حكاياتطلاسم

الإرْثُ

الارث
الإرْثُ .. وسط الجبال والأرض الرملية الصفراء المُلهمة، هكذا أعيش أنا (صلاح) وعائلتي وأجدادنا وسوف يعيش أولادنا من بعدنا، حياة خالية من الترف، تعتمد على العمل الدؤوب الدائم، وإلا لن تجد قوت يومك، ولكن سمعت يومًا أن بعض الأجداد يتركون إرث عظيم لأحفادهم ويتم الإفصاح عنه في الوقت المعلوم وهو وقت الرُشد، ولذلك ظللت طوال عمري أبحث عن أي صلة تدلني عن وجود كنز ينتظرني بالمستقبل، فقد كان أبي كبيرًا طاعن بالسن ولا يبدو أنه يريد أن يترك هذه الحياة ويدلني على الكنز الذي بانتظاري.

ولكنه عندما تخطى المائة والستون، وأحس أنه على مشارف مفارقة الحياة قرر أن يحكي لي قصة عائلتنا وعن كنوزها
وقال والدي الشيخ فرحات الحكيم” يا ولدي الكنز هو كنز معنوي ومادي، إذا وصلت للمعنوي بقرارة نفسك ستجد المادي، فقد أعماني الطمع مثلك تمامًا ولذلك لم أجد الكنز الخاص بي، وقد كان الكنز المعنوي هو القناعة ولكني لم أقنع، ولذلك عشنا بضيق الحال سنوات طوال وقد أمد الله بعمري حتى يعلمني درسًا وها قد تعلمته وأستعد للرحيل، يا ولدي القناعة حقًا كنزًا لا يفنى، ولذلك أوصيك بالقناعة وأن تبحث داخلك وستجد كنزك وتنتقل لرغد الحياة إذا أراد الله”.

لم يكمل حديثه، أو ربما كان من الحكمة ألا يكمل، لا أعرف فأنا لا أحبذ هذه الطريقة، ربما كان من الأفضل أن يخبرني بمكان الكنز لأذهب لإحضاره وتنتهي المعناة، ولكنه لم يفعل وتوفى مباشرة بعد حديثه معي وتركنا علي حالنا.

مرت الأيام وأنا ما زلت أبحث في مقتنيات أبي و أتتبع آثر القبيلة كما أعتدت أن أفعل وتزوجت وأنجبت ولدين، (قاسم و فهيم)، وأخبرتهم عندما بلغا سن الرشد بأمر الكنز وقد أثار الحديث اهتمامهم حتى قررا السعي والبحث معي عنه، ولكن من الواضح أن أبي محقًا، علمت ذلك بعد ما بلغت من العُمر أرزله، لماذا لا يرى الإنسان الأفعال الحميدة وأهميتها إلا بعد كل هذا العمر، لهذه الدرجة أعمتني الدنيا وملذاتها، الآن أنا راضٍ وأتمنى أن يجد أولادي الكنز ويتمتعون به، لقد وضع أجدادي شروط صعبة لمن يريد أن ينال رغد الحياة.

مع أول شمس تسطع وأنا إنسان مختلف ولا أريد الكنز، حدث ما لم يكن ليأتي على بال أحد، ظهر أمامي وسط ممتلكات أبي صندوق خشبي، تعجبت كيف لم أره من قبل به نقوش تعود لحضارة قديمة ما لا أعرفها، وبداخله ورقة تحمل رسالة، فحواها ” عثورك على الرسالة يعني أنك قد وجدت كنزك الأول من القناعة والرضا، وأتمنى أن تكون قد وصلت للقناعة والرضا وأنت في سن الشباب حتي يتثنى لك السفر في رحلة البحث عن الكنز الكبير وهو مغارة ممتلئة بالذهب وأيضًا أكسير الحياة الذي قد يمنحك الخلود ويعيد لك شبابك إذا كان الشيب قد لحق بك، ولكن الثمن يجب أن يكون بالدم لإرضاء خُدام الكنز الذين يحفظونه ويخبئونه لك عن أعين الباحثين طوال هذه السنين، ولذلك يجب أن تكون التضحية كبيرة ومن دمك”,
كانت الرسالة مليئة بالألغاز ولكن كان هذا معناها، ومرفق معها تفاصيل الخريطة وما إلى ذلك، ظل يفكر مطولًا فيما سيفعل، وظهر أصل شخصيته الأنانية والجشعة، ولم يفكر لوهلة بأولاده بل أنصب تفكيره في العودة للشباب مرة أخرى والتمتع بكنز عظيم، ولاحت له أفكار كبناء قصر وشراء ما حُرم منه، كما أنه بدأ يفكر من يجب أن يضحي من دمه فهو لا يملك سوى أولاده.
جاءته فكرة أن يأخذ أولاده الاثنين معه وبرحلة البحث وتكن هذه الرحلة الأولى لهم سويًا يتعرفون على مكنوناتهم، لم يتثنى لهم التقرب بهذا الشكل من قبل.

