بوبان وخدعة الجماجم الكريستال.. ما الحقيقة؟
بوبان وخدعة الجماجم الكريستال.. يستهوى علم الآثار الكثير من البشر لما تحمله من غموض حول الحضارات القديمة، وهو ما يفجر العديد من نظريات المؤامرة حولها التي تختلط أحيانًا بالأساطير أو الفانتازيا، وهنا سنلقي الضوء على قصة عالم الآثار الفرنسي «أوجين بوبان» وخدعة الجماجم الكريستال.
من هو بوبان؟
وُلد أوجين بوبان في فرنسا عام 1834، حيث درس علم الآثار ليشد الرحال إلى المكسيك عام 1857، وبات عالم الآثار الرسمي في بلاط «ماكسيمليان الأول» ملك المكسيك، بالإضافة لكونه عضوًا في اللجنة العلمية الفرنسية بالمكسيك.
وكان بوبان مولعًا بحضارة «الآزتك» المكسيكية القديمة، وهو ما جعله حريصًا على إتقان لغة «ناواتل»، الخاصة بهم بجانب إتقانه اللغة الإسبانية.
بداية الرحلة مع الجماجم
اشتهرت فترة القرن التاسع عشر في أوروبا بالرغبة في جمع الآثار والتعمق في «الإثنوجرافيا» (علم وصف الأعراق البشرية)، وذلك من خلال السفر إلى الأماكن النائية لاكتشاف الثقافات القديمة، وهو ما يفسر تواجد الكثير من الجماجم في اللوحات الفنية بذلك التوقيت، بالإضافة لقناعة البعض بها كتمائم للحظ ليجد بوبان ضالته في ذلك، ببداية اطلاعه الواسع على حضارات الأمريكتين القديمة.
وترأس بوبان رحلة استكشافية بتكليف من «نابليون الثالث» إمبراطور فرنسا لجمع الأعمال الفنية والتحف المكسيكية، والتي عُرضت لاحقًا في متحف «تروكادير» بالتعاون مع المعرض الدولي عام 1867، علمًا بأن متحف «لوفر» الفرنسي الشهير قد رفض شراء القطع التي جمعها بوبان في وقت سابق.
واهتم بوبان باستكشاف النتائج التي توصل إليها عالم الحفريات الفرنسي «إدوارد لارتيه»، والمصرفي الإنجليزي الثري «هنري كريستي» بشأن دراسة البشر الأوائل، وذلك بعد اكتشافهم لقطع أثرية من نوع «الكرومانيون»، وبقايا بشرية في كهوف منطقة «بيريجورد» بجنوب فرنسا، فقاده ذلك إلى محطته الأبرز لاحقًا.
وأعلن بوبان اكتشافه لبعض الجماجم الكريستالية التي تعود أصولها إلى حضارتي «الآزتك» و«المايا» القديمة، التي ازدهرت في أمريكا الوسطى، وهو ما جعله بمثابة الاكتشاف الهام وقتها، لتقوم شركة «تيفاني أند كو» الأمريكية الشهيرة بشراء إحدى الجماجم من خلال مزاد علني، أقامه بوبان لتنتقل بعد ذلك للمتحف البريطاني الذي اعتبرها بمثابة أحد المقتنيات الثمينة.
وتكرر الأمر مع جمجمة كريستالية جديدة باعها بوبان إلى المستكشف الفرنسي «ألفونس بينار»، لتنتقل بعد ذلك إلى متحف «الأعراق»، ببرلين ثم إلى متحف «برانلي» بفرنسا، قبل أن تستقر في المتحف الفرنسي ليجني بوبان في النهاية أموالًا طائلة.
سر الاهتمام بالجماجم
نجح بوبان في استغلال هوس الأوروبيين بالجماجم وقتها ليخلط الأمر بأسطورة نشأت لدى سكان الأمريكتين القدماء حول وجود 13 جمجمة كريستالية تم صناعتهم من قبل البشر الأوائل، الذين سكنوا الأرض حيث تم تشفير العديد من المعلومات الخاصة بداخلهم، والمتعلقة بأسرار الجنس البشري وكيفية الحفاظ عليه، علمًا بأن تلك المعرفة لن تنكشف للعالم إلا بتجميع الجماجم الثلاث عشر سويًا.
وارتبطت أسطورة أخرى بجماجم بوبان حول استخدام أحد الكهنة لجمجمة كريستالية لنقل العلوم والمعرفة من رأس شخص لآخر، بالإضافة لقدرته على استخدامها في إلحاق الأذى بأي شخص ليتم اطلاق اسم «جمجمة الموت» عليها.
وتميزت جماجم بوبان الكريستالية بدقة النحت من مادة «الكوارتز» الشفاف، وهو ما أثار التساؤلات حول قدرة الشعوب القديمة على نحتها بذلك الشكل رغم افتقادهم لوسائل التكنولوجيا الحديثة لتبدأ العديد من النظريات في الظهور حولها، والتي كان أبرزها امتلاك تلك الحضارات لتكنولوجيا أكثر تطورًا من وقتنا الحالي فيما ذهب البعض لاتصال تلك الحضارات بكائنات فضائية من خارج كوكب الأرض، بينما نسب البعض تلك الجماجم لحضارة «أطلانطس» المفقودة.
اكتشاف خدعة الجماجم
توفى بوبان عام 1908 إلا أن التساؤلات حول المصدر الحقيقي للجماجم الكريستالية لم يتوقف مطلقًا، حتى حسم فريق من الباحثين من المتحف بالبريطاني بالتعاون مع معهد «سميثونيان» الأمر في منتصف القرن العشرين، بإجراء بعض التجارب على الجماجم، وذلك من خلال المقارنة مع كأس مصنوع من الكوارتز الشفاف، والذي تم صناعته من قبل سكان أمريكا الوسطى الأصليين.
وانتهت نتيجة التجارب البحثية تحت المجهر الإلكتروني باستحالة صناعة تلك الجماجم من قبل الحضارات القديمة، نتيجة لغياب علامات الحفر غير المنتظمة على سطحها مقارنةً بالكأس، وهو ما يؤكد صناعتها بواسطة بعض العجلات الدوارة التي تشبه أدوات النحت المستخدمة لدى الصاغة في وقتنا الحالي.
ورجح فريق البحث صناعة الجماجم الكريستالية بالقرن التاسع عشر في بلدة «إيدار أوبريشتاين» الألمانية، وذلك لشهرتها الفائقة في صناعة المجوهرات باستخدام الكوارتز البرازيلي، ليسدل الستار بذلك على خدعة الجماجم الكريستال التي روج لها بوبان.