المقبرة
في الخامس من يوليو، الساعة الخامسة فجراً في بلدةٍ ريفيةٍ على أطراف محافظة الجيزة.
استيقظ والفئران تقضم أطراف أصابعه وتحاوطه الغربان التي تحدث ثقوباً بمنقارها في أنحاء جسده، شفتاه متشققتان أكثر من أرضٍ لم ترو منذ سنوات، جسده عاري تماماً إلا من قطعة جلد ماعز ملطخة بالدماء مثل سائر جسده، استيقظ شاهقاً كمن عاد من الموت للتو، وجد نفسه في مكان مظلم لم يميز أين هو حتي اعتادت عينيه الظلام ووجد خيط من ضوء القمر يتسرب من أعلاه ليستوعب أنه داخل مقبرة غير محكمة الغلق وحوله شموع مطفأة وبقايا طيور متعفنة تدل أنه هنا منذ ما لا يقل عن ثلاث أيام !!!
انتفض وصرخ حتي انشرخ صوته ولكن دون جدوى، ظل يدفع سقف المقبرة بكلتا يديه حتي سال منهما الدماء، ولكن انفتح باب المقبرة أعلى رأسه لأنه لم يكن محكم الغلق من الأساس، خرج يبحث عن أي شخص، تواري من جسده ما تقدر قطعه جلد الماعز علي موراته…
يفكر من أنا!! … ما الذي أتي بي إلى هنا !! …هل كنت ضحية طقوس ما!! … ولماذا لا أتذكر !!
أخذ طريق المقابر يفكر ويفكر حتي ضرب الألم أوصال عقله وشعر أن رأسه أثقل من جسده، حتي وصل للطريق الرئيسي وخر جسده مستسلماً لنوبة الألم التي أصابته، إذ أنه كان في وضع ثبات لفترة طويلة نسبياً، ولذلك قرر أن يعاقبه جسده ويستسلم لغيبوبة قصيرة.
استيقظ مرة أخري ولكن هذه المرة في مستوصف طبي في بلدة ريفية، أخبره الطبيب أن حالته الآن جيدة ولكن ما حدث له كان بسبب هبوط في الدورة الدموية تم التعامل معه، وأيضاً أنيميا حادة بسبب عدم الأكل والشرب لمده طويلة، وستحتاج الجروح التي أحدثتها الفئران والغربان وقتاً للتعافي، وأن أحد المارة نقله للمستشفي وذهب خوفاً من المسائلة القانونية، ونظراً لحالته قرر الطبيب إبلاغ الشرطة وهم في الطريق ..
ولكنه لم ينتظر وأحس بداخله أن مجئ الشرطة لن يكون جيداً له، وقرر أن يفر بملابس المستشفي للطريق…
هائم على وجهه لا يعرف من هو.. هل هذا هو مكان إقامته في هذه البلد أم أنه من مكان أخر، اقترب من البيوت وظل يسأل الناس هل تعرفون من أنا؟؟ ، ولكنهم كانوا يبتعدون عنه، هل لأنه يبدو في حاله مزرية أم لأنهم يعرفون من هو !!
اقتربت منه سيدة عجوز وألقت في وجهه جلباب بالي وذهبت دون أن تنطق كلمة، فلبسه حتي وإن كان بالي وبه العديد من الرقع فهو أفضل حالاً من رداء المستشفي الذي يكشف اكثر ما يستر والذي كان أفضل أيضاً من جلد الماعز..
بات ليلتها في قارعة الطريق مثل المشردين، لا يجد خشاش الأرض ليأكله ولم يكن سكان القرية عطوفين عكس ما يبدو عليهم، فلم يترك له أحد حتي فتات الخبز ..
ظل الحال كما هو ليلتين كاملتين، وفي اليوم الثالث جاء له أحدهم وقال له ” أحقاً لا تتذكر شيئا ولا تعرف من أنت” قال له ” لا أتذكر حتي إسمي، (قال متلهفاً) أتعرف من أكون”
قال له الغريب “نعم أعرف فأنت خادم عندي وإسمك عبده، وأنا سيدك أسامه”
أشار له أن يتبعه وذهب معه فانه لا يملك الخيار، ولكن كان شيئاً بداخله يخبره أنه ليس خادماً ..
قضي اسبوعين عند أسامه، وتعرض للإهانة والتعنيف، ظل حبيس منزل أسامه طيلة هذه الفترة، ولكن حدث الخطأ المنتظر، وهو أن أسامه طلب منه أن يجلب طلبات من مكان يبعد عن البلده عدة كيلو مترات، ذهب وهو يتخبط بين ذكريات مشوشة عن المكان تأتي في ذهنه مثل الحلم، ولكنه مازال ضائع يشعر بداخله أن هناك خطأ ما..
رمقه أهل البلدة بنظرة يملؤها الشر والتشفي في حاله، ولكنه لم يفهم السبب ولا أحد يود أن يرد علي تساؤلاته، ذهب لأحد التجار الذي أرسله له أسامه وأتى بالبضائع التي طلبها فقد كان أسامه تاجر أقمشه، وفي طريق عودته، وجد رجل يتفحصه من بعيد ويبدو أنه تعرف عليه ولاحت علي وجهه إبتسامة وهرول ما تبقي من مسافة بينهم ليحتضنه ويقبل يده ثم قال له” كنت فين يا شيخ عرفان ده انا قلبت عليك البلد كلها وإيه الهدوم المقطعة دي كنت فين، تعالي .. تعالي هوديك بيتك”
والآن عرفنا أن اسمه ليس (عبده) بل هو (عرفان) ويبدو أنه شيخ.
في الطريق قال له الرجل ” أنا عامر الصبي بتاعك اللي بتعلم منك وخدامك يا سيدي عرفان، انت طلعت طلعة من يجي شهر ولما بتروح المشوار بتاع الأسياد ده مبتحبش حد يجي معاك وبعدين اختفيت”
قال له عرفان ” أنا صحيت وسط مقبرة مش مقفولة كويس والفئران والغربان بتاكلني وعريان ومش فاكر أي حاجة خالص، حتي كلامك ده انا بسمعه ومش عارف ده حقيقي ولا لا، أصل واحد اسمه أسامه أخدني وقال إني الخدام بتاعه وقعدت في بيته اسبوعين بكنس وأمسح وأنام علي البلاط في السطوح بس مكنتش عايز أمشي عشان مليش مكان وكنت هنام في الشارع، وكمان الناس كلها بتعاملني وحش، نمت في الشارع ليلتين محدش رمالي رغيف ناشف حتي”
رد عامر ” يا نهار أسود يا نهار أسود أسامه عمل فيك كده، سامحه ده ميقدرش علي زعلك، يا شيخ أسامه ده جالك من فترة عشان ترقي مراته، قامت الست الله يسامحها خرجت قالتله انك كنت بتتحرش بيها، جنس يخاف ميختشيش، بس هو اخدها ومشي تلاقيه كان عايز ينتقم منك لما لاقي أنك ناسي كل حاجه، والناس اللي بتعاملك وحش ده جهله وخايفين منك، مع إن بركاتك مغرقاهم كلهم، أنا دلوقتي هقعدك علي القهوة وأطلع انضفلك بيتك وتطلع تنوره”
*بعد ساعه*
صعد عرفان لشقته الكامنة في منزل من طابقين، الدور السفلي مغلق، وقال له عامر أنه يستخدم لزيارات الناس الذين يريدون التبرك به أو لعمل حجاب محبة او حماية وما إلى ذلك، سأله عرفان هل أنا دجال، قال له لا بل شيخ جليل..
صعد للدور الثاني وكانت شقه طبيعية مكونه من ثلاث غرف وبهو واسع يضم مبخرة كبيرة وتزين الحوائط مصنوعات جلديه وسبح ضخمة من الخشب، ذهب ليرتاح في غرفته، وظل طوال الليل يفكر ماذا يحدث وهل كلام عامر صحيح أم انه فخ أخر، ولكن إذا كان فخ فهو أفضل من ذلك الفخ الذي كان فيه خادماً..
في الصباح أتي اليه عامر محملاً بطلبات المنزل المعتادة من خزين المطبخ وأيضاً سجائر وفحم، وقال له ” دي الطلبات اللي متعود تطلبها مني يا شيخ، لو افتكرت حاجة قولي عليها”
تبسم عرفان ضاحكاً لأنه لا يتذكر اسمه فكيف سيعرف ما كان يحتاجه في المنزل الذي لا يتذكره أيضاً..
جلسا الاثنين علي مائدة الطعام بعد أن جهز عامر الافطار، ودار الحوار الاتي :
عرفان ” يا عامر أنا مش فاكر أى حاجه وكمان مش واثق إنك بتقولي الحقيقة، مش بنام من التفكير ومش عارف هكمل حياتي إزاي كده، وايه اللي خلي الأمر ينتهي بيا في المقابر ”
رد عامر ” يا شيخ لا سمح الله أنا مقدرش أكذب عليك، احنا بعد الإفطار هننزل نتمشي في البلد ونسأل الناس انت مين وتتأكد بنفسك، إفطر كويس عشان تسترد صحتك وكل حاجه هتعرفها في وقتها، وبعدين يا شيخ انت متعود تروح المقابر عشان تتأمل وتاخد من الموت عظه ”
قلق عرفان من جملة (كل حاجه هتعرفها في وقتها) ولكن لم يكن لديه بديل سوي تقفي الحقائق لمعرفه هويته وأسباب ما حدث له.
بعد الأفطار جهز عرفان نفسه من الدولاب للذهاب في جوله في القرية التي اكتشف أنه مولود بها، وتأمل الغرفة وقال في عقله أنه يجب أن يبحث في المنزل عن أدله عندما يعود.
لا يكف عامر عنالتبجيل المبالغ فيه للشيخ، أول مرور لهم كان لمحل البقالة القريب من منزل عرفان، قال عامر مبادراً بنبرة متحمسه ” السلام عليكم يا حج حسان، اتفضل يا شيخنا ده المحل يزيد نور والله”
بعدما دخل الاثنين المحل وكان وجه الحاج حسان صاحب البقاله مقتضباً
ثم أكمل عامر كلامه ” يا حج حسان شيخنا حاصله حادثه خبط دماغه ومش فاكر اي حاجه، ومش واثق في كلامي ”
رد حسان ” لو أني مش مصدق، بس انا شفتك لما نمت في الشارع وكنت فاكرك بقيت درويش، بس هعمل اللي عليا يمكن ناسي فعلا، انت يا سيدي اسمك عرفان ومولد هنا في نفس البيت اللي ساكنه وأنا كنت عارف أهلك رحمة الله عليهم، بس انت قررت تبقي شيخ، وبعدين ربنا يهديك ويهدينا”
اقتنع عرفان أن هذا اسمه وأن هذه حياته لما بدر من ملامح الصدق علي وجه الحاج حسان، استكملا جولتهم في الأماكن المحيطة وكان عامر يقدمه في تبجيل في كل خطوة مثل” وسعوا يا جماعة للشيخ، اتفضل اتفضل، حلت البركه” ومثل هذه الأشياء ولكن ظل الناس يمتعضون لرؤيته ولكن لا يقدرون علي إظهار مشاعرهم جلية وهو ما وضع الكثير من علامات الاستفهام التي ظلت تدور حول رأس عرفان، ولكنه الآن مطمئن لوجود عامر تلميذه وخادمه بقوله وقول الآخرين..
في طريق العودة قابل أسامه الذي اتخذه خادماً في وقت سابق، نظر له عرفان شذراً، وعندما رأي أسامه عامر بجواره فر هارباً..
عند عودته للمنزل قرر أن يقلبه رأساً على عقب لكي يجد أشياء تساعده علي التذكر، لم يجد الكثير، سوي بعض الكتب في علم الأرقام والحروف وبعض الملحوظات مدسوسة بداخل كل كتاب، كان يحس بداخل قلبه وعقله أنه قريب من تلك الأشياء ولكن مازال ينظر لكل شيء نظرة الغريب، غلبه النوم وسط فوضي عارمه أحدثها في رحلته للبحث عن ذاته..
في صباح اليوم التالي، أتي عامر وجهز الإفطار وهم في ترتيب الفوضى التي أحدثها عرفان، كان الأخير شارد الذهن عندما قاطع تشتته صوت طرقات علي الباب، هرع عامر لفتح الباب وكانت سيدة في منتصف الأربعينات متشحه بالسواد، دخلت من الباب مسرعه وخرت راكعه أمام عرفان تقبل يده وقالت ” أنا لما سمعت من العيال أنك رجعت روحي ردت فيا، حمد الله على سلامتك، يا شيخ عملتلي ايه في الموضوع بتاعنا”
ساعدها عامر في النهوض وقال لها ” قومي يا حاجه فاديه الشيخ عامل حادثه ومش فاكر حاجه خالص”
شهقت فاديه وضربت صدرها ولطمت وجنتيها وسالت الدموع من عينيها وقالت ” هعمل ايه دلوقتي ده كان أملي الأخير، بنتي هتروح مني يا ناس”
ثم التفتت موجهة كلامها لعامر ” طيب يا عامر اعمل ايه في المصيبة دي البت هتروح مني، كان المفروض الشيخ يحل الوضع ما أنت عارف”
أطرق عامر وقال لها أنه ليس لديه أي فكرة، كون الشيخ عرفان لا يطلعه علي أسرار مثل هذه.
أخبرته السيدة أنها سوف تعود بعد يومين لتري إن كان جد شيء أو تذكر عرفان ما حدث ..
في كل يوم يسأل فيه عرفان تلميذه عامر عن مفتاح الدور الأول، كان يتحجج بأنه ضائع، أو أنه لا يملكه من الأساس، بدأ عرفان يشعر أن هناك شيئاً غير صحيح وقرر أن يكسر الباب لعله يجد أجوبه تبرد صدره.
وبالفعل انتظر أن ذهب عامر لمنزله في المساء، هبط للطابق السفلي من المنزل وكسر القفل وانفتح الباب ليصدر صريراً يتسبب في سريان رعشه في أوصال عرفان،ومنذ أن وطأت رجله داخل المنزل أحس أنه ينتمي لهذا المكان بشكل ما ولكن ما لم يفهمه، لم المكان مقبض لهذه الدرجه، فتح النوافذ وأشعل الإضاءة وجد أمامه نسخه من شقته التي يسكن بها في الطابق الثاني ولكن كانت الجلود علي الحوائط بجانبها اشكال محنطة لحيوانات مثل الضباع والأسود وأيضاً اشكال لطيور جارحه، وجد نفسه متجهاً لغرفه بعينها لا يدري لماذا قرر يستكشفها أولاً ولكن كانت تقوده قدماه كما لو كانت تعرف طريقها، دخلها وأشعل الإضاءة وجد بها خزانه كبيرة وفراش نظيف وفي الحائط المقابل مكتب مكتظ بالأوراق وكرسي مصنوع من جلود الحيوانات ومن خلفه مكتبة بها كتب مريبه تفوح منها رائحة التراث..
تفقد الخزانة والسرير، وأخذ يقلب في صفحات بعض الكتب، وقرر أنه سيقضي يومه هنا باحثاً، وشد الكرسي ليرتاح عليه ولكن يبدو انه ليس كرسي عادي، فقد جلس عرفان ولكن وجد نفسه في مكان أخر يبدو مثل الغرفه التي جلس بها للتو ولكن مختلف الإضاءة وتوجد حوله كيانات بالتأكيد ليست بشريه، ارتعد جسده وترك الكرسي كمن صعقته الكهرباء، وقف ينظر للكرسي بخوف وهو يحاول التقاط أنفاسه واستيعاب ما حدث..
تفحص الكرسي جيداً من بعيد، ثم اقترب أكثر ليجد أن الكرسي مصنوع من جلود مختلفة لحيوانات منقوش عليها بطريقة الحرق طلاسم لم يراها أول مرة نظر فيها للكرسي، هل ظهرت فجأة ام أنها كانت متواجده بالفعل، ظل يتفحص الكرسي وعندما رفع الكسوة وكانت الصدمة الثانية أن الكرسي محشو بالكامل بورق مطبق بشكل مثلث مكتوب بها طلاسم باللون الأحمر..
استجمع شجاعته وقرر أنه اذا كانت هذه غرفته فأن هذا الكرسي من صنعه، وبما أن لا يوجد اجابات في هذا البعد لربما يجدها في البُعد الأخر!!
جلس علي الكرسي وهو مستعد وتبدلت حوله الأحداث ، ظل يتفقد أشكال الذين حوله، ثم تقدم منه أحد وقال له ” اذا عرفت توصل تبقي غريزتك هي اللي جابتك، لأن انت ناسي كل حاجه،” وانطلقت منه ضحكات عاليه رد صداها في أرجاء الغرفه، سأله عرفان وهو متوجس خيفه من هيئته الشيطانية ذات القرون والحوافر والأعين الحمراء، سأله بنبرة مرتعدة ” أاانت عارف ايه اللي حصلي؟”
ضحك مرة أخري وقال له “بالتأكيد فأنت مغرور وكان يجب أن نعلمك درساً، والآن قل لي .. مبسوط وانت مش فاكر حاجه” وانطلقت منه ضحكات مرة أخري
ولكن هذه المرة يبدو أن عرفان كان سريع الإنفعال، تجاهل كل شيء وصرخ به قائلاً ” لازم تفهمني كل حاجه دلوقتي حالاً !!”
رد عليه ” مش هتتغير هتفضل عصبي حتي لما فقدت الذاكرة، الطبع غلاب…بس أنا هفهمك عشان دي كانت قرصة ودن بس وذاكرتك هترجعلك بس بردو مش هتفتكر أي حاجه من اللي حصلت في اليوم اللي قبل ما تنزل المقبرة لحد ما طلعت ناسي كل حاجه … يا سيدي انت إنسان طماع واحنا بنخدم مصالح بعض من فترة كبيرة، وجاتلك الحاجه فاديه عايزة تعمل عمل لابن أختها اللي راجع من الخليج عشان يتجوز بنتها ويستر عليها بعد ما غلطت مع زميلها، بس مش ده المهم في طلب فاديه… المهم كان انها عايزة تسخر حد مننا، مش فاهمه أن احنا اللي مسخرنكوا مش العكس… وانت وافقت، مع اني قولتلك لا، بس عندك والصلاحيات اللي كانت في إيديك خليتك فاكر انك مسخرنا بجد، وجهزت حاجتك ورحت للتربي اللي بيساعدك ونزلت التربة وقفل عليك بس مش أوي عشان تعرف تتنفس، وكان المفروض يرجع يفتحلك الصبح بس هو مرجعش !! عارف ليه يا عرفان مرجعش، عشان مات غرقان بعد ما خرج من عندك علطول !! وانت جهزت حاجتك وسيبت هدومك بره عشان ده كان طلب الأسياد يا أهبل وده مجرد تسلية لينا بيك، مش متخيل بنضحك عليكوا ازاي لما بتزلوا نفسكوا لجنسنا ..
وكمان مكفاش إنك تعمل حاجه احنا قولنا عليها لا..كمان مجبتش القربان المناسب، ودفنت العمل في جثه الراجل الغلبان ”
هنا بدأت الذاكرة تعود لعرفان تدريجياً عن ماضيه وكل ما حدث، ولكن ذكريات تلك الليله تحديداً تأتي متقطعه مقترنه بحكايه الجني له، وتذكر رؤيته للمقبرة تقفل عليه من الخارج، واعداده الشموع وتمتمته للتعاويذ حتي أتي له الجني الذي أمامه الآن وأخبره أنه خالف الاتفاق واغتر بنفسه ولذلك كان عليهم معاقبته لتلقينه درس، وسيأتي له الحاكم غدا لمعرفة إذا يستحق العفو أم أنه سينال عقاب أخر..
قام عرفان من الكرسي وذهب للطابق الثاني واستلقي علي فراشه ولكنه تفاجأ أن الكيانات المحيطة به مازالت موجوده حتي بعد مغادرته الكرسي، وتذكر أنه كان من أشد الناس شراً وتذكر (أسامه) الذي اتخذه عبدا في بدايه فقدانه للذاكرة وتذكر انه حقا قد تحرش بزوجته لفظياً وجسدياً، وأن حسان مجرد خادم لا يعرف شيئا سوي طبيعته القذرة وكونه دجال ولكنه كان من تابعيه ويريد ان يتعلم منه، لم يغمض له جفن تلك الليله وظلت حياته البشعه تطارده، فقد كان فقدانه للذاكرة ثم ارجاعها بمثابه وضعه أمام مرآة ليري طبيعته البشعه..
في تمام الساعه الثالثه صباحاً، انقطعت الكهرباء، كان عرفان لا يزال مستيقظاً، أتي وهج شديد من اللهب يكاد نارها يلفح وجهه، وتحدث بصوت أجش وقال له ” يبدو أنك قد تعلمت الدرس، ولكن مازلت مغضوب عليك ” قال جملته وأحس عرفان أنه يهوي في حفرة من نار بعد أن كان جالسً علي فراشه ظل يصرخ ويصرخ دون جدوي !!….
وفي الصباح حضر عامر بالافطار وجهزه وهو ينادي علي الشيخ ولكنه لم يجبه، ذهب وطرق بابه ولكنه لم يجب، دخل عامر الغرفه ليوقظه ولكنه رأي أغرب مشهد قد يراه أي إنسان، رأي عرفان وقد مات وتحلل جسده وتخرج منه الديدان!!!
نظر عامر مشدوها لما رأه وفر هارباً وهو يتمتم كل ما يعرفه من آيات قرآنية..
لم يرِد أحداً أن يشارك في دفنه ولذلك استعان عامر بالشرطه لدفنه ولم يصدق أحد عامر أنه كان معه الليلة السابقة ، بسبب أن الجثه متحلله بشكل جزئي، تم غلق منزل الشيخ عرفان بواسطه الشرطة بسبب اشتعال النيران به من تلقاء نفسها من وقت لآخر.