تبسيط الفلسفة – كتب- سمير أبو زيد:
كانط يرى أن الأخلاق تأتي من قدرتنا على التفكير من كوننا نمتلك عقولًا. أو بلفظ آخر، الأخلاق عند كانط مبنية على المنطق.
يضيف كانط أن العمل الأخلاقي الوحيد هو الإرادة الطيبة، فأي عمل آخر، حتى ولو كان جيدًا، لا يمكن اعتباره أخلاقيًا بدون البحث عن الدافع وراءه، فيمكنك أن تكون صادقًا لكي لا يقول عنك الناس كاذب، ويمكنك أن تكون أمينًا لكي يأتمنك الناس، أو خوفًا من العقاب.
فكانط يرى أن الإرادة الطيبة لابد أن تنبع منك، لابد أن تكون حرة؛ فأي رغبة في عمل فعل صالح، لو اجتمع معها سبب آخر غير فعل العمل الصالح في ذاته، لا تصبح تلك الرغبة عملًا أخلاقيًا.
فلو فعلت فعلًا صالحًا خوفًا من القانون، أو المدير، أو حتى من الإله فإن عملك هذا لا يمكن اعتباره عملًا أخلاقيًا.
تبسيط الفلسفة في نظرية الاخلاق
القاعدة التي يراها كانط صالحة لتطبيق الأخلاق إذا ما نَحَّيْنا الدين جانبًا، ونحينا أي سلطة تجبر الناس على فعل الأشياء الصالحة، ترتكز على المنطق، وتنص على أن الإنسان عليه أن يفعل الأشياء التي تصلح أن تتحول لقانون عالمي.
على سبيل المثال، ربما ترى أن الكذب على شخص سيفيدك بشكل ما، لكن ماذا لو صار كل الناس كاذبين؟ ستنعدم الثقة بين الناس، وستصبح التعاملات البشرية مستحيلة. من هنا تكون النتيجة بأن على الإنسان أن يترك الكذب.
يرى كانط أنه على الشخص أن يسأل نفسه باستمرار هل سيصير العالم أفضل أم أسوأ إذا فعل جميع الناس هذا الفعل الذي يود القيام به، عليه أن يدرس ذلك السؤال بشكل منطقي ثم يتصرف طبقًا للنتيجة.
يقول كانط أنك لتفعل ذلك لابد عليك أن تتعامل مع المواقف في حياتك وكأنك المُشَرِّع للقوانين التي سيسير عليها العالم، لابد عليك أن تفكر بشكل منطقي، هل قرارك هذا سيخدم العالم لو فعله كافة الناس.. أم سيدمره.
في رأيي أن كانط قد غابت عنه عدة حقائق؛ أولًا، فقانون كانط للأخلاق يفترض أن المنطق له مسار واحد لا يتخطاه، وأن أي إنسان يفكر بشكل منطقي سيصل لنفس النتيجة، والواقع يخبرنا عكس ذلك.
فطرق المنطق لا حدود لها، والشيء وعكسه يمكن تبريره بنفس القواعد المنطقيه. علاوة على ذلك، فمعظم الناس لا يمتلكون الملكات العقلية التي تمكنهم من معرفة ما إذا كان فعل ما سيصلح العالم أم سيفسده إذا قام به كل الناس، بل إنه لا يمكن الوصول لتلك القدرة بكفاءة 100% إلا إذا أحاط الشخص بكل العلوم والأحداث حول العالم، وهذا ما لا يمكن إدراكه أبدًا.
ثانيًا: أن كانط افترض أن العمل الأخلاقي لابد أن يكون نابعًا من إرادة حرة طيبة، وافترض أن تلك الإرادة تنبع من المنطق والتفكير السليم، والمنطق لا يمكن أن يولد إرادة طيبة؛ فمهمة المنطق أن يخبرنا الصواب، لكن ليس في مقدوره أن يولد الإرادة الطيبة التي تجعلنا نقوم بذلك الصواب. لذلك، فلابد أن تنبع تلك الإرادة من ذات خاصة، تولدها وتجعلها حاكمًا مسيرًا للإنسان.
إن ما نسيمه ضميرًا لا يمكن اعتباره مرتبطًا بالمنطق بأي حال من الأحوال، بل مصدره شيئ آخر بعيد كل البعد عن المنطق.
ثالثًا: كانط قال أن الفعل يجب أن يكون فقط نابعًا من إرادة حرة طيبة، بعيدًا عن الأهواء والمنافع والرغبات، ثم قام بالتدليل بأدلة، تعظم المنفعة العامة للكون.
كل ما فعله كانط في قانونه الأخلاقي هو أنه حول الرغبة في المنفعة الشخصية لنظرة أكثر شمولًا، وهي المنفعة العامة.
إلا أن المنفعة تظل في كلتا الحالتين منفعة، وبالتالي لن يكون العمل الأخلاقي نابعًا فقط من الرغبة في فعل الخير لو رددناه لمنفعة خاصة أو منفعة عامة، حيث سيكون ذلك تناقضًا.
أخيرًا، نظرية كانط الأخلاقية، برغم ما فيها من العوار إلا أنها أفضل نظرية تفتقت عنها أذهان الفلاسفة من وجهة نظري، لكن مشكلتها أنها حاولت أن تربط ما هو مادي بما هو روحي .. حاولت أن تربط المنطق بالإرادة الحرة، و هذا كان سبب الإشكال الذي أوضحناه.
اقرأ أيضًا: