
رد عليه الآخر ” براحه بس يا فهمي وهفهمك، زمان أوي لما اتوزعت المهام جت علي اللي زي واخدنا مهمه أننا نلازمكم في أي مكان ترحوه زي ظلك بظبط وأننا نوسوس لكم بأفكار وحشه وانتوا كنتوا شطار أوي وبتمشوا ورا أي فكرة سودا، شبهكم كده زي ما أنت شايف بيسمونا (القرين)!!
توقف الدم في عروق فهمي وتجمدت عينيه في محجريها ولم يقدر علي النطق، فقد كان أمامه نسخه منه طبق الأصل تتحول ملامحه أحياناً لملامح بشعه.
أكمل الآخر كلامه وعلي وجهه علامات السخريه والأستعلاء ” كنا دايما أذكي وعشان كده تطورنا وبسبب غباءكم بقينا نقدر نتعامل في الحياه زينا زيكم بظبط، عارف نظرة الحقد اللي كنت بتبص بيها علي سيدة الأعمال دي مش أنت دي أنا، عارف كرهك (للحاج علي) عشان بيزلك بديونك وإحساسك الدفين أنك عايز تقتله، أنا اللي اديتك الإحساس ده، ولما كنت بتسمع كلامي وتقعد تحقد وتكره كنت أنا بقوي كل يوم اكتر وقدرت اهو زي ما أنت شايف، قدرت اظهرلك، ومش بس كده لا ده انا كمان قتلت الناس اللي قعدت اوسوسلك تقتلهم وانت رفضت، بس خلاص دلوقتي في أيدي السلطه عليك”
رد فهمي بصعوبه وهو يبتلع ريقه ويبحث عن كلمات ” بس أنت من غيري ولا حاجه وأنا أقدر أهزمك ”
رد الآخر ضاحكاً” متقولش يا فهمي أنك بتفكر تنتحر، قولتلك أننا واحد وأنا عارف أنت بتفكر في أيه في كل ثانيه، بس متبقاش عبيط مفيش حاجه هتعرف توقفني” قال هذه الجمله وأختفي..

بعد عده أسابيع من ظهور قرين فهمي له لم يتحمل فهمي ما يحدث معه وقرر إنهاء حياته، دفع رشوة للسجين الذي يوزع الطعام كي يعطيه سكيناً،
وفي المساء في زنزانة الحبس الإنفرادي، قطع فهمي شرايينه لينهي بها وساوس الأخر، لم يكن يعرف أنها أيضاً من وساوسه وأن تنفيذه لها يعد عقد له يبيع فيه روحه لتخلد في الجحيم، ولكن تم إسعافه سريعاً وإنعاش قلبه بعد أن توقف للحظات وعاد للحياه من جديد، ولكن من عاد هو (الآخر) في جسد فهمي، وحُبست روح فهمي داخل جسده لا يقدر علي التصرف مثل المشلول.

بعد عدة سنوات حكمت المحكمه بالإفراج عن فهمي المستكاوي لحسن السير والسلوك، وعندما خرج استقبله زوجته وبناته وعطا الله المحامي، قال له المحامي مازحاً “مبروك الإفراج أنا توقعت مش هتخرج ابدا ”
رد عليه فهمي مازحاً هو الأخر مع نظرة مريبه وقال” انا قلت أن مفيش حاجه هتوقفني”…

تمت

زر الذهاب إلى الأعلى