
الأمنية القاتلة
من أصعب الحاجات اللي ممكن تمر على أي طفل أنه يلاقي باقي الأطفال خايفين منه، يعني في بعض الأحيان بيكون الطفل عدواني أو عنده فرط حركة أو حتى غريب الأطوار، وقتها باقي الأولاد مش بيحبوا يلعبوا معاه، لكن الشكوى اللي كانت بتيجي من المدرسة بسبب (مارك) ابني كانت الأغرب علي الإطلاق وهي إن الأطفال بتخاف منه!! بيخافوا ويعيطوا بدون سبب واضح، بالرغم من إن (مارك) طفل هادي ومش بيعمل مشاكل.
أتعرفت على مراتي (هيلينا) في الكلية وحبينا بعض وأتجوزنا رغم معارضة الأهل عشان سننا صغير، وأشتغلنا وبقي عندنا بيت جميل في حي هادي، كانت مستعجلة على الحمل عشان هى طول حياتها من غير عائلة وكان نفسها تعمل أسرة خاصة بيها بأسرع وقت مع الشخص اللي حبته، فضلنا سنتين من غير حمل، كانت نفسياًمش مبسوطة ونفسها يبقي عندنا طفل بس الدكاترة قالوا إن فرص الحمل ضعيفة، تحولت من وش مشرق بالحياة لشخص أنا معرفوش، وحاولت الانتحار أكثر من مرة وحولت حياتنا لجحيم، مع إني قولتلها أن حبي ليها أهم من أي حاجه وإني مش عايز أطفال وهى كفاية عليا، لكن هي بقت إنسانة تانية خالص كل تفكيرها في الانتحار وإنها ملهاش فايدة ومش هتعرف تكون الأسرة اللي نفسها فيها، وقاعدة في أوضتها لوحدها طول الوقت ومولعه شموع وبتصلي.
بعد ما ضرب اليأس كل محاولاتنا، كانت مفاجأة كبيرة لما جت وقالتلي إنها حامل!! مفاجأة ولغبطة وفرحة كبيرة، رحنا للدكتور ووصف الحمل ده بالمعجزة، وعلي عكس المتوقع عدى الحمل بسلام بدون مشاكل، وبقي عندنا طفل جميل واختارنا له أسم (مارك).
لما أتولد (مارك) كانت فرحة كبيرة وكان طفل هادي غير طبيعة الأطفال حديثي الولادة، حتي لما كبر شوية بردو مكنش بيغضب ولا بيعمل شقاوة، كان بيلعب بهدوء، حتى اعتقدنا أنه ممكن يكون مريض توحد، بس كل الفحوصات أكدت أنه طفل عادي ودي طبيعة شخصيته، بقينا فرحانين بيه أكتر عشان مميز، وكانت (هيلينا) بتخاف عليه جدًا لدرجة مش بتسيبه يلعب لوحده ومش بنخرج بيه كتير، وده كان سبب في إننا نتفاجأ لما دخل المدرسة بردود أفعال الأطفال اللي معاه لأنهم كانوا… كانوا خايفين منه، بيعيطوا ويصرخوا مجرد ما يدخل الفصل.
في أول ترم المدرسة مبلغتناش بحاجة وفكروا أنهم يحلوا الموضوع من نفسهم ويفهموا السبب، عشان ميبانوش مدرسة فاشلة، وطبعًا كان صعب جداً طفل عنده خمس سنين يقعد مع أخصائية نفسية، لما يأسوا كلمونا كان بقي الترم التاني، بلغونا باللي بيحصل وأنهم طول الترم الأول (مارك) قاعد في كرسي لوحده بعيد عن باقي الأطفال، وأن لازم نتعاون عشان نعرف السبب.
الغريب إن (مارك) مكنش بيحكي حاجه، بالعكس كان بيجي سعيد ولما نسأله اتعلم إيه بيقول علي الحروف والأغاني، ومقالش ولا حاجة عن مشكلته مع الأولاد.
أبتدينا من جديد ندور علي دكاترة نفسيين أطفال ونبحث ونتكلم معاه، بس موصلناش لحاجة وفضل الحال زي ما هو، بيقعد فب كرسي في نفس الفصل بس جنب المدرسة بعيد عن باقي الأطفال.
اللي عرفته كمان في إجتماع الآباء أن المدرسات والمدرسين كمان بيقولوا بينهم وبين بعض أن (مارك) فيه حاجه غريبة، ومش بيحسوا بالراحة في وجوده، وقتها قررت أني هنقله في مدرسة تانية، وارد يكون هو مش مبسوط وبيفتعل تصرفات وتعبيرات وش تخلي اللي حواليه ينفروا منه.
وبالفعل أول ما خلص الترم التاني، نقلته مدرسة تانية قريبة من البيت، مش بالمستوى بتاع المدرسة القديمة، بس جايز يتبسط فيها وميجيش شكوى، لكن مع أول أسبوع ليه اتكررت نفس الشكوى بنفس الكلام، وهنا بقي إحساسنا إن فعلاً فيه مشكلة، ولازم نعرف ايه الاسباب ونلاقي لها حل.
كان أول قرار إنه هيكمل تعليم في البيت، (هيلينا) سابت شغلها وتفرغت لتعليمه مع مدرسين خصوصين في كل حاجه، الوضع ده كان أفضل للجميع، والمدرسين في البيت محدش اشتكي منه، قولنا يمكن هو مش شخص إجتماعي والموضوع اتقفل.
بس كانت تصرفاته مريبة شوية، يعني كنا فجأة بنلاقيه واقف جنبنا وأحنا نايمين، أو نصحي ندور عليه في البيت كله مش موجود ويطلع كان نايم في الجنينة بره، وبعدين ابتدى يظهر حاجات أغرب، زي إنه لما يتعصب فيه حاجه بتتكسر سواء كوباية أو طبق.
اتكلمت مع (هيلينا) أن أكيد أحنا قدام معجزة وعنده قدرات خارقة، وأن كل شيء وارد، ولازم نهتم بيه ومنعرفش حد موهبته لحد ما هو يفهمها ونستوعبها، وأكيد ده السبب في أنه مكنش مُتقبل المدرسة لأنه مختلف.
مرت الأيام وبقي ٩ سنين وكان (مارك) شاطر دراسيًا ومتميز وزكي، وكان بردو بيظهر مهارات وحاجات خارقة للطبيعة، لحد ما في يوم كان السبب في موت (بلو) الكلب بتاعنا، أخده معاه يتمشوا بره وأتأخر، رحت وراهم في طريق الغابة لقيت (مارك) قاعد وسط الشجر وقدامه (بلو) بس متقطع والدم في كل حتة، أتجمدت مكاني من هول الموقف، وهو شافني وعينه جت في عيني، عينه كانت متغيرة ونظراته حادة وملامحه كلها جامدة من غير تعبيرات، لما شافني أتغير كل ده ورجع بنظرته العادية وجري عليا وقالي أنه (بلو) جري منه وبعدين لقاه بالشكل ده مش عارف أيه اللي عمل فيه كده، وبيقول إن ممكن يكون ذئب أو دب، وتصنع البكاء بس أنا وقتها حاولت أبين إني مصدقه، لكن أنا أبتديت أشك أنه مش مجرد عنده قدرات خارقة، أكيد في حاجه تانية.
من بعد حادثة(بلو) وكل الأحداث بقت سريعة وحياتنا اتقلبت، بعد عيد ميلاده ال ١٣ بظبط كل حاجه اتغيرت.
كان عندنا مخزن بس مهجور محتاج توضيب وبعيد شوية عن البيت، في يوم لمحت (مارك) راجع من ناحيته في وقت متأخر، وقررت أروح أشوف فيه أيه هناك من غير ما حد يحس، خليت (هيلينا) تاخد (مارك) معاها تاني يوم وهي بتشتري الطلبات، ورحت أنا للمخزن اللي هو عبارة عن كوخ خشب متوسط الحجم، مُهمل من أول ما ورثت البيت عن جدي، الهدف منه تخزين الخشب عشان الدفاية بس احنا استبدلناها بدفاية كهربا ومبقناش نحتاج خشب.
دخلت المخزن؛ اللي كان ريحته بشعة، ريحة عفن وتراب لا تحتمل مكنش فيه نور، لقيت كشاف متعلق جنب الباب استخدمته مع خيوط ضوء الشمس اللي داخله من فروق الخشب اللي في سقف الكوخ وضحت الرؤية شوية، فضلت أدور بين الخشب المرمي علي الأرض وفي الرفوف الخشبية المتعلقة وفيها مسامير وأدوات، مكنش فيه حاجه خالص غير الريحة البشعة اللي خلتني قررت أخرج وإن ابني كان بيلعب ناحيه الكوخ مش أكتر.
بس وانا طريقي للخروج اتكعبلت في حاجه، طرف خشبة، وطيت عشان أشوف أيه ده، لقيتها فتحة في الأرضية مش مقفولة كويس، شيلت الخشب اللي فوقها وحاولت افتحها، واتفتحت بس طلع منها ريحه أبشع ما يكون، غطيت أنفي ونزلت تحت عشان أتفاجأ بعرايس من الشمع لأطفال وچاكيت (مارك) ولعبته المفضلة وكمان (بلو) الكلب .. أنا.. أنا دفنته بنفسي إزاي موجود هنا، قربت منه لقيته تمثال من الشمع بس بجثة (بلو)، كسرت كل العرايس ولقيت أن اللي تحتها جثث لأطفال !! مكنتش مصدق نفسي والعرق مغطيني، والصدمة مخلياني مش عارف أتصرف إزاي..
