4
الكحل ( الجزء الثاني) وذهبت برفقه منار صديقتي من الجامعة، ذهبنا إلي الشيخة فخرية….
الشيخة فخرية سيدة لا تختلف كثيراً عن سيدات الدول العربية تفوح منها رائحة ذكية وترتدي عباءة خضراء مزركشة بالذهبي يبدو تطريز يدوي فاخر وعلي رأسها حجاب ذهبي اللون تظهر منه خصلات شعرها أحمر اللون، وغالبا تضع قلما كامل من الكحل في عينيها حيث يبدو ثقيلاً بشكل ملفت، من قبل أن ننطق بأي كلمه قالت لي” أنتي يا فاتن جمالك لعنتك وفتحت عليكي أبواب الجحيم ولكن لكل حال حل” ؛
أحضرت (بندول ) مصنوع من الخشب لا يبدو مثل أي بندول ساعه كان مختلفاً ومكتوب عليه كلمات وأحرف عربيه لا تشكل معني لي ولكن يبدو أنها طلاسم، وأغمضت عينيها وتمتمت كلمات غير مفهومه فتحرك البندول تجاه اليمين وظل يتحرك وكأنه يداً خفيه تمسك بيه!!!
ثم أحضرت علبه فضيه بها حجر أسود اللون وكسرت منه أجزاء صغيرة ومن ثم وضعت زيت احمر اللون و بودرة سوداء أفرغتها من مظروف احمر اللون مطبق بشكل مثلث، ثم خلطت جميع المكونات سويا لتكون معجون، وضعته في علبه صغيرة ومدت يدها به لي، وقالت ” هذا كحل أصنعه أنا بنفسي من حجر لا يوجد له مثيل بالأرض، هيساعدك تشوفي الحقيقة” !!!
ارتسمت علي ملامحي الدهشة وعدم الفهم، سألتها إذا فيه عمل أو أي شيء يساعدني في التخلص من كوابيس كل ليله ولكنها أشارت لنا أن المقابلة انتهت وعلينا الرحيل.
ذهبت للمنزل وأنا أتأمل تلك العلبة الشفافة تُظهر سواد الكحل بداخلها، دائريه الشكل في حجم العملة المعدنية، وقررت أن أضع الكحل لأري ماذا سيحدث، لم أكن أتوقع الكثير لعدم ثقتي في الشيوخ ولكن فاض الكيل من تلك الكوابيس، وضعت الكحل وانتظرت دقيقتين أو ربما ثلاث، ثم قلت ماذا أنتظر يا لبلاهتي، ولكن لم اكمل كلمتي حتي أحسست بجمرة لهب في مقلتي عيني تحترق بشدة حتي صرخت ودمعت عيناي بشده ولكن سرعان ما هدأ كل شيء واستطعت أن أفتح عيني، نظرت للمرأة لم أحد شيئاً غريباً حتي لا يوجد احمرار كما توقعت.
ووسط تعجبي وأفكاري عادت أختي جميله من السوق وانتشلتني من وسط أفكاري، تسألني تفاصيل مقابلتي مع الشيخة فخرية أو الست فخريه كمان تحب أن تناديها، أخبرتها بأمر الكحل فضحكت كثيراً وقالت ” دي أكيد دجاله كحل إيه اللي هيخلصك من الكوابيس خلي بالك احسن تكون هتضرك وترجعي تدوري علي علاج عندها بردو عشان تاخد فلوس” ،
ولكني أخبرتها أنه لا يوجد لدي حل آخر سوي التجربة، وأخبرتها أنني قد وضعته بالفعل ولا أنتظر الكثير فأنا مجرد بائسة تطرق الأبواب من أجل حل ….
مر باقي اليوم في سلام لم يحدث شيئاً، ولكن وقت النوم….كانت أحلامي غير عاديه ورأيت كائنات غريبه ولكني لم أكن خائفه منها فقد كانت تساعدني وتنير لي طريقي، استيقظت وأنا في حيرة من أمري ولا أفهم كيف سيساعدني الكحل في حل مشكله الكوابيس فأنا للتو استيقظت بسبب كابوس ولكن لم يكن مثل سابقيه، ولكنه مازال غريباً بشكل ما، يخرج أبي للعمل في السابعة بالتالي لا أقابله حتي الساعة ١٢ ليلا عندما يعود بعد الوظيفتين.
