حكايات

البيانو

البيانو“ليس كل ما تشتهيه النفس تجده .. ولكن كل ما قد يشتهيه العقل لابد أن يجده؛ لأن للعقل قدرات قد تصل به إلى معرفة الكثير الذي من السهل أن نصل إليه الآن .. ولكن فى حقيقة الأمر الإنسان دائمًا وأبدًا يبحث عن ما هو سهل ومريح ليصل إلى ما قد يتمناه .. وحتى يتسنى لنا أن نعرف ما قد يشتهيه العقل لابد أن نضع أعيننا إلى الأمام ونبدأ قى اتخاذ الخطوات السريعة تجاه الهدف ..

البداية دائمًا تبدو مبهمة!
أنامل أنثى فى أوائل سن الأربعين، تسير بهدوء وخفة على نغمات البيانو الحالك اللون الأسود فى المكان المخصص إليه داخل المساحة الشاسعة فى القصر .. يبدو على اللحن أنه مناسب لفترة صباحية وبالتحديد بعد شروق الشمس مع زقزقة العصافير التى تبعث دائمًا الأمل فى نفوس البشر ..

لحظات من الإبداع يأتي معها فى حديقة القصر فتاة فى بداية النضوج تجلس على الحشائش متأملة الورود الموجودة في المكان ثم تنظر إلى ذلك الشاب المتواجد معها .. تبادلا القبلات فى تناغم مع ذلك اللحن الجميل ثم أخذا يتحدثان عن مستقبلهما سويًا وماذا سيفعلان في الأيام المقبلة إلى أن توقف العزف ونظرا كل منهما تجاه البيانو!!

ألحان الحياة ليست ثابتة!
توقف تام لأنامل تلك المرأة، يبدو وأنها تفكر فى شيء ما .. تعود أصابعها للضغط على أزرار الحياة من جديد ولكن بلحن آخر مختلف .. لحن آخر يبدو عليه التناقض التام مع ما سبقه، ولكنه من أروع ما عزفت .. تتسارع وتتباطأ أصابعها لتخرج تلك الموسيقى التى حركت غريزة صاحب القصر تجاه تلك الفتاة البسيطة التى تساعد والدتها الخادمة لتنظيف القصر .. تتحرك الفتاة إلى الداخل ويتحرك معها نصف الرجل الأسفل محاولًا منه أن يخرج ما بداخله من غريزة حيوانية ..

وفي لمح البصر كان متواجدًا معها في الداخل ليحاول أن يلتهم جزءً من فريسته قبل أن تأتي زوجته من تلك الحفلة الخيرية التي يقابل فيها النساء “الزينة” لرواية حكاياتهم السخيفة .. وبعد محاولات مستميتة، اخترق الحيوان جدار تلك الفتاة ليهدم منزلها الجميل التي طالما حلمت به مع من تحب!!

أحيانًا تصبح الكراهية أداة للنسيان!!
توقفت المرأة تمامًا عن العزف، وأخذت بعض الرشفات من الشاي ومع كل رشفة كانت تسرح بعيدًا جدًا عن ما يبعد عن الأفق .. تحاول أن تصل إلى أي شيء .. تحاول أن تعرف على الأقل ما ستعزف بعد ذلك ..

بعد فترة عادت إلى الواقع من جديد وبدأت فى العزف مرة أخرى .. العزف الذي تلاه صرخات أتت من الدور العلوي لتعلن به فتاة العاشرة أن والدها قد مات وأنها ستبقى فى ذلك العالم الموحش بفردها .. دموع تكاد تسيل على خديها .. ونظرة ورائها ابتسامة صفراء .. نعم فإنها كانت تدعي الحزن أمام من كان متواجد فى الجنازة، فهى كانت تكره أبيها بلا سبب، إنها كراهية تسير على رجليها دون أدنى داعي!!!

الذكريات لا تموت!!
إنه وقت إنهاء اللحن .. فقد بدأت المرأة تشعر بالملل من تغير الألحان والتوقف والبداية من جديد .. أخذت مرة واحدة وبدأت بعزف اللحن كاملًا مرة واحدة .. مرت بعينيها على صورًا لها متواجدة على منضدة متواجدة بجوارها .. فمرت على صورتها وهي فتاة مع حبيبها ثم بعد ذلك مع صورة لها مع أمها وأخيرًا وهي طفلة فى سن العاشرة تتوسط أبيها وأمها وعمتها .. فلقد أخرجت من ألحان البيانو حكايات لها فى صور وأشكال من المستحيل أن تتواجد إلا فى خيال الموسيقى فقط !!

زر الذهاب إلى الأعلى