وبدأت الرحلة وقد ظهر من أفعالهم ما لم يراه والدهم من قبل، فقد كانوا مختلفين تمامًا من حيث الطباع والأخلاق، فقد كان(قاسم) ذو طباع حميدة ويساعد والده أثناء رحلتهم عبر الصحراء، بينما كان (فهيم) ذو طبع سيء ويتلفظ بألفاظ نابية طوال الوقت وكان جل همه الكنز بل ويتمنى أن يموت والده لأنه يعطل حركتهم في الرحلة بسبب كبر سنه.
وصلا لوجهتهم الأولى، هي المعبد، به الدليل الأول للكنز، مجرد دليل ولكنه هام، وهو القطعة الناقصة من الخريطة، وبها خطوتهم التالية وهي بقعة معينة بالصحراء والطلاسم التي يجب أن يتلوها (الشيخ صلاح) هناك.
أستكمل ثلاثتهم الرحلة وأثناء ذلك قال لهم (صلاح) الجزء الخاص بالتضحية بالدم، وأنه يجب أن يكون هو من يتلو الطلاسم ولذلك عليه أن يضحي بأحدهم.
ساد الصمت فترة من الزمن، ولكن سرعان ما قطع الصمت صرخات (قاسم) وهو يستغيث من لدغة عقرب، وبعد إسعافه بسبب خبرتهم في الصحراء وسكانها أتضح أن (فهيم) هو من ترك خيمه أخيه مفتوحه ليلًا عن عمد، وظل يحاول قتله بطرق غير مباشرة، حتى نجح بقتله عن طريق أستدراجه لمنطقه بها حافة جبل، وراح (قاسم) ذو الأخلاق الحميدة ضحية، ولم يكتفي (فهيم) بذلك ولكنه أحضر جثه أخاه إلى أبيه في الصباح وقال له أنه وقع ليلًا والآن معنا الدم المطلوب للأضحية.

صُدم (صلاح) وظل يبكي وهو يعرف في داخله أن(فهيم) السبب في قتل أخيه، ولكنه أسرها في نفسه، وأستكمل رحلته ووصلا للبقعة المطلوبة بالصحراء، بدئوا في الطقوس وأسالوا دماء (قاسم) علي الرمال حتى امتزجت بها، وتلى تعاويذه وطلاسمه، فأنشقت الأرض من تحت أرجلهم تفسح المجال لسلم يشق الأرض للأسفل، وتشتعل نيران بطول السلم من الجانبين لتنير الطريق، نزلا سويًا وكانت مفاجأة أفرغت أفواههم من شدة الذهول، كان أمامهم كنز من الذهب عظيم، وفي نهاية الطريق يد ذهبية تحمل قارورة زجاجية صغيرة بداخلها سائل شفاف اللون، عرف أنه هو أكسير الحياة وهم أن يأخذها ولكن منعه(فهيم).
وقال له ” لقد انتهى دورك الآن، ويجب أن تترك هذا الترياق لي، وأعدك أنني سأخلد أسمك وأسم عائلتي”
ثم نظر له نظرة مرعبة لا يجب أن تكون من الابن لأبيه، وطعنه بخنجر ذهبي وجده عند نزوله لهذا النفق ليفارق الحياة بين يدي أبنه وعلى الأرض التي حلم طوال عمره أن يجدها، وسط الكنز الذهبي وعلى بُعد خطوات من الترياق الذي يجب أن يعيد له شبابه ويخلده في الدنيا يتمتع بالكنز.

ذهب(فهيم) وفي عينيه يلمع الذهب إلى الترياق وتجرعه جرعة واحدة، ولكنه أحس بأنه ينهش أحشائه، وسمع صوت أجش لا يمكن أن يكون من بشري يقول.
” أنتم البشر لا تعقلون وتتمتعون بقدر كبير من الأنانية، حتى أنك غفلت عن أن من قرأ الطلاسم هو الذي يشرب الترياق وإذا شربه أخر تذهب روحه للجحيم.. مرحبًا بك في الجحيم”.

ثم أغلق النفق وعاد قطعة من الصحراء من جديد، وعاد النفق كما هو بجرعة ترياق جديدة وخالٍ من أجساد (صلاح) و(فهيم) ولكنه سيظل شاهد على هذه الحادثة، وربما شهد مثلها من قبل وما هي إلا مقبرة للأحلام.

اقرأ أيضاً

لغز وحش فلاتوودز الفضائي

لغز اختفاء مادلين ماكان

زر الذهاب إلى الأعلى