كانت جميله توضب المنزل ولكن حدث شيئاً غريباً فقد كنت أرى الأشياء بطريقه مختلفه، كنت أرى هالات الطاقة للأشياء الحيه، مثل نبته الريحان علي شرفتي وأيضاً جميله …رأيت هالتها وصلتني مشاعرها فهي تحبني وأن شاب حبها بعض الغيرة الطبيعية بين الأخوات، كم أنا حمقاء لظني أنها السبب فيما يحدث، احتضنتها بقوة لعل حضني أسفا لها لما بدر مني من سوء ظن بها.
أتصل أبي وأخبرنا أن له صديق مريض وسوف يبق معه في المستشفي الليلة، أتصلت بأغلبية أصدقائي وطلبت منهم المجيء للمنزل حتي أختبر قدراتي الجديدة التي أعطاني إياها كحل الحاجة فخرية، وبعد تجمعهم في المساء علي حفل شاي وكيك متواضع أخدتني صدمه أصعب من تلك التي أخذها من صدمه قطار للتو، كم وجوه مزيفه تتظاهر بالحب والمودة والهالة المحيطة بهم سوداء من كثرة الغل والحقد.
وكم من أشخاص صامتون يكنون لنا حب عظيم، وكم أنا أشكر الحاجة فخريه علي ذلك الكحل الذي كان حقا طوق النجاة ولكن ليس من الكوابيس ولكن لغربلة المحيطين بنا من منافقين …
ذهبت في اليوم التالي لأكثر من فرد في عائلتي حتي أعرف من السبب في الكابوس الكبير الذي أعيش به، لأن في أحلامي شاهدت أكثر من مرة أن الفاعل قريب منا بدرجه كبيرة ، ولكن اكتشفت بهم كم نفاق وسواد عظيم أغلبهم إلا من رحم ربي…ولكن خاب ظني وعدت خاوية الوفاض لم أجد السبب في الكابوس….
عاد أبي في مساء ثاني يوم من تجربتي للكحل وكنت متحمسه أن أخبره بكل شيء فهو بالتأكيد أكثر شخص نقي ….ولكن كانت المفاجأة والصدمة!!!!! فقد كانت الهالة المحيطة بأبي سوداء ويهيم حوله كيانات أشبه بأشباح سوداء لها مظهر مخيف، وكانت ملامحه متغيرة، لاحظ هو تغيير ملامحي من الترحاب للرعب، هرعت لغرفه جميله لأخبرها ما حدث،
ولكن حدث شيئا عجيباً تباطأ الزمن وكأنما خرجت روحي مني.
وأصبحت في مشهد مختلف، مشهد لرجل واقف بجوار أبي،مهلا أنه (الأسطى فتحي صاحب العقار) يخبره أنه يجب أن يجلب شيخاً لا يفقه شيء للرقيه الشرعية حتي لا يشك به احد، ثم انتقل المشهد إلي مشهد في شارع جانبي يمر منه الشيخ الذي أحضره أبي لمنزلنا وأذان الفجر يصدح في الأجواء ثم يباغته أبي بطعنه أردته قتيلاً في الحال ويقول أبي” أنا كنت جايبك عشان قالولي مبيفهمش وهيقرأ قرآن علي البت وخلاص إنما طلعت بتفهم وهتوديني في داهيه مكنتش عايز أقتلك بس نصيبك كده بقي ” …..!!!!
ثم انتقل المشهد في غرفتي وكأنني أشاهد فيلماً سينمائياً شاهدت أبي يفتح مرتبه سريري ويضع ورقة ما وتمتم بكلام غير مفهوم ويخيط المرتبه مرة أخري، ثم انتقل بي الزمن مرة أخري لمشهد في مكان غريب وأبي يأخذ الورقة التي وضعها في مرتبتي من (الأسطي فتحي)،لم أكن أعلم أن ذلك الوغد علي علاقة بأعمال السحر والدجل!!!!،وتبدو عليه ملامح الشر وحوله كيانات سوداء مثل التي حول أبي….
