سينما

ثلاثة قوانين تحكم لعبة نيوتن

ثلاثة قوانين تحكم “لعبة نيوتن”

“تامر محسن شحن الباقة”.. بهذه الجملة عبَّر أحد أصدقائي عن الرصيد الفني والجماهيري لدى المخرج تامر محسن، وهي حالة نادرًا ما يصنعها شخص غير الممثل مع الجمهور في الوقت الحالي.

أظن أقربهم زمنيًا كان المؤلف “عمرو سمير عاطف” في فترة ما بعد 2010 حين عقد اتفاقًا مع جمهوره على الجودة لمدة سنوات قادمة..

لكن الحالة التي صنعها تامر محسن حالة فريدة، فصحيح أن أشهر وأنجح أعماله مثل “بدون ذكر أسماء” و”تحت السيطرة” و”هذا المساء” قد عرضت للمرة الأولى في رمضان.

إلا أنها أعمال غير موسمية بالمرة، لا تشعر فيها بمغازلة جمهور “المنازل” الجالس للإفطار أو السحور، ولا تشعر بالتعجل في إنهاء أي مرحلة من مراحلها، فجميعها يتسم بالصورة الممتازة والكتابة المحكمة والتمثيل المُتقَن وكل هذا خلفه شخص واحد يدعى “تامر محسن” يقود فريق عمل ضخم.

 

على مدار أعوام بلغت الثمانية وبإنتاجية متوسطة ومجهود عظيم قام تامر محسن برفع رصيده الفني كيفًا وليس كمًا، حتى يأتي بلعبة نيوتن، والذي شاهدت منه 10 حلقات كانت كافية لتفضيله عن بقية مسلسلات رمضان، واعتباره –في رأيي- أفضل مسلسل لهذا الموسم.

حتى وإن أصابه فخ الحشو قليلًا، فإن المط والحشو في “لعبة نيوتن” أهون كثيرًا من عمليات تهريب المخدرات الفاشلة وفقدان الذاكرة وجرائم قتل الشخصيات الثانوية وشجارات الحي الشعبي إلى آخره من المشاهد التي لا فائدة منها ولا تدفع الأحداث.

 

صحيح أن نيوتن ليس في جودة “بدون ذكر أسماء” ولا “هذا المساء”، وإن كان يشترك معهما في فكرة غزو العوالم التي يظن المشاهد أنه يعرفها، ليتضح أنها عوالم جديدة تمامًا، فالمسلسل الأول ذهب إلى المتسولين وصفوة المجتمع في عقر داريهما، والثاني أتى بخفايا عالم صيانة الموبايل وما يحدث خلف الشاشات الصغيرة المظلمة إلى المشاهدين في المنزل..

وفي لعبة نيوتن يمارس تامر محسن نفس اللعبة؛ حيث يبدأ الحلقات الأولى بعالم “المنحل” أو مكان تربية النحل، والذي يظن جميعنا أنه قد تعامل مع شخص يعمل فيه، ليفاجئنا بخدع وبأشياء يمكن عملها بهذا النحل، كالقتل وصناعة المخدرات..

وكذلك نشاهد عالم “الحلم الأمريكي” ورؤية المصريين له، وهي رؤية جريئة وجديدة الطرح، فهو يعرض امريكا في صورتها شبه الحقيقية، أمريكا التي تفتح ذراعيها أمام كل مواطني العالم، ولكن ليس لتحتضنهم، وإنما لتعتصرهم وتخرج أسوأ ما في نفوسهم.

 

عنوان المسلسل يعبر كثيرًا عن الحبكة، فالقانون الأول للحركة الذي صاغه نيوتن ينص على أن الجسم الساكن يبقى ساكناً، والجسم المتحرّك يبقى متحركاً، مالم تؤثر عليه قوى ما.. وهو ما نشاهده واضحًا في شخصية “هناء” التي يدفعها طموح حازم للسفر، ويدفعها دعم “زي” للنجاة، وبالتأكيد سنشاهد تأثير مؤنس عليها وأنه سيحركها في اتجاه هو الآخر..

على الناحية الأخرى نشاهد القصة بعيون مؤنس فندرك أنه كان ساكنًا إلى أن عرف هناء فبدأ نشاطه، وكذلك حازم الذي كان كامنًا في منحله حتى جاءه “بدر” و”شاهين” ليحيلا حياته جحيمًا، وهكذا.

 

أما القانون الثاني لنيوتن فينص على أنه إذا أثرت قوة على جسم ما فإنها تكسبه تسارعاً ، يتناسب طردياً مع قوته وعكسياً مع كتلته.. وهو ما يؤثر في تصرفات وإيقاع الشخصيات، ويقودنا مباشرةً للنهاية التي يقول عنها القانون الثالث والأشهر لنيوتن أن لكل قوة فعل قوة رد فعل، مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه..

لذلك نتوقع رؤية الكثير من ردود الفعل القوية والمعاكسة ردًا على ما حدث في البدايات في الحلقات القادمة، شخصيًا متفائل بالمسلسل، وأنتظر تصاعدًا يتم التمهيد له منذ الحلقة السابعة.

 

في النهاية؛ فالحديث عن الاخراج والصوت والوجوه الشابة وتقمص الممثلين المعروفين أصبح معتادًا حينث نتحدث عن تامر محسن، علاوةً على تأخر عرض العمل سنة كاملة مما جعل المونتاج يخرج في صورة متقنة، ويكفي لذلك مثالًا مشهد “ركنة الصف الثاني” الذي نشاهد منه جزءًا في كل حلقة يكشف بعدًا جديدًا من علاقة “هناء” و”حازم”.

فترى في البداية سيطرة حازم على كل ما تفعله هناء، ثم تكتشف أهمية هناء كشريكة لحازم حين تمنع الأمين من تحرير مخالفة للسيارة، ثم تشاهد حيرتهما حين تتعطل السيارة، وتشاهد كذلك عجز حازم عن تسويق العسل الخاص بهما.

وأظن أن المشهد سيكتمل بالتدريج حتى يستطيع حازم إصلاح السيارة والسير بها بالتوازي مع حل صراعهما في الحاضر، وإدراك كلا منهما أنه مخطئ في توظيف الآخر، فهناء بطريقتها المتلعثمة المرتبكة والتي أقنعت أمين الشرطة بالعدول عن المخالفة كنت ستسوق العسل أفضل من حازم لمدير الهايبر.

بينما حازم كان سيظل في السيارة ويظل المحرك دائرًا فلا تتعطل.. وهو ما لم يفعلاه، وأظنهما سيتعلمان أن يفعلا ولكن بالطريقة الصعبة.

اقرأ أيضًا:

Fortnite فورتنيت.. لماذا قامت أبل وجوجل بحذف اللعبة الشهيرة؟

اللعبة الأخيرة – الجزء الأول

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى