طريقة عمل الكوميديا في البيت| بقلم عبدالرحمن جاويش
أذكر ذلك المشهد جيدًا؛ مشهد من أحد الأفلام العربية القديمة (لا يحضرني اسمه للأسف).. حين يدرك البطل أنه يحتاج لتملق أحد الرجال من خلال مزحة لم يسمعها احدٌ من قبل.. حينها يقرر البطل شراء “نكتة” من مؤلف نكت محترم.
يجلس المؤلف على المقهى، يرتشف كوب الشاي.. ويقول خلاصة إبداعه في تواضع العلماء: “مرة ست تخينه قوى راحت تركب حنطور العربجى قال لها اركبى بسرعه قبل ما الحصان يشوفك.”