طلاسم

سجون من الجحيم…سجن الطاعة

بقلم الكاتب محمد جمال

سجون من الجحيم...سجن الطاعة
سجون من الجحيم…سجن الطاعة ، على مر التاريخ كانت السجون وسيلة عقاب فقط، بل سرعان ما تحولت لأدوات مختلفة بيد السلطة، و أبرز هذه الأدوات هي أداة التأثير على العقل، حيث يُعتبر السجن بيئة مثالية لإجراء التجارب حول شخصية و وعي الإنسان و كيفية التأثير عليها و إحداث تغيير بها وهكذا تحولت السجون في النهاية إلى أدوات غسيل مخ.

من أبرز هذه السجون هو السجن المرعب المسمى بسجن Pitesti في رومانيا، في البداية بدأ بناء السجن في ثلاثينات القرن الماضي تحت حكم الملك كارول الثاني وتم الانتهاء منه تحت حكم رئيس الوزراء Ion Antonescu وهكذا وقع السجن بقبضة السلطة الشيوعية ليصبح سجنا سياسيا لمعتقلي الرأي و المعارضة الذين يرفضهم النظام الشيوعي.

ولكن هذا ليس سبب شهرة السجن، بل السبب الرئيسي لشهرته العالمية كأحد أسوأ و أكثر السجون رعبا في التاريخ هو كونه المكان الذي تمت به تجربة ال”reeducation” الذي نظمها آمر السجن برضا النظام الشيوعي.

في البداية يجب أن تعلم بأن هذه التجربة كانت ذات هدف واحد، وهو تغيير المعتقدات و الأفكار السياسية للمعتقلين السياسيين، ثم تحويلهم لجنود طائعين بالكامل بعد تدمير وعيهم وشخصياتهم الإنسانية، وكانت التجربة تتكون من عقاب جسدي و نفسي.

التجربة كانت في البداية فكرة مجموعة من السجناء والأسري الذين قرروا أن يحصلوا على استحسان الحزب الشيوعي، وهكذا سرعان ما تم تنفيذها على عدة مراحل.

المرحلة الأولى:

في المرحلة الأولى كان يتم تعذيب السجناء بالضرب والاعتداء بشكل مستمر، مقابل أن يعترفوا بكل تفصيله عن حياتهم، وكل تفصيله منذ طفولتهم وحتى بلوغهم و إلى لحظة اعتقالهم وتعذيبهم كانت مهمة حتى يتوقف التعذيب، بل إن بعض السجناء كانوا يقصون قصصا خيالية من حياتهم عسى أن يتوقف تعذيبهم لبضع دقائق، وكان ذلك التعذيب يقوم به زملائهم من السجناء والأسرى، وهكذا يتم تحطيم جميع الروابط الاجتماعية الممكنة بينهم ولا يبق داخلهم سوى الكره والرغبة في الانتقام.

المرحلة الثانية:

في المرحلة الثانية كان يتم استجواب السجناء مجددا، ولكن هذه المرة كان عليهم إخبار معذبيهم بأسماء زملائهم الذين أخذتهم الرأفة و الرحمة من قبل ولم يكونوا وحشيين وقساة بالشكل الكافي.

المرحلة الثالثة:

كان يتم إذلال السجناء أمام العامة و أمام جميع السجناء و الحراس ومسئولي السجن، حيث كان على السجين إذلال نفسه و إنكار كل معتقداته و أفكاره السابقة، وبالأخص السجناء المتدينين حيث كان يتم إرغامهم علي الهرطقة و الإلحاد.

وسائل التعذيب:

أما في وسائل التعذيب فقد كان يتفنن فيها المعذبون، حيث بسبب كونهم ينتمون للحزب الشيوعي الملحد، كانوا يحرصون على السخرية من كل الطقوس المسيحية و بالأخص طقس التعميد، وبالتالي كان يتم إحضار حاويات لفضلات السجناء و بولهم وسوائلهم، ثم يتم إغراق الأسرى و السجناء بها بينما يغني الحراس و المعذبون ترانيم مسيحية، وكان حينها يتم وضع رأس السجين في الحاوية حتى يشارف على الموت غرقا ثم يتم رفع رأسه ليأخذ نفسه قبل أن تتم إعادة رأسه أسفل الماء الملوث و القذارة من جديد.

ولكن هذا لم يكن شيئا، حيث كان يتم إرغام السجناء أيضا على ابتلاع ملاعقهم، وحين كانوا يتقيئون، كان يتم إرغامهم على شرب قيئهم كنوع من الإذلال، ورغم كل ذلك كان يتم إحراق جسد السجناء باستمرار إلى أن تتعفن جلودهم وتسقط نتيجة الغرغينة أو أمراض التلوث.

وفي النهاية كان يتم تحطيم السجناء على المستوى النفسي و المستوى الجسدي كي يتعلموا طاعة النظام الشيوعي، حيث يقدر عدد من تعرضوا لتجربة التغيير السلوكي بحوالي خمسة ألاف أسير سياسي.

لكن لحسن الحظ في عام 1952 بعدما حدث تغيير جزري في النظام الحاكم، تم عقاب جميع المسئولين عن التجربة خلف أسوار السجن وتم تنفيذ عشرين حكما بالإعدام في حق المجرمين في يوم العاشر من نوفمبر عام 1954.

الآن يبق السجن هناك شبه مهدم و مهجور، مع تذكار يخلد ذكرى ضحاياه أمام مدخله، يقال أن أصوات المعاناة والعذاب لسكانه السابقين لم تغادر جدرانه بعد، تحاول بيأس البحث عن معذبيها.

مصدر : thegenocideofthesouls

اقرأ أيضاً

لغز جريمة البحيرة الفنلندية

زر الذهاب إلى الأعلى