نفسانى

حقيقة صراع العلم والدين “الجزء الأول”

حقيقة صراع العلم والدين كتب- كريم حسن :

هل الأرضُ مهدُ ابنِ آدم هي مركز الكون؟ أم هي الشمسُ مصدر الحياة عليها؟ كانت إجابة هذا السؤال هي أولى النزاعات وأكثرها ضراوة بين اللاهوت والعلم؛ فكان اللاهوت يرى أن الأرض هي مركز الأجرام العلوية من شمس وقمر وكواكب سابحات ونجومٍ مُعلَّقات، كلٌّ يسبحُ في فلكه حولها، وتلك كانت تسمى بنظرية بطليموس؛ نسبة إلي صاحبها بطليموس (87 – 150).

ظلت هذه “النظرة” هي المسيطرة على عقول العصور الوسطى، عصورِ الظلام في أوروبا، حتى جاء كوبرنيق (1473 – 1543) وألف كتابه الشهير “حول دوران الأجسام السماوية”، والذي وضع فيه نظرته حول مركزية الشمس للأفلاك السماوية، ومن بينها كوكب الأرض، وعن هذه الأفلاك، قال في هذا الكتاب أن الأرض تدور حول مركزها، وأن القمر يدور حول الأرض، وأن الأرض والكواكب الأُخَرَ كلَّها تدورُ حول الشمس في أفلاك دائرية، وليست -كما هي في الحقيقة- “بيضاوية”.

صراع العلم والدين

والجدير بالذكر أن كوبرنيق لم ينشر كتابه في حياته خوفًا من الكنيسة، ولم يَرَ كتابُه النورَ إلا بعد وفاته، غير أنه كان قد أهدى البابا نسخة من كتابه كان قد صدَّرها الناسخ (دون استشارة كوبرنيق نفسه) بقوله أن ما فيه ما هو إلا افتراض، وليس بحقيقة تناقض الحقيقة التي آمنوا بها، والتي ذكرها الإنجيل، وصدَّق عليها بطليموس.

ثم خلفه كيبلر (1571-1630) بعد وفاته بثمانين سنة، وحرَّر النظرية الكوبرنيقية من بعض أخطاءها، وقال بأن الكواكب، وفيها الأرض، تدور حول الشمس في مدارات إهليجية “Elliptic” وليست دائرية. وكان هذا خروجًا عن المألوف عند الناس، لأنه خرج بالكون عن التماثل الجزئي “Symmetry” الذي شاهدوه في جميع المخلوقات العالية، مثل الإنسان “Bilateral Symmetry”، إذ كانوا يرون أن التماثل يدلُّ على الكمال والجمال.

ثم ظهر جاليليو (1524-1642) في إيطاليا، وتحرّر من جميع المعتقدات التي كانوا يؤمنون بها، وألَّفَ كتابه “محاوارات جاليليو جاليلي”، الذي قارن فيه بين قول بطليموس وقول كوبرنيق، ورجح قول كوبرنيق، وقال به، وقال بأنه هو الحقيقة التي عليها الكون، وأن ما قاله بطليموس، وبالضرورة ما قاله الكتاب المقدس، غير صحيح، لأنه بنى قوله على الملاحظة الحسية، فكان قد رأى في تيليسكوبه أن الكواكب بالنسبة للشمس كالقمر بالنسبة للأرض، فأحدث كلامه جدلًا واسعًا وحادًّا في أوساط الناس، فما كان من الكنيسة إلا أن منعت نشر كتابه، وكل ما له علاقة بهذا الموضوع، واستدعته للمحاكمة، وهددته بالسجن والعقوبة.

لكن لماذا رفضوا هذا القول بهذا الرفض، حتى أنهم أحرقوا الكتب التي تقول به، وأسكتوا الألسنة التي تخوض فيه؟! إنهم كانوا في العصور الوسطى يعتقدون، كما قلتُ من قبلُ، أن الأرض ثابتة، وأنها مركز الكون كما يقول الإنجيل، بحسب ما فهموه منه، وكانت حجتهم العقلية في ذلك أنها مهدُ آدم وحوّاء، وأن الإنسان هو أعلى الكائنات المخلوقة، فلا بد أن يُهبَط فيما يناسب مكانته، إذ كان هو المخاطب بكلمة ربِّه وخليفته في أرضه، فَرَأَوا لذلك أن تنحية الأرض عن عرش مركزية الكون، يسلب من الإنسان مقاليد مركزيته وأفضليته على المخلوقات الأخرى بالضرورة، وربما توحي بأن الإنسان كغيره من المخلوقات، ولا هو بالغاية من هذا الكون.

اقرأ أيضًا:

حقيقة الصراع بين العلم والدين الجزء الثاني

فكان أن وصموا من افترض مثل هذا الكلام بالهرطقة، ومن قال به “على الحقيقة” قالوا بكفره وسجنوه إن هم قَدَروا عليه. لأنه إن كان مجرد فرضٍ، فليس بالضرورة أن يكون صحيحًا، أما إذا كان وصفًا حقيقيًا للكون فإنه حينئذ سيخالف الكتاب المقدس حقيقةً، وهذا ما قاله جاليليو وأدى به إلى المحاكمة الشهيرة. لكن هل هذا هو السبب الوحيد؟ في الحقيقة أنه ثمة سببٌ خفيٌّ أكثرُ عمقًا، وهو الذي استنبطه جورج بيركلي (1685-1753) حيث قال أن ثبوت صحة مثل هذا القول سيكون دليلًا واضحًا على قوة العقل البشري المستقلة عن الوحي السماوي لفهم حقائق الوجود، مما يهدِّد السلطة المعرفية للدين عند عامة الناس.

المراجع

[1] Bertrand Russell, “Religion and Science”

[2] John Chaffee, “The Philosophers Way; Thinking Critically,” Pearson.

[3] Karl Popper, “Conjectures and Refutations; The Growth of Scientific Knowledge,” Routledge Classics.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى