ردت: لا عليك لقد فهمت مقصدك، لكن ألن تخبرني ما حكاية الحصان؟!
قال: سأخبرك لكن أخبريني في البداية من هؤلاء الذين هاجموا قبليتك وقتلوا.. سكت متحاشيًا تذكيرها لكن بعد فوات الأوان.
ظهرت بعض العبارات في عينيها ثم ردت: هؤلاء الذين قتلوا أخي كان بيننا وبينهم حروب في الماضي وكان أبي فارسًا عظيمًا وقد هزمناهم شر هزيمة حتى ضعفت قوتهم ورضخوا ولم يصبح أحد منهم يرفع رأسه أمام أي فرد في قبيلتنا..
ولابد أن هذا الذي كان يقودهم هو بن شهباء بنت منذور الذي قتل والدي كل عائلتها في مبارزة، لكنه كان يبارزهم بشرف، رجل لرجل أما هم فقد غدرونا.. ولو قاتلونا بشرف كما فعلنا لطاشت رؤوسهم بسيف أخي.. تذكرت مقتل أخيها فأنهمرت من عيونها الدموع.
اقترب منها وقال بنبرة معزية: لا عليك، لك انتقام منهم وسيكون انتقامًا بشرف لا بغدر.
قالت بعد أن جففت دموعها: قص علي قصتك أنت الآن.
سيد بني مرة
تنهد بعمق وشرد نظره بعيدًا عنها وعبثت ملامح وجهه ثم قال: أما إني سيد بني مرة وأشرفها، ورثت السيادة كابرًا عن كابر، وكان وزيري هو ابن عمي، وزيري وصديقي بل كان في معزة أخي.
ولما أردت زوجة لي ليكون لي منها أبناء، بحثت في نساء القبيلة فلم أجد فيها من حركت قلبي ولا شغلت بالي، بحثت في كل القبائل المجاورة وانتهى بحثي بالفشل، كان لي مواصفات في الفتاة التي أريد أن أتزوجها لم أجدها في أي منهن.. وفي يوم أشار علي ابن عمي أن يأتي لي بإحدى العرفات لتخبرني بالمكان الذي توجد فيه الفتاة التي سأقع في حبها من أولى النظرات، ورغم أني لا أصدق العرافات إلا أني لم أرفض، فإن أتت بخير فلها مثل ما أتت، وإن أتت بشر فلا تنال إلا الشر.
وجاء بها، وقد وصفت لي كل المواصفات التي كنت قد رسمتها في رأسي بدون أن أذكرها لها ولم يكن يعلمها أي أحد غيري، وقالت أنها تستطيع أن تدلني على مكان تلك الفتاة من خلال العطر الذي تضعه، وقالت أنها ستعد هذا العطر الذي يشبه جدًا عطر تلك الفتاة، وأنها ستعده بحيث أن أحفظ رائحته وأقدر على شمه على بعد أميال، بل والشعور بوجودة في أي شخص يقترب منها. فقلت لها أن تفعل ولها أجر عظيم إن صدقت.
مر أسبوع ثم عادت وأحضرت معها زجاجة بحجم الإبهام غريبة الشكل فيروزية اللون، وأعطتها لي مغطاة، قالت لي أن أفتحها.. ولما فتحتها شممت عطرًا رائعًا لم أشتم مثله قبل تلك اللحظة، لكن فجأة وجدت جسدي يتغير للون الأسود ثم وجدت عضلات جسدي تكبر، فسألت العرافة، ماذا فعلت بي، قالت جعلت قدرتك على الشم تفوق ألف إنسان، جعلت قدرتك على الشم بقدرة حصان.. ضحكت ثم فتحت الباب وهربت.
وبمجرد خروجها سمعت جلبة وأصوات سيوف، فعلمت أنها مكيدة، ودخل ابن عمي شريف بني مرة، صديقي وأخي الذي استأمنته على حياتي مشهرًا سيفه نحوي يريد نحري وهو يصفني بالمسخ الذي يخالط الشياطين، وكنت قد تحولت كاملًا للصورة التي رأيتني عليها، فقفزت سريعًا من النافذة وجريت بسرعة لم يجري بها فرس آخر، وظللت أجري في الصحراء لا أعلم أين أذهب واشتد بي العطش، حتى قابلني أخيك وأصحابه، فأعطوني الماء والطعام، لكني بالطبع لم أقبل أن يمتطي أحد ظهري منهم، فأنا السيد بن السيد.. لكن لما اقترب أخاكي، شممت فيه عطر، هو عطر الفتاة التي حكت عنه العرافة، يمكنني تميزه من بين ألف ألف عطر، فعلمت أنه هو الذي سيوصلني لها، فرأيت أن هذا أملًا جديدًا في الحياة فتبعت الأمل وتركت أخيكي يمتطي ظهري.
ثم رأيتك فتاة في اليوم التالي، لم أرى في مثل جمالها أحببتها من النظرة الأولى، وعلمت أنها هي الفتاة التي لطالما حلمت بها وكان العطر يفوح في كل الأرجاء، رغم الروث الذي يملأ مربط الخيول.. علمت أن العرافة رغم خداعها قد صدقتني بشأن العطر. كانت تلك الفتاة هي أنت .. أنت صاحبة العطر.
أحمر وجه سمية وتمنت لو انشقت الأرض وابتلعتها من فرط الحياء..
وقد ثارت ثائرتي لما خرجتي، لأني ظننت أنك لن تعودي، فلما عدتي هدأت، والباقي تعرفينه.
قالت بنبرة مرتجفة تغالب حياءها: لكن كيف عدت مرة أخرى إلى إنسان.
رد: لا أعرف، ربما زال مفعول السحر، حقيقة لا أعرف، فقد اكتشفت الأمر في نفس الوقت الذي رأيتيني أنت فيه عاريًا.
اقترب منها فابتعدت عنه فقال: لا تخافي لقد عاهدتك أن أكون أمينًا معكي، وإني أبدًا لن أنتهك حرمة المرأة التي أرجو أن تكون زوجتي، فاطمئني يا سمية..
نظرت إليه تتفحص ملامحه، ثم غضت طرفها بحياء.. تابع: أعدك يا سمية أني سأثأر لأخيكي، وعد حر لا رجوع فيه، لا أكون سيد بني مرة إن لم أوفيه.. وسآتيك بهذا الذي قتل أخاكي تنحرين عنقه بيدك، لكن في البداية يجب أن أستعيد ملكي، وجيش قبيلتي من هذا الخائن.
تنهدت سمية وقالت بحزن: يبدو أني مكتوب علي أن أعيش وسط الدماء الحارة.