خرجت من الكوخ بسرعة ورجعت البيت مش عارف أتصرف إزاي وايه اللي بيحصل..طيب أبلغ الشرطة .. محدش هيصدق وكمان ده إبني.. فضلت أفكر لحد ما رجعوا من برة.
طول الوقت اللي فات مع الملاحظات الغريبة علي (مارك) كانت (هيلينا) رافضة تقتنع أنه فيه حاجه مش طبيعية، وكانت دايمًا تدافع وتوجد مبررات لكل تصرفاته، عشان كده بطلت أتكلم معاها بخصوصه وقررت أبحث وأراقب لوحدي.
لكن بالوضع اللي موجود حالياً، لازم هي تعرف وتعترف إن فيه حاجه مش مظبوطة.
استنيت لما (مارك) نام وحكيتلها كل اللي حصل والمرة دي عكس كل المرات اتصدمت وبكت
وقالتلي “أنا السبب .. أنا السبب”
أستغرابي زاد وقولتلها أنتي السبب إزاي قولي، الموضوع خرج عن السيطرة ودلوقتي هو قاتل وكمان بيمثل بالجثث وبيعملهم عرايس شمع.
ردت قالت “أنا اللي فضلت أتمني طفل، ودعيت ربنا كتير إني أبقي أم، لكن كان كل مرة الدكتور يقول مفيش أمل، في مرة بعد محاولة من محاولاتي للانتحار جالي في الحلم كائن شكله مرعب وقالي جربي تطلبي مني وأنا هساعدك، والحلم ده فضل يتكرر كتير لحد ما قررت أني اطلب منه… من الشيطان.. أيوة طلبت من الشيطان أنه يساعدني أبقي أم.. كنت يائسة وجربت كل الحلول ومش قدامي غير الحل البائس اللي شبه حالتي، أتمنيت وفي المقابل طلب مني تضحيات، عشان يديني طفل لازم أخد روح أكتر من طفل في المقابل وبطريقة معينه، كنت بقفل علي نفسي الأوضه وانت فاكرني مكتئبة، لكن انا بنزل من الشباك واخطف الأطفال اللي أنت شفتها دي واغلفهم بالشمع رغبة من الشيطان وعشان ريحتهم متطلعش، بس انا خطفت طفلين بس، وبعدها عرفت إني حامل وفرحت، لكن من أول ما أتولد (مارك) وأنا شفت في عينه نظرة الشر اللي شفتها في عين الكيان اللي بيجيلي في أحلامي يقولي الطلبات، عرفت أنه اللي بيختار طريق الشر لازم يحصد شوك، ولاحظت كل الحاجات الخارقة اللي بيعملها، لحد ما ابتدي يكمل سلسة خطف الأطفال ويغلفهم بالشمع ويحطهم في المخزن وأنا … أنا للأسف كنت بساعده في ده، مقدرش أقول لا، لأنه هددني أني لو رفضت هياخد مني (مارك)” بعدين انهارت في البكاء.
مفيش تعبير يقدر يوصف صدمتي وقتها، مش مستوعب نص كلامها لأن مخي رافض تصديقه، سبتها وقمت أخرج من الاوضه، لقيت (مارك) في وشي مبتسم وفي إيده سكينة، كانت عينه متغيرة ونظرته شريرة، نفس النظرة اللي شفتها يوم ما قتل(بلو)، هجم عليا وعلي (هيلينا) وصوته كان متغير مش صوت طفل عنده ١٣ سنه أبدًا وقال لهيلينا “مش المفروض تقولي السر دلوقتي مصيرك الموت”
كنت بحجزه بأيدي بس أداني طعنة في رجلي، وراح طعن هيلينا طعنات كتير في أماكن متفرقة لحد ما ماتت، وانا قدرت أستغل الوقت اللي بيقتل فيه وزحفت لحد السرير وطلعت المسدس شافني وهجم عليا بس زقيته وقتلته … أيوة قتلته لانه كان هيقتلني أكيد، قتلته عشان ده مش أبني، ده الشيطان.
*بعد التحقيق وإخراج الجثث أتضح إنهم أطفال الحي المختفين بشكل غريب، وبالتحقيق مع الأب ورفع البصمات كان كل البصمات في المخزن للأم والإبن، وخرج الأب براءة، لكن مازال بيتعالج نفسياً*