ثم انتقل المشهد للوراء أكثر فأكثر وكان أبي أصغر سناً وها هي أمي وجميله صغيرة ذات الستة سنوات نائمه في سريرها، وأبي يتشاجر مع أمي ويقول لها ” اللي في بطنك ده مش أبني أنتي خنتيني والحمل ده مش مني ”
لترد عليه أمي ” استهدي بالله إيه الكلام الغريب اللي بتقوله ده انت شكلك بطلت تاخد الدوا اللي كتبهولك الحكيم بتاع المستشفي النفسي، أرجع خد الدوا أنا بحبك ومش عايزة أخسرك انت وعيالي ”
ليرد أبي ” أنا مش مجنووون ومش هسكت”.
ومشهد آخر لأبي في سنه الحالي مع ذلك الأسطي فتحي الذي أعطاه العمل وهو يحكي له الأول عن خيانه أمي وأنه لم ينسي ما فعلته ويشعر أن عليه الانتقام مني، فقال له فتحي ” لا لا تقتلها أيه، الحل الوحيد عشان متروحش في داهيه أنك تخليها تتجنن وتوديها مستشفي المجانين، أنا هعملك عمل يخليها تتجنن وتخلص منها وتدور علي عريس لأختها الكبيرة وتفوق لنفسك بقي وتتجوز ” ثم ضحكوا الأتنين.
أنسحب المشهد بالبطئ وعدت للحظه التي كنت بها ومازال الوقت بطئ، ذهبت لغرفتي مسرعه أحضرت مقصاً وأخرجت (العمل) من مرتبتي، وخرجت مسرعه في طريقي للباب ومازال الوقت بطئ عليهم ولكن أنا أتحرك بسرعتي العادية وقفت لبرهه لا تفقد ملامح أبي، فقد كان دائما ما يميز في المعاملة بيني وبين جميله، كان لها الأفضلية في كل شيء بداعي أنها الأخت الكبري، كيف لم ألاحظ ذلك من قبل، بالطبع من يشك أن يكون أبيه سبب تعاسته، فقت من تواهاني سريعاً فأنا لا اعرف إلى متي سيبقي الوقت في صالحي.
وذهبت للشيخة فخرية وأعطيتها (العمل)، ابتسمت وقالت لي” الكُحل ده سلاح ذو حدين إذا كنتي نوايكي خبيثه كان عماكي، وإذا نواياكي طيبه دلك علي الشر اللي حواليكي”
وقرأت قرآن وأبطلت العمل وأحرقته ونظرت لي وقالت ” أنتِ الآن تملكين هبه البصيرة بسبب الكحل استخدميها للخير ” ..
ذهبت لمركز الشرطة وأخبرتهم أنني عرفت بطريقه ما فعله أبي وبالتأكيد مع البحث سيجدون ادله، وبالفعل أتت الشرطة للمنزل وبحثت في كل ركن وكان أبي لا يفهم شيئا وكذلك جميله،ولكن مع توسيع رقعه البحث وجدوا السلاح الذي طُعن به الشيخ مخبأ بعناية في المخزن الملحق بمنزلنا،ومع التحقيق اعترف أبي بقتله للشيخ، وبإعطائه دواء خاطئ لأمي يجعلها مريضه دائما حتي اكل المرض جسدها و ماتت، واعترف علي (الأسطي فتحي) وتم القبض عليه بتهمه ممارسه الدجل،وهكذا تخلصت منه وانتقمت لأمي….
عانت جميله من صدمه الأمر ولكن بعدما قصصت عليها ما حدث بالتفصيل، من بداية مرض أبي النفسي مروراً بقتله البطئ لأمي، حتي استعانت بفتحي لكي يدخلني مستشفي نفسي، لم أخفي عليه تفصيله واحده وحتي ذلك الكحل الذي جعلني أري الطيب من الخبيث.
صدقتني جميله وعيشنا سويا في سلام دون كوابيس، وستظل مقابلتي بالشيخة فخرية نقطه فاصله في حياتي ……
.تمت.