سينما

البرنس أم المهاجر؟

بقلم عبدالرحمن جاويش

البرنس أم المهاجر؟

لا يمكن إنكار تفوق “البرنس” عن توقعات المشاهدين ممن عرفوا  الممثل “محمد رمضان” في السنوات الأخيرة، وخروجه عن “الكليشيهات” بشكلٍ نسبي؛ ففي هذا الموسم تخيل رمضان عن “البطولة المنفردة” وترك المساحة من خلفه لفنانين آخرين، ومواهب حقيقية أثبت معظمهم جدارة في أداء أدوارهم، في حدود السيناريو المرسوم بالطبع، حتى وإن لم يكن أفضل سيناريو يمكن الحصول عليه من هذه القصة، فيكفي أنه مختلف عن قصص رمضان السابقة.

لكن مما أثار النقاش دون أن يرتقي جدلًا هو ملاحظة المشاهدين تشابه قصة “رضوان البرنس” مع قصة “يوسف الصديق” الأشهر في التاريخ، فهي تتقاطع معها في نقطة تفضيل الأب لولد معين عن البقية، وكذلك حقد معظمهم على هذا الأخ ورغبتهم في إيذائه، والتآمر عليه للتخلص منه، وكذلك دخوله السجن.. التشابه واضح بالطبع، خاصةً مع التصريح الذي ظهر في أحد الحلقات حين تم تشغيل “سورة يوسف” في عزاء الأب.

بأقل القليل من التجريد يمكن اعتبار “البرنس” هو محاولة أخرى لإعادة إنتاج فيلم “المُهاجر” للراحل يوسف شاهين.. الفيلم الذي رافقته حادثة طريفة لا يزال تداولها حاضرًا حتى الآن، ففي بداية الفيلم ظهر تنويهًا باللغتين العربية والفرنسية.. لكن التنويهين مختلفين تمامًا، وكأن شاهين قصد توجيه رسالتين مختلفتين لطائفتين من جمهوره؛ فالرسالة العربية أوضحت أن أحداث الفيلم مجرد اقتباس من التراث الإنساني، أما الفرنسية فوصفت الفيلم صراحةً على أنه تجسيد مباشر لقصة حياة النبي يوسف مع أبيه “يعقوب؛ الأمر الذي أدى لوقف عرض الفيلم في مصر، ولجوءه للقضاء حتى يُعرَض الفيلم في مصر، ولكن المهاجر أيضًا لم يلقَ حظه من العرض التلفزيوني فيما بعد.

يروي المهاجر في أحداثه قصة إحدى القبائل البدائية التي تعتمد على الرعي، وسريعًا ما نتعرف على العائلة المكونة من أب عجوز وعدد من الأبناء، أبرزهم بطلنا “رام” الذي ميزه الأب عن بقية الإخوة، مما يثير غضب الإخوة ومقتهم لأخيهم، يتزامن هذا الحقد مع رغبة رام في تعلم الزراعة حتى ينقذ قبيلته من حياة الرعي غير المستقرة.. يوافق الأب مؤتمنًا إخوته عليه، لكن الإخوة يقيدون حركته ويزجون به في إحدى السفن حتى يعثر عليه مالك السفينة ويقرر بيعه في مصر.

تظهر على “رام” بوادر التمرد حين يرفض تعلم “فن الموت” وهو التحنيط، ويتعلم “فن الحياة” وهو الزراعة.. ويخوض “رام” مغامرة تشبه مغامرة يوسف مع عزيز مصر وزوجته، حين تصمم زوجة القائد العسكري الذي اشترى “رام” على أن تطارحه الغرام.

يهجر رام كل الصراعات ويذهب لزراعة قطعة أرض وهبها له القائد العسكري “أميهار”، وهناك يجد العقبات، لكنه يتجاوزها حتى يبلغ الحب والنجاح في مهمته على حدود مصر، ومن ثمة ينقذ مصر من المجاعة، وكما يتوقع المشاهدين، يظهر الإخوة ويحدث العفو الشهير من “رام عنهم”، وحينها يقرر العودة لقبيلته مرة أخرى.

حبكة الحقد بين الإخوة هي أقدم حبكة عرفتها  البشرية من خلال قصة قابيل وهابيل، واستثمارها في عمل فني ليس الأول، ولن يكون الأخير، ولعل أشهر من مزج بين قصة آدم، وقصة يوسف في السينما العربية كان المخرج خالد يوسف في فيلم دكان شحاتة، فقد مزج بين أسباب الصراع في القصتين التاريختين وخلق منهما قصة شبه جديدة؛ فصراع قابيل وهابيل كان سببه الزواج، وصراع يوسف مع إخوته كان سببه تفضيل الأب، وقد نال “شحاتة” كره إخوته للسببين مجتمعين.

وهذا الطرح يأخذنا لرغبة خالد يوسف الدائمة في المزج بين أعمال وبعضها، وقد فعل هذا مع الكثير من قصص أستاذه “يوسف شاهين”، ولعل أبرز مزج فعله بعد “دكان شحاتة” هو الذي حدث في “الريس عمر حرب” حين مزج بين الإسقاط في رواية “أولاد حارتنا” للأديب العالمي نجيب محفوظ، وبين الرواية المسرحية الأشهر “فاوست” من تأليف الكاتب والفيلسوف الألماني “جوتة”..

يمزج “الريس عمر حرب” بين صراع الإنسان مع الشيطان، وفي نفس الوقت يحاكي قصة الخلق البشري وتمرد الشيطان وبداية صراعه مع الإنسان.

وعلى الرغم عدم إعجابي بالعملين بشكل كامل، على الرغم من كون الطرح جديدًا على المشاهد العربي، إلا أن تطوير فكرة المزج بين القصص التاريخي والروايات العالمية قد يعطي مُنتجًا إبداعيًا أفضل في المستقبل، ومرجعًا لمن يريد استلهام حبكاته من التاريخ.

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى