رأسمالية المراقبة ! أسياد الكون الجدد بدون قيم انسانية
معنى كلمة رأسمالية المراقبة
دعونا نفكر في معنى كلمة رأسمالية المراقبة ، هل هو أمر جيد أن تكون كل حركاتنا مراقبة، كل نفس نتفسه كل كلمة نقولها كل عضلة نحركها في وجهنا يتم تسجيلها ومقارتنها بعدد لا نهائي من البيانات الأخرى.
تقول الشركات المتحكمة بالإنترنت أنهم يجمعون البيانات عنا لتحسين خدمتهم، ولجعل حياتنا أفضل وأسهل، لكن هل هذا هو الغرض الوحيد لهذا الكم الهائل من البيانات التي يتم جمعها عنا.. وهل من حقهم جمع هذه البيانات واستخدامها بدون الرجوع إلينا. وهل أغراضهم فعلًا مفيدة لنا كما يقولون.
قالت شوشانا زوبوف في كتابها عصر رأسمالية المراقبة: ” المستقبل الذي تعده رأسمالية المراقبة لنا ، يهدد إرادتي وإرادتك، لا أقول أن هدفهم تدميرنا، ولكن هدفهم تشكيلنا بالطريقة التي تخدم مصالحهم”. ” شخص واحد في فيس بوك حتى و لو لم يكن له الحق في التصويت يستطيع أن يتدخل بشكل مباشر لتحديد الفائز بالانتخابات، ويستطيع التحكم بشكل مباشر في آراء الناس وأفكارهم.”
ما حجة الشركات في جمع البيانات
الفكرة السائدة عن جمع وسائل التواصل الاجتماعي للمعلومات عنا، أنهم يجمعونها ليستخدموها في عرض الإعلانات المستهدفة للمستخدمين، لكي تصل الإعلانات والحملات الدعائية للشخص الذي سيتفاعل معها.. ومن هنا انتشرت فكرة، أنه إذا كانت الخدمة مجانية فاعلم أنك أنت السلعة التي تباع.
وهي مقولة سليمة، وبالفعل تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي معلوماتنا لهذا الهدف، لكن هدفهم الأكبر أخطر من ذلك. وهو الهدف الذي قالته شوشانا زوبونوف هم لا يقومون فقط بجمع البيانات لفهم سلوكنا وتوقعه واستخدام هذا الفهم للترويج لمنتجاتهم وأفكارهم، ولكن هدفهم الأكبر هو هندسة سلوكنا بالشكل الذي يخدم مصالحهم.
في كتاب آخر لصحفي يدعى ستيفين بايكر كتب بايكر على غلاف الكتاب الذي اسماه الرقميون: ” أنت مراقب 24 ساعة يعرفون عنك كل شيء، إنتمائك السياسي، تحركاتك، ماذا تشتري؟ حتى ماذا تحب”
داخل الكتاب نورد هذا الاقتباس:” ماذا تصور أنك جالس في مقهى، وشابة حسنـاء تجلس إلى طاولة عن يمينك ومشغــولة بالكتابة على حاسوبها المحمول .. تدير رأسك صوبها، وتنظر إلى شاشتها، الفتاة تتصفح الإنترنت، وأنت تراقبها، وتمرّ، لساعات، وتمضي الشابة في قراءة صحيفة على شبكة الإنترنت.
ونلاحظ بأنها تقرأ ثلاث مقالات عن الصين.. تستطلع الشابة بعد ذلك الأفلام السينمائية التي تعرض ليلة الجمعة .. ثم تشاهد إعلان فيلم “باندا الكونغ فو” تنقر بعد ذلك على إعلان بعدها يربطها مع زملاء صفها القدامى في مدرستها الثانوية..
تنهمك أنت بتــدوين كل هذه الملاحظات، ومع مرور كل دقيقة تجمع معلومات جديدة عن هذه الشابة.
والآن تخيل أنك تستطيع أن تشاهد 150 مليون شخص ينهمكون في تصفح الإنترنت في الوقت ذاته !”
من كلام بايكر يمكننا أن نستنتج كيف تستطيع وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع التصفح ومحركات البحث في الوقت الحالي معرفة كل شيء عنا.
لنأخذ الفيس كمثال:
يستطيع الفيسبوك في الوقت الحالي أن يتحكم في نوعية المعلومات والمنشورات التي تصلك، ربما تكون قد لاحظت أن نوعية المنشورات في الصفحة الرئيسية بك تختلف تمامًا عن نوعية المنشورات في الصفحة الشخصية الخاصة بزوجتك أو صديقك، والأمر ليس له علاقة بالصفحات التي تعجب بها أو المجموعات التي تشترك فيها أو بالمعلومات التي تزودهم بها بنفسك، وإنما له علاقة بالنموذج الذي رأى الفيس بوك انك تنتمي إليه من خلال طريقة تعاملك مع الفيس بوك.
فالكلمات التي تكتبها في منشوراتك، أخطاءك الإملائية، المنشورات التي تتوقف عندها للحظات بينما تتحرك متجاوزًا المنشورات الأخرى، أي علامة إعجاب أو تفاعل تضعها، حركة مؤشر الموس في الصفحة، كل ضغط تضغطها على الموس وأنت لا تشعر ولا تذكر أنك ضغطها، يسجلها الفيس بوك.
القمامة البيانة تتحول لأغلى سلعة
في الماضي كانت تلك البيانات تسمى بالقمامة البيانية وكانت يتم التخلص منها لأنها كانت تستهلك أجهزة تخزين البيانات، لكنها الآن تعتبر أغلى من النفط، الفيس بوك مجاني وجوجل مجاني ليس لأنهم أهل خير ويمنحنون خدماتهم بدون مقابل، ولكن لأنك توفر لهم تلك البيانات التي كانت تعتبر في الماضي قمامة.
هذه البيانات تمكنهم من عمل تحليل كامل لشخصيتك، معرفة مستوى تعليمك حتى بدون أن تزودهم به، معرفة مستوى ذكاءك حتى لو كنت لا تعرفه، معرفة حالة المذاجية وصحتك النفسية حتى ولو لم تذهب لطبيب نفسي يخبرك عنها، هذا المعلومات أغلى بكثير مما تتوقع، هذه المعلومات جعلت قيمة هذه الشركات مليارات الدولارات.
فضيحة الانتخابات الأمريكية
وهم يبيعون تلك المعلومات بصورة غير مباشرة عن طريق تزويدها خدمة للمعلنين ليقوموا باستهداف الفئة التي من المتوقع أن ترى منتجهم مفيدًا، ويمكن أن يبيعوها بصورة مباشرة كبيانات خام لمؤسسة ما لتستخدمها لخدمة مصالحها وهذا ما حدث في فضيحة الانتخابات الأمريكة، عندما استولت Cambridge Analytica على بيانات ملاين من الأمريكين مستخدمي الفيس بوك واستخدمت تلك بيانات للتأثير على رأيهم وإرسال رسائل موجهة لهم لدفعهم لانتخاب دونالد ترامب وبالفعل أثر هذا الأمر على آراء الناخبين.
نحن نتكلم عن قدرة الوسائل الحالية في التأثير على الأفكار، فكيف سيكون الحال بعد 50 عامًا.. مع تطور التكنولوجيا وانتشار إنترنت الأشياء وتحويل كل بيانتنا للإنترنت.
ستكون الشركات المسيطرة على الإنترنت قادرة على التلاعب بأفكارنا والتاثير على شخصيتنا ومزاجنا العام بحيث تضعنا في النموذج الذي تريدنا أن نكون فيها، ستستطيع تلك البرامج في المستقبل قولبة الأفكار وتشكيلها وسيكون معظم الناس في يدها كعرائس الماريونيت تظن أنها تفعل ما تريد لكنها في الواقع معلقة بخيوطة خفية لا تراها.
مستقبل مظلم لكن يظل مستقبل بيدنا أن نغيره إن فهمناه وتعاملنا معه بحكمه.