حدث بالفعل

حرق فضائي

حرق فضائيأنا بشتغَل دكتور، وبحِب شُغلي أوي، شُغلي كدكتور خلَّاني أشوف حاجات كتير أوي غريبة، منها اللي قدرت أفهمه، ومنها اللي لحَد النهاردة مش مفهوم ومالوش تفسير، أنا جاي النهاردة عشان أحكي لكم على واحدة من أغرَب الحالات اللي كشفت عليها في حياتي كُلها!

كُنت قاعِد في المُستشفى بشكل طبيعي، يوم هادي مفيش فيه حالات كتير، فجأة.. حسيت بحركة غريبة، التوتُّر ملى المكان كُله، المُمرضات بيزقوا السرير اللي عليه الحالة، باين عليه الإعياء والغثيان، كان عريان من فوق، وشُفت حاجة غريبة عُمري ما شُفت زيها أبدًا، على بطنه.. تحت صدره على طول في حرق رهيب ومش طبيعي على شكل شبكة، سألت المُمرضة وقالتلي إنه بيقول إن فيه فضائيين حاولوا يخطفوه! فعلًا؟ فضائيين؟

عملت اللازم، وبمُجرَّد ما حالته استقرَّت قرَّرت أدخُل أغيَّر له على الجرح بنفسي، بس في الحقيقة، دا مكنش الهدف من دخولي للأوضة، أنا كان عندي فضول أعرف إيه اللي حَصَل، دخلت الأوضة وأنا مُبتسِم وبقوله: “صباح الخير يا ستيفن، أنا الدكتور المسؤول عن حالتك، عندك مانِع لو دردشنا شوية وأنا بغيَّر لك على الحرق؟”

ابتسم وهو بيقول بضعف: “بالعكس.. أنا محتاج أتكلِّم مع حد بدل ما أتجنِّن، بس اوعدني الأول.. مهما قُلت، متقولش عليَّا مجنون.. مُمكِن؟”

ضحكت وأنا بقوله: “اتفقنا”.

ساعدته يتعدَل على السرير، حطيت المخدة ورا ضهره، الحركة سببتله ألم شوية، لكنه كان قوي، شرب شوية مية وهو بيقول: “عندك مانِع أبدأ من الأول خالِص؟”

هزيت رأسي وأنا بقعُد على الكُرسي اللي جنبه، مراته كانت قاعدة جنبه وهي ماسكة إيده، بدأ كلامه: “أنا اسمي ستيفن ميشالاك، واللي جنبي دي مراتي، إحنا أصلًا من بولندا، بس جينا كندا وتحديدًا مدينة مانيتوبا، بعد الحرب العالمية الثانية، جيت على أمل أبدأ شُغل جديد في مكان جديد، في الوقت دا كُنت بشتغَل مُهندِس ميكانيكا، دا غير إني كُنت هاوي لتجميع الصخور ودراستها، مينيتوبا كانت مكان مُمتِع.. وعشان أكون صريح معاك.. أنا استمتعت بكُل دقيقة قضيتها في المكان دا.”

رفعت حواجبي وأنا بسأله بدهشة: “للدرجة دي؟”

ابتسم وهو بيقول: “أنا بحب الطبيعة، الطيور، والحيوانات، في أجازتي الأسبوعية كُنت عادةً بحِب أسافِر، أخرج برا المدينة وأدوَّر على عينات جديدة من الصخور، لكن يوم ٢٠ مايو ١٩٦٧، حصلِت الحاجة اللي غيَّرِت كُل حاجة في حياتي! للأبد!”

سألته بفضول: “إيه اللي حَصَل بالظبط؟”

“وقتها كُنت في منطقة التلال اللي في شرق وينيبيج، ساعتها.. شُفت حاجة غريبة أوي، قطيع وز خايف وعامِل دوشة مش طبيعية، وكُلهم بيهربوا بعيد عن شجرة مُعيّنة، فهمت إن المُشكلة في الشجرة دي، بصيت ناحيتها.. في البداية مكُنتش شايِف حاجة ولا فاهِم حاجة، بس بعد شوية شُفتهم! شكلين شبه الـ.. شبه الـ.. شبه السجاير كدا بس فيه في النص حاجة زي سنم الجمل كدا، واحِد منهم كان طايِر فوق الشجرة وثابِت في مكانه، والتاني.. كان بينزِل ببطء، كُنت فاكِر إنها طيَّارات عسكرية أو حاجة فضائية تابعة لوكالة ناسا، بدأت أركِّز عن لوجو أو علامة أعرف وأفهم منها دول تبع إيه أو تبع مين بالظبط؟”

سألته باهتمام: “ولقيت حاجة؟”

قال بإحباط: “ولا حاجة.. مكانش فيه حاجة نهائيًا!”

 

سمعت الباب بيخبَّط، زوجته قالت: “أكيد دا ستان”

سألتها بغباء واضِح: “ستان مين؟”

ضحكوا وهُمَّا بيقولوا: “ستان، ابننا اللي عنده 10 سنين”.

دخل ستان الأوضة وهو ماسك في إيده علبة عصير، بصلي بفضول شوية كأنه بيتفرَّج على حيوان في جنينة الحيوانات، قبل ما يقرَّر إن لأ.. أنا مش مُهتم، راح ناحية والدته، سند على رجلها وهو بيشرب العصير بتاعه، حسيت بالإحراج، قُلتلهم: “طيب.. أسيبكم شوية وهرجع لكم تاني”.

 

قبل ما أخرُج من الأوضة سمعته بيقول: “كانت زي ما تكون متغلِّفة بجلد ناعم مفيهوش غلطة”.

وبدون ولا كلمة قفلت باب الأوضة ورجعت قعدت جنبه تاني، ابتسم وهو عارِف إنه نجح في إنه يلفت انتباهي، وبدأ يكمِّل: “باب السفينة الفضائية دي بدأ يتفتَح ببطء، النور اللي كان جاي من جواها كان عالي لدرجة إني مكُنتش قادِر أفتَّح عينيَّا، من حُسن حظي إن كان معايا النضارات الواقية بتاعتي وقتها، لبستها فورًا عشان أقدر أبُص عليها، بعد لحظات.. الباب بدأ يتقفل تاني ببطء، وطارِت فجأة عكس عقارب الساعة، ضهرها كان ناحيتي.. والنار اللي طلعت منها من ورا حرقت القميص اللي كُنت لابسه وعملتلي الحرق دا”.

 

قاطعته وأنا بقول: “وجابوك هنا بعدها؟”

هز رأسه وهو بيقول: “لأ خالِص.. وقتها كُنت لسَّه واقِف على رجليَّا، رجعت عربيتي وأنا عندي إعياء، دايِخ، مصدوم، وبرجَّع.. حاوِلت أرجع البيت، طلعت بوصلتي عشان أدوَّر على الاتجاه، بس الغريب.. إن إبرة البوصلة اختفت تمامًا، اضطريت أقاوم تعبي وأخمِّن الطريق، وبعد محاولات كتير وساعات طويلة قدرت في النهاية.. وبعد تسع ساعات أرجَع البيت، وهناك.. لمَّا شافوني بالحالة دي.. نقلوني مستشفى تانية غير دي”.

اتعدلت على الكُرسي وأنا ببُص لستان، علبة العصير خلصت وهو مُصمِّم يشفط منها فبتعمل صوت مُزعِج، حس إني متضايق فبطَّل، سألت ستيفن: “إيه اللي حَصَل؟”

قال وهو بيضحك: “هناك معرفوش الحروق دي من إيه؟ سألوني فقُلتلهم إنها حروق مُطابقة تمامًا للشبكة الخلفية الموجودة في السفينة الفضائية اللي قابلتها، عالجوني وخرجوني، بس الحرق كان بيوجعني جدًا، جسمي كمان كان بدأ يخرَّج ريحة وحشة زي ريحة الكبريت كدا”.

 

طبيعتي كدكتور غلبتني فسألته: “محدِّش طلب منك تعمل تحليل تسمُّم إشعاعي؟”

ابتسم وهو بيقول: “عملته.. وطلع سلبي”.

بفضول سألته لتاني مرة: “روحت المكان اللي حصلِت فيه الحادثة دي مرة تانية؟”

هز رأسه وهو بيقول: “روحت بعد ست أسابيع، من كام يوم يعني.. وشُفت هناك على الأرض دايرة كبيرة محروقة بنفس حجم السفينة دي”.

“وعملت إيه؟”

“رجعت قُلت للسُلطات وخدتهم معايا للمكان، وهناك خدوا عينات من التُربة وشوية حاجات تانية، قاسوا كمان الإشعاعات الموجودة في المكان وقالوا إنها عالية شوية، بس رجعوا قالولي إن القياسات العالية والحرق اللي كان على الأرض دول بسبب عرق راديوم اكتشفوه تحت الأرض”.

“طيب وحرق صدرك؟”

“محدِّش لاقى له تفسير، ولحَد النهاردة كُل فترة يرجع الألم أشد من الأول والحرق يرجع كأنه جديد، وأنت شُفت بعينك، إيه رأيك بقى؟ أنا مجنون زي ما بيقولوا عليَّا؟ ولا واحد شاف فضائيين فعلًا؟”.

ضحكت من قلبي وأنا بقوله: “أظن إجابة السؤال دا هتفضل لُغز للأبد”..

محمد عصمت

ولد الكاتب محمد عصمت عام 1988م في محافظة دمياط بمصر ، تخرج من كلية التجارة، اشتهر بكتاباته روايات الرعب و أعماله القصصية المترجمة ،و كانت أولى رواياته بعنوان “الممسوس” عام 2014م ، و هي رواية رعب فريدة من نوعها ، وصدر له روايات أخرى مثل (باب اللعنات، الجانب المظلم، ذاتوى) ، ويصدر له على موقع شخابيط سلسة مقالات حقل ألغاز

‫11 تعليقات

  1. انا اول مره اعرف انك من دمياط ياعصمت يعني بلديتنا وخريج تجاره زيي كمان
    عايزه اقولك اني معتش بعرف انام غير لما اقرالك وبعدين انام لازم اخد الجرعه 😂😂

زر الذهاب إلى الأعلى