طلاسمغير مصنفقصص الرعب

سرقات صديقة

سرقات صديقة3– الحلقة الثالثة من سرقات صديقة –

مرت ساعات طوال أمضاها منتظرا لأي رد أو علامة تدل على أنها قد قرأت رسالته على الأقل..وأخيرًا قرر أن يتجرأ اكثر عاقد العزم على جذب انتباهها تلك المرة,  فلا يكون أمامها مفرا سوى أن تجيب رسالته. و كانت خطوته التالية إرسال تلك السطور:

“احنا فيه بينا حاجات مشتركة ياسلمى, أنا برضه وحيد وحبيبتي خانتني وده خلاني اشرب واكتئبت لدرجة محاولة الانتحار، ردي عليا ارجوكي؟؟”

 

لحظات قليلة كانت كافية لإدراك الحماقة التي ارتكبها ولكن قد فات أوان التراجع..أخذت الرسالة اللون المميز لقرائتها  و بسرعة كان ظهر رد قصيرًا ولكن ارعبه بشدة :

سلمى: ؟؟؟

خالد: أخيرًا يا سلمى، حمد الله على السلامة 🙂

سلمى: انت مين وأيه اللي كتبته فوق ده؟

عطل تفكيره و لم يعلم كيف يجيب! سيعترف بالحقيقة يومًا ما بكل تأكيد، لكن ليؤجل تلك اللحظة بعد أن تكون قد عرفته جيدًا ووقتها ستكون غارقة  في حبه حتى أذنيها، فليكذب الآن ويطلب أن تسامحه فيما بعد.

خالد: أنا بس كنت بكتب أي حاجة غريبة عشان أخليكي تردي عليا، أسف جدًا..بس حقيقي أنا حابب أتكلم معاكي وعاوزك تعرفيني؟؟؟

***

مرت عدة أيام بدون أي رد  أخر، لكن اليأس لم يعرف طريق لقلبه، لم يدع أي يوم منهم  يمر بدون أن يضع بصمته في صندوق رسائلها, رسالة كل صباح كما تعلم من منشورات الفيسبوك عن شيء جديد  اسمه “المورينج تيكست”..صور تضمنت الفنانين واقتباس يدلل على حكمته وعمقه الشديد على غرار : ” اللي ميشوفكش وأنت موجود مش هتلاقي نفسك معاه وأنت مش لاقيها”!

و منعا للملل كان يغير روتينه في بعض الأيام و يهديها بعض الصور المتضمنة قطع الشيكولاتة  أو الحلويات ذات الأشكال اللذيذة, كان حافزه للاستمرار أنها دائمًا ترى ما يرسله، ففكر أنه  لعلها تتدلل..وابتسم لفكرة انه صياد محترف يصبر ليصل لهدفه!

***

استغربت “سلمى” حالها، لماذا تركت الطريق ممهدًا  لهذا المعتوه! وكأن هذا لم يكن كافيًا بل وضبطت نفسها اكتر من مرة  متلهفة لاستقبال رسائله اليومية! لم يلفت نظرها بالطبع فإنها لا تعلم عنه شيء في الواقع لكن الجلي أنه شاب غريب الأطوار, والشيء الوحيد الذي جذبها لما يفعل هو الونس الذي تجده في رسائله.

كانت تفتقد بشدة شعور أنها كائن يمكن إدراكه أو -كما أخبرها طبيبها النفسي في أحد الجلسات- “يتشاف”! يراه المحيطون كإنسان لديه مشاعر و يحتاج من وقت لآخر للحصول على ما لا يستطيع طلبه، فهناك أفعال ليس هناك أي معنى لفعلها بعد طلبها,  منحها المتخفي وراء صورة لاعب الكرة ذلك الشعور المفقود، لكن كل هذا لابد أن يتوقف يومًا!

لم تفكر كثيرًا في هويته, لكن بكل تأكيد  حياته الحقيقية خالية من مفهوم الإناث فسعى لإشباع شعوره بأن بمقدوره التواصل مع فتاة إذا أراد، أو لعلها قصته الوحيدة التي يتحاكى بها  في تجمعات الأصدقاء! ولكن على الأقل لم يرسل لها شيء قد يسبب انزعاجها..حتى الآن.

لكنه سيتوقف يومًا، سيمل أو يجد ؟أخرى تتجاوب معه اكثر أو لأي سبب اخر سيتوقف! شعرت بغصة لمجرد تخيل أنها ستشعر بالفقد لغياب رسائل بهذا البؤس من شاب بهذا اليأس..فقررت أن تضع النهاية بنفسها .

طرحت سؤالها الأخير عن شخصيته وماذا يريد، كانت هناك رغبة لا تدركها أن يكون شخص في محيطها واستخدم هذه الطريقة للتقرب منها، تمنت أن يقولها..لكنها لم تحصل سوى على هراء ووعود بأمان من شخص يخاف حتى أن يضع صورته الحقيقية!

***

-بتسرقني يا نوبي!

قالها “كمال” بهياج عصبي وهو يصفعه، ثم أكمل في غضب:

-ضربت على موبايل الدكتور ومقولتش أنك أخدته ولا حتى أدتني نصيبي فيه يا حرامي!

امتقع وجه “النوبي” وهو يتراجع محاولًا حماية نفسه ويده تمسح الدماء التي بدأت تسيل من شفتيه، هاتفًا في استعطاف:

-عيب يا “كمال”!  بعد العشِرة دي كلها تفتكر أني في يوم أخون العيش والملح! كل الحكاية التلفون حلي في عيني ومجاش في بالي تستخسره في أخوك!

-متعملهمش عليا وطلعه احسن يا “نوبي”!

قالها بلهجة سوقية واتبعها بركلة  عنيفة في ساقه, لم ينتظر حتى  يخرجه من جيبه  بل جذبه من يده بشدة ناعته بلفظ بذيء، ثم صاح في وجهه:

-وعشان حركة النقص فالتلفون يلزمني وملكش حاجة عندي!

غادر المكان بعنف  تاركًا شريكه واقفًا في مكانه وعيناه تكاد أن تشتعلا بنار الغضب..والانتقام!

***

مراقبا امواج البحر، جلس الطبيب على إحدى تلك الكراسي المريحة محاولًا الاسترخاء, حين شق السيمفونية الممتعة التي تعزفها الطبيعة صوت هاتفه الجديد معلنًا عن وصول رسالة نصية، رمقه من بعيد مقررا تأجيل أي شيء و الاستمرار في ما يحاول فعله .

ولو كنا نستطيع الاقتراب و قراءة جزء من الرسالة قبل أن تظلم شاشته مرة أخرى لرأينا:

“سحر وأخوها اللي سرقوا العيادة والمسروقات معاهم ..”

***

قرر أخيرا الاستسلام، لعله لا يصلح أن يكون بطلاً “لسلمى”، أنها بالتأكيد  ليست في حالة مستقرة أو لعل الأدوية التي تتعاطاها قد أثرت في حكمها على الأمور, وأفقدتها القدرة لإدراك كم هو شخصا مميزًا يستحق أن تقترب منه لتعرفه!

فتح متصفح الإنترنت متجولًا به للفيسبوك، انطلق لصفحتها للمرة الأخيرة لكنه وجد أنها قد سبقته وهدمت جسرهم الوحيد! لم يظهر على وجهه أي تعبير بل نهض بهدوء من مكانه واختفى خارج الغرفة.

بعد لحظات كان يتخذ مكانه مجددًا  ولكن تجاوره هذه المرة زجاجة مياه غازية باردة, ارتشف القليل  منها وهو يفتح قاعدة بيانات العيادة، اغلق صفحة “سلمى” وأخذ يقرأ ويبحث في الصفحات التالية على حالة اخرى، تجري عيناه بلهفة غريبة..يبحث كأنه مريض، لكنه مريض من نوع خاص.

***

رن جرس هاتف “سحر” في وقت مبكر للغاية، تحركت في كسل حيث كانت تضعه, تعجبت بشدة وهي ترفعه لأذنيها  ..لماذا يطلبها الطبيب الآن!

-الو،أزيك يادكتور…

كان من الواضح أنه  قد منعها من إكمال جملتها وبدلًا من هذا أخذت تستمع ووجهها يزداد امتقاعاً  مع كل ثانية تطولها مدة المكالمة, ومع الوقت أصبح هناك صعوبة في إمساك الهاتف مع ارتجافه تولدت في يديها, و مع ضربات قلبها التي أصبحت تؤلمها بشدة لدرجة أنها شكت في قدرته على تحمل المزيد.

***

فتح  “كمال” الباب بمفتاحه ودلف داخل الشقة وهو يدندن الأغنية الشعبية التي سمعها منذ قليل في شقة أحد معارفه والذي يتخذونها مكانا لتدخين الحشيش وغيره من المكيفات التي يعيشون فقط لأجل شربها.

تعجب عندما وجد أخته “سحر” ما زلت مستيقظة حتى هذا الوقت المتأخر، فقال مداعبًا:

-الجميل سهران ليه!

-كنت نايمة وقلقت…لسه صاحيه.

كانت طريقتها مختلفة، التوتر والحزن بادي عليها بشدة..فتسرب القلق لصوته وهو يربت عليها قائلًا:

-حصل أيه! مالك؟

تحركت بعيدًا عنه بشكل أثار تعجبه وهي تقول بدون أن تنظر إليه:

-لا مفيش بجد، يلا غير هدومك وتعالى عشان مستنياك ناكل سوا.

-شكلك ناوية تجربي فيا حاجة جديدة النهاردة.

لم تبتسم وتحركت للمطبخ، كان قد اعتاد مزاحيتها فقرر أن يتجاهل كل ما حدث ويحافظ على دماغه المحلقة,  فقد أنفق عليها  اليوم  كل ما تبقى من أموال سرقة العيادة .

تحرك لغرفته وقام بتغيير ملابسه وهم بنقل ما في جيبه لمكانه المغلق كما اعتاد، ولكن فجأة دوى صرخة أخته فهب مسرعًا ليرى ما حدث!

كانت ترتجف  واقفة أمام باب الشرفة هاتفة  وهي على أعتاب البكاء:

-فيه فار جوه عند درج البصل .

-كل ده عشان فار، وقعتي قلبي ياشيخة..طب سيبيه في حاله وهو هيمشي لوحده.

-لا محتاجة  بصل عشان الأكل، اطلع جبلي معلش.

فكر بالانفجار في وجهها ولكنه لم يرغب في زيادة همومها وما سيتسببه ذلك في نكد هو في غنى عنه، فتح باب الشرفة و فور عبوره وجدها تغلق الباب الخشبي وراءه! ضحك لاعتقاده أنها تخاف أن يدخل الفار عليها. أحضر ما طلبت وأخذ يطرق الباب الخشبي بدون أي اجابة.

في غرفته كانت “سحر” جالسة على السرير تبكي بحق هذه المرة، ممسكة بهاتف تعرفه جيدًا! هاتف الطبيب الذي تعمل عنده..ولكنها أخرجته من جيب بنطال أخيها!

***

-المعسل بتاعي يا “مندرة”.

صاح “النوبي” على صبي الشيشة وهو يتخذ مقعده في القهوة كما اعتاد في مثل هذا الوقت، بمجرد أن رفع رأسه ناظرًا حوله للبحث عن أي شخص يعرفه ليلاعبه الطاولة حتى وجد أمامه رجلان ضخام الجثة بملامح لا تشي بخير! يسدون الرؤية أمامه تمامًا  ناظرين له في تفحص,  قبل أن يفتح فمه كان محمولًا من حزامه ويتم جره لسيارة صغيرة تقف خارجًا,  فُتح باباها فألقياه بعنف ليتلاقه آخرين, حاول أن ينطق ولكنه وجد “كمال” يجلس في المقعد التالي و قد أحُيطت رقبته بذراع ضخم..و أخبرته علامات الأصابع الواضحة على خده أنه من الحكمة التزام الصمت والطاعة.

***

“مساء الخير”

لم يصدق “خالد” نفسه وفرك عينيه وهو يقرا الرسالة التي وصلت حالاً من “سلمى”, كان قد جرب حظه مع ملفات اخرى ولعدة محاولات ولكن لم يحالفه الحظ في إياها فقرر نسيان الأمر برمته!  لكن ما يراه الآن لا يمكن أن يكون حقيقياً.

عصر ذهنه ليتذكر ما قد يكون من المحتمل انه نساه! لا ..هو يذكر كل ما حدث, تجاهلته كثيرا ثم حظرته من الفيسبوك بعد أحد تلك أسئلة البنات الغريبة والتي يبدو أن إجاباته لم تكن النموذجية! فلماذا ترسل له الآن؟ بالتأكيد افتقدته وأدركت كم هو مميزًا, إذا عليه الآن  لعب دور الواثق ليحقق أكبر استفادة ممكنة من تلك المستجدات السعيدة.

خالد: مساء النور، ازيك؟

سلمى: تحب نتقابل؟

فُزع! أبعد يده عن لوحة الكتابة بحركة الملدوغ فأصاب زجاجة المياه الغازية التي بدورها لم تتحمل صدمته, فأفرغت ما بجوفها عليه وعلى ثيابه وعلى كل ما استطاعت أن تصل إليه، قبل أن تتخلص من حملها فتصبح أخف وتجري في سعادة متدحرجة لتختبئ تحت الأثاث. نظر إليها وكانه يتمنى  لو كان في مقدوره فعل مثلها.

هل يتجاهل ما أرسلته! انه خائفا جدا..من ماذا لا يدري، فهي لن تلتهمه بالتأكيد أو تحوله لحجر مثل ميدوسا، أقصى ما يمكن أن يحدث أن يتم ذكره في بوست مضحك يُحتمل أن لن يراه أبدًا! إنها فرصة ربما لم تتكرر أو..

قاطعت أفكاره رسالتها الجديدة:

سلمى: لو مش حابب بلاش..بس أنا مش هعرف أتعامل مع حد من غير ما شوفه…عموما خلاص بلاش!

خالد: لا طبعا أنا موافق،معلش جالي تليفون.

سلمى: اتفقنا، حشوف ظروفي وأقولك امتى وفين..وياريت بعد كده لو جالك تليفون أو حاجة تشغلك أبقى عرفني ..بدل ما فضل مستنية كده!

لم يعد يرى ما تكتب فضجيج أفكاره شغل كل حواسه! لم يعد يفهم هل هو سعيدًا..خائفًا أو حتى متوترا! لم يجادلها في اختيار المكان والميعاد لأنه رجل جنتل وبالتأكيد هذا ما تقوله لنفسها الآن… وكل ما كان يقوله لنفسه كم هو إنسانًا رائعًا.. وكم هي محظوظة بأن يكون حبيبها رجلًا مثله.

***

نهاية الجزء الثالث

اقرأ يضًا

قصص مرعبة جريمة في المستشفى

زر الذهاب إلى الأعلى