التكرار القهري
“أنا حبيت اللعبة دى جدًا.. أنا هلعبها تاني!!!”.
يحكي أحد الأشخاص أنه كان مع عائلته في الملاهي وكانت تتواجد لعبة قد يصل ارتفاعها إلى ثلاث طوابق أو ربما أكثر.. وقرر هو وأخيه الأصغر منه عمرًا تجربة تلك اللعبة كنوع من التجربة والاستمتاع ويقول أنه أثناء اللعب شعر بدوار وخفقان ورعب شديد وأن أخيه كان فقط يصرخ بصوت عالي حتى فقد الوعي!
وبعد الانتهاء من اللعبة وقد استعاد أخيه وعيه والاستراحة لبعض من الوقت، قرر الأخ الأصغر منه عمرًا تكرار نفس اللعبة مرة أخرى.. قرر تكرار نفس التجربة المرعبة مرة أخرى والشعور بالألم مرة أخرى.
في علم النفس يسمى هذا السلوك بـ (التكرار القهري Repetition Compulsion): وهو النشاط النفسي الذي يميل لتكرار الخبرات والتجارب التي تتسبب في الألم، وقد فسر العالم فرويد هذا السلوك على أنه مبدأ شاذ يعمل فيما وراء مبدأ اللذة، وقد اختلف الكثير من علماء النفس والمعالجين النفسيين وراء أسباب هذا الشعور.
وقد أشار فرويد أنه يرتبط بتركيب الشخصية وخاصة فى جزء (الأنا Id) المسئولة عن إشباع الرغبات مثل رغبة الحصول على اللذة ولو عن طريق الشعور بالألم.. ومنا هنا يُشتق مصطلح (المازوخية Masochism): وهو حب الألم والتلذذ بالشعور بالألم.
وقد فسره الدكتور محمد طه إلى أربعة أسباب، وذلك فى كتابه “الخروج عن النص” وهي: إعادة التجربة والسيناريو مرة أخرى للحصول على نهاية مختلفة غير التى انتهت عليه من قبل، ومحاولة الحصول على نهاية سعيدة ومريحة بدل النهاية البائسة السابقة.. “بيكون في الأغلب ناتج عن تكوين علاقات مؤلمة مسببة للآلام النفسية والتكرار للحصول على نهاية مختلفة”..
غالبًا بيكون في التجارب المؤلمة الأولى.. هذا الشخص ضعيف ومضطر وكل ما حدث بيكون خارج عن إرادته، فيكرر نفس التجربة المؤلمة بكل تفاصيلها ولكن هذه المرة بإرادته هو دون غصب خارجي وبكامل وعيه دون اضطرار، فيشعر بأنه المسيطر على ذاته “وإن كان هذا الشعور مزيف”، التكرار من أجل الانتقام، أى تكرار نفس التجربة مرة أخرى ولكن سيكون هو الشخص السادي المسبب للألم وهذا للانتقام.
الشعور بالذنب، أى الشعور بالندم لما حدث في التجربة الأولى وأنه من ساعد الطرف الآخر فى إذاء نفسه مثل (البنات ضحايا التحرش والاغتصاب).. وبفعل عوامل مجتمعية وثقافية يبدأ الانتقام من الذات عن طريق تكرار نفس الأحداث، وذلك لاستعذاب النفس.
وفى النهاية.. قد تتعدد أسباب التكرار القهري، ولكن المسئول الأول والأخير عن ذاتك هي أنت وحدك.. وجميع الأسباب تعود إلى قرارك بتكرار هذا الألم، وإن تكرر ذلك بطريقة زائدة فاحذر من أن تدخل مساحة اللا وعي.. ولابد من مراجعة المرشدين النفسيين حفاظًا على النفس من التسبب فى أذيتها.. فأنت المسئول.