الأسود
ملعون.. مكروه.. مستني عطف من أى حد يعوضني عن القسوة اللى علامتها موجودة فى كُل مكان فى جسمي.
القسوة اللى قتلت كذا حد كُنت أعرفُه.
عندى أكتر من أخ دايمًا بيتصارعوا على الأكل، مكروهين برضه من ولاد آدم، بس أنا أكتر مش عارف ليه!!
يمكن عشان لوني؟ طيب هو فى حد بيختار لونه أو شكلُه؟
دايمًا بيتوقعوا مني السيء، فبيعاملوني بالأسوأ! بترمي بالحجارة وبتضرب بالعصيان.. يمكن لو كانوا قدروا يحسوا بيا لما بقرب منهم، كانوا فهموا إني جعان.. مش قصدي أخوف حد!
كفاية إني أيام الشتا بنكمش على نفسي جنب أى جدار.. تخيل!ساقعة وجوع، وكمان ضرب وتعذيب!!
حاولت كتير أعبر إنى عايز أقرب منك يا ابن آدم، عايزك تعطف عليا وتاخدنى كصديق.. صديق وفيّ جدًا، أصُد عنك أي مخاطرِ تقدر تشوفها.. وأحذرك من اللي متقدرش تشوفه!!
أيوة.. أحذرك من المخلوقات اللي بتظهر بالليل! بتجري شمال ويمين بسُرعة! مستنيه فُرصه تِخبط فيك وأنت ماشي مسكين مش عارف إيه اللي مستنيك.. شكلها مُرعِب، مخلوقات ملعونة، عايزة تأذيك.. بفضل أصرخ وأزعق عشان أخوفها وأنبهك!!!
المخلوقات دى بشوفها خارجة من تحت الأرض، خارجة من بين الجُدران! أو من أي رُكن ضلمة! حصل مرة قبل كده كنت مع العشيرة بتاعتي بالليل وخرج من الضلمة أكتر من مخلوق من المخلوقات دي.. طاردونا!! طاردونا بمنتهى السُرعة!! كُلِنا هربنا ما عدا اتنين من إخواتي مسكوهم!! وفضلوا إخواتي يتألموا!! ويصرخوا!! يصرخوا!! وبعد شوية.. هدوء تام، ولا كأن حصل حاجة!
من تاني يوم إخواتي بقوا مُختَلفين عننا.. كرهوا النور، بقوا بيستخبوا طول النهار لما التكبيرات بتملى المكان خلال اليوم، بيتألموا! بيتعذبوا! بيتعذبوا جدًا، ولما بيخرجوا بالليل بيبقوا مُرعبين، بخاف مِنهُم أوي، بسمع صوتهم بيتسلل لعقلي:
“سيب نفسك ليهُم.. هُما عايزينك.. مش هتتذل تاني أبدًا.. هيخلوك تنتقم من اللي أذاك”.
“ابن آدم لازم يخاف.. عشان لو خاف هيلزم حدوده.. ها شايف اللي جاي ده فى الضلمة؟ جاي على عماه المسكين.. بص هعمل فيه إيه؟”
شاب مسكين دخل الشارع بتاعنا وقفوا قدامه!! الشاب اترعب وخاف.. لسه بيرجع من مكان ما جه خرج من إخواتي المخلوقات السودا اللي كانت بتطاردنا!! وقعوه على الأرض وسحبوه لتحت!! سحبوه لتحت!!
ثواني وخرجوا من تحت الأرض ودخلوا جوا أجسام إخواتي تاني، وبكل هدوء مشوا ورجعوا انكمشوا فى الضلمة تاني!!
إخواتي شكلُهُم اتغير!! وعينيهم لونها بقى أحمر زي الدم، جلدهم بدأ يتشقق!! بعدت عنهم وسميتهم “الأغراب”.
وجت فُرصة جميلة إني أقابل ابن آدم طيب.. “نانسي”، كانت طيبة وحنينة جدًا، لقيتني في مرة بتجول عند بيتها أخدتني وكانت بتعطف عليا أوي. مقعداني فى بيت فى نفس العمارة اللي ساكنة فيها. كانت تنزل تديني أكل وميه بانتظام، وكُنت بقول ياه! أخيرًا حد هيعوضني عن الظُلم اللي اتعرضت ليه طول حياتي.. نسيت العشيرة ونسيت كُل حاجة تخُص حياتي معاهُم.
لحد ما في ليلة نانسي كانت عايزة تلعب معايا وخرجتني الشارع قدام البيت ومامتها كانت معانا. فجأة ظهر واحد معاه سكينة كان بيهدد مامتها!! نانسي كانت خايفة جدًا وصرخت!! وكان رد فِعل الراجل ده إنُه طعن نانسي بالسكينة!!! نانسي وقعت في الأرض والدم ملا المكان!!! وسط صراخ وعياط والدتها.. ونانسي مبتتحركش!! نانسى ماتت!! الإنسان الوحيد اللي عطف عليا مات!!
منظر الدم مالي الأرض!! عيني ما بين الراجل اللي بيجري وما بين دم البنت اللي مغرق المكان. من غير ما أفكر جريت وراه!!! جريت وراه بكل طاقتي!! موجة غضب وحقد و كراهية هُما اللي بيدفعوني.
إذا كانوا ولاد آدم بيعملوا كِده فى بعض.. إزاي كنت مستغرب بيعاملوني ليه كِده؟
وفريستي بتِجري بمنتهى اليأس، الخوف مني زائد الارتباك اللي هو حاسِس بيه بعد جريمتُه مخلياه بيحاول يجري بس رجليه مش شايلاه.. وأنا مش بفكر إلا في حاجة واحدة.. هقتلك!! لازم تموت!!
لحد ما دخل شارع ضلمة مسدود.. بص وراه لقاني واقف وعيني بتلمع فى الضلمة. أنا حاسس بالخوف اللي مالي قلبُه.. ما بيني وبينه أمتار!! رفع السكينة في الهوا في محاولة إنه يدافع عن نفسه، هجمت عليه، أصبحت إيده اللي شايلة السكينة بين أنيابي.. فضلت أضغط بكل غضب، أضغط!! لحد ما قطعت إيده!! فصلتها عن دراعُه.. اترمى على الأرض وهو بيصرخ! بيصرخ! بس محدش سامعه.. مفيش إلا أنا وهو وقَدَرُه!!
وهجمت الهجمة الأخيرة! رقبته المرة دي! ضغطت أقوى من الأول، أول مرة أدوق طعم الدم!! طعمه شبه الصدا. بُركان من الدم انفجر من شرايين رقبته اللي قطعتها بأسناني! وفضل جِسمُه يتنفض! يتنفض لحد ما مات.
سيبته مرمي على الأرض وأنا بحاول أخُد نَفَسي، باصص لجُثِتُه في منتهى الغِل.. ومن بين جُثِتُه، تحديدًا من تحتها خَرَج كائن من الكائنات اللي شوفتها قبل كِده.. فاكرينهُم؟ أول مرة أشوفه عن قُرب.. كيان أسود وطويل بيتحرك زي التعابين بشكل هادي في منتهى الخبث، دراعات طويلة، وصوابعه زي الإبَرْ!! وبدأت أحس بصوت بيتكلم من جوه عقلي:
“ابن آدم من أول الكون ما اتخلق وهو سبب كل الشر. شوفت الطبيعة البشرية وجنونها؟ شوفت بيعملوا إيه في بعض؟ أنت المفروض تبقى معانا. مع مخلوقات أسمى وأشرف منهم. طول حياتك كُنت بتِتهان.. معايا هتبقى أقوى وعمرك ما هتُستضعف تاني. أوهب لي جسدك ونفسك.. وأنا أوهبلك قوة مشوفتهاش طول عُمرَك”.
مقدرتش أتحكم فب دموعي وأنا بفتكر “نانسى” وحنيتها معايا.. وبدون تَرَدُد اترميت بين دراعات مخلوق الظلام.
رجعت لأهلي ولما شافوني فهموا أنا بقيت إيه.. وزي “الأغراب” أهلي نبذوني أنا كمان.. بقيت بشوف كُل حاجة بلون الدم. بقى عندى طاقة شر أكتر من كُل الشر اللي فى البشر.. بس مش مُهِم!!
المُهِم دلوقتي إني بقيت بقدر على حاجات مفيش مخلوق يقدر عليها.. مبقاش فارق معايا الأكل، طعم كُل حاجة من العالم ده بقى واحد. مبقتش أحس بالجو إذا كان سُخن أو بارد. بسمع أفكار كُل كائن حي، بلعب بعقل أي كائن حي. بس بتعب أوي وقت النهار، بستخبى لحد ما يجي سواد الليل، وبقيت بتألِم أوي من أصوات التكبير اللي بسمعها خلال اليوم.. بتتعبني!! بتقطع فى جسمي!! بس برضُه مِش مُهِم!!
مبقتش فارق معايا يا ابن آدم.. بالعكس، لما بشوفك معدي من قدامي بالليل ببقى مُستَمتِع جِدًا وأنا بهاجمك. كُنت رافض تشوف مني الجانب الكويس؟ خلاص هوريك الجانِب المُرعِب!
عايزك تضربني بحجر زي ما كنت بتعمل، عايزك تمشي بالليل وأنت لوحدك فى الشارع عشان أصطادك يا مسكين فى سواد الليل، وأخدك رِحلة لعالم تتمنى كُنت تموت قبل ما تشوفُه.
أنا في كل مكان.. فى الخرابات، مقالب الزبالة، تحت البيوت.. بستنى أي ضحية أهاجمها. عايزك وأنت داخل بيتك بالليل وتلاقيني واقف على المدخل تِخاف.. تخاف جدًا.. عشان أيوة اللي في بالك صح.
أنا مش كلب أسود!