سينما

سمع هوس .. الأفلام الغنائية فى السينما

بقلم عبد الرحمن جاويش

سمع هوس .. الأفلام الغنائية فى السينما
معلومة يعرفها كل متابعي السينما، وهي إطلاق لقب “الفن السابع” على فن صناعة الأفلام، وذلك كونه يجمع بين كافة الفنون الأخرى؛ ولكن من أهم هذه الفنون التي احتوتها السينما وأبرزتها في دقائق معدودات خلال ساعتي الفيلم هو الغناء، وقد حمل كلا منهما الآخر في فترة كبوته.. ومن أهم ما يميز هذ التعاون ظهور ما يُعرَف بالأفلام الغنائية.

بدأ استخدام الأغاني في صُلب الحكاية ودفع الحبكة للأمام على خشبة المسرح، وكالعادة؛ فكل ما هو مبهر في المسرح انتقل إلى السينما.. وقد بدأ هذا الأمر في مصر حين انهار المسرح الغنائي في ثلاثينيات القرن الماضي، لينتقل رواد المسرح لقاعات مختلفة عن التي اعتادوا الظهور فيها، قاعات أكثر إظلامًا، تسمح بحديث المشاهدين الجانبي عن العرض يوجد بها استراحة واحدة وليست ثلاثة.. ليخرج لنا فيلم “أنشودة الفؤاد” والذي صُنِفَ كأول فيلم غنائي مصري؛ وكان من بطولة جورج أبيض وزكريا أحمد.. ليكون محاولة أولى ليست الأفضل بالتأكيد.

أما المحاولة الثانية والتي رسخت لقواعد الفيلم الغنائي العربي فكان فيلم “الوردة البيضاء” من بطولة عبد الوهاب.. وقد اعتمد الفيلم على شعبية بطله في مجال الطرب، وتحويل “سميعة” عبدالوهاب.. لمشاهدي سينما، وهو الأمر الذي نجح بكافة المقاييس، لتتوالى أفلام عبد الوهاب الغنائية وأم كلثوم.. ولتصبح الأفلام الغنائية فنًا له قواعد واضحة، رُسَخ في الأذهان حتى هذه اللحظات.

وقد ساهمت الأفلام الغنائية في تطوير شكل الأغنية نفسه في مصر والوطن العربي، فقد اعتاد الجمهور العربي آنذاك على الأغنية الطويلة التي قد تمتد لأكثر من ساعة، ولكن طبيعة الأفلام أوجبت صناع الأغنية على تغيير هذا النمط والاكتفاء بالأغاني القصيرة، وهو ما نجح فيه عبدالحليم حافظ أكثر من أبناء جيله.. خاصةً وأنه من أطول المطربين استمرارًا في التمثيل؛ على عكس أم كلثوم وعبدالوهاب اللذين فضلا الاعتزال باكرًا رغم النجاح، لعدم رضا كلاهما عن مستواه التمثيلي، ليقدم عبدالحليم العديد من الأفلام الغنائية أشهرها “معبودة الجماهير” و”شارع الحب”.

ومع الوقت وتطور صناعة الأفلام الغنائية، قدمت هذه الأعمال لنا أجيالًا مختلفة، أجيالًا تدرك قواعد السوق جيدًا، وتجتهد في إبراز أداءً تمثيليًا ليس الأفضل، لكنه على الأقل أداء مقبول، مثل محمد فوزي الذي تميز بخفة ظله، وليلى مراد التي آمنت بالأفلام الغنائية والاستعراضية دون الطمع في مساحة الظهور لها بمفردها.

وبعيدًا عن الجانب الفني، فقد ساهمت الأفلام الغنائية بدورٍ أدبي وإنساني هام تجاه المطربين في عصر ما قبل انتشار التلفزيون والتواصل الاجتماعي.. فقد عرفت الناس على وجوه المطربين وطريقة حديثهم، وجعلتهم أقرب لذهن المشاهد من مجرد أصوات تخرج عليهم من المذياع، وقد شهدنا هؤلاء المطربين في مراحلهم العمرية المختلفة.. فمثلًا الجمهور يحب سيد درويش كمطرب، لكنه لم يشاهد انفعالاته على الشاشة مثلما حدث مع من لحقوه من مطربين.

كذلك ساهمت هذه الأفلام في حفظ بعض الأغاني من الضياع، وخاصةً للمطربين الذين لم تطل فترة مجدهم، ولم يكونوا الاختيار الأول للمستمعين حتى يحتفظوا بأغانيهم مفردةً دون أفلام..

استمرت الأفلام الغنائية هي الأقرب لقلب المشاهد العربي، وأصبحت جزءًا من تراث السينما.. حتى تراجعت في فترة الخمسينيات ومطلع الستينيات لتفسح المجال للأفلام الواقعية، حتى عادت الأفلام الغنائية بقوة سنة 1967، من بطولة محمود رضا وأعضاء “فرقة رضا” وهي فرقة الفنون الشعبية الأشهر في تاريخ مصر، والمستمرة حتى يومنا هذا، ليتوج هذا الفيلم محاولات السابقين في عمل فيلم غنائي استعراضي؛ والذي لا يزال متعلقًا حتى الآن بأغاني واستعراضات الفيلم مثل “حلاوة شمسنا” و”الأقصر بلدنا” والتي أداها “محمد العزبي” مع أعضاء الفرقة بمستوى مبهر للمشاهد العربي.

وكأن “غرام في الكرنك” هو الصحوة الأخيرة لهذه الصناعة، فقد تراجعت بشدة فيما تلاها من فترات وحقب متتالية، لتفسح المجال أمام أجيال جديدة لا تخرج بفيلم غنائي إلا فيما ندر، حتى الجمهور لم يعد يستسيغ هذه الأفلام.. وقد ظهرت محاولات لترويج هذه السلعة من جديد في أفلام “عمرو دياب” و”محمد منير” استغلالًا لشهرة كليهما، ولكنهما كانا قد تعلما سريعًا من تجربة عبد الوهاب وأم كلثوم وأدركا ضعف الموهبة التمثيلية، فلم يستمرا في المحاولة.

وكانت النهاية حين حاول المنتجون محاولة أخيرة تعتمد على دمج الأفلام الغنائية باللون الكوميدي الذي لم يثبت فشله على الإطلاق، وقد ظهرت هذه المحاولات في أفلام “مصطفى قمر”، وبعض الأفلام مثل “سمع هُس” و”رشة جريئة” و”مفيش غير كده” و”خالي من الكوليسترول”.. إلا أن الجمهور لم يستسغ معظم هذه المحاولات، ليعلن توقف هذا الفن حتى إشعار آخر، وظهور فكرة تجعله مقبولًا للمشاهد العربي، مثلما نجحت هوليوود في استعادة بريق هذه الصناعة من خلال رائعتها
La la land.

إقرأ أيضا

عزيزي المنتج.. أبشر

هل يعتبر النهاية بداية جديدة؟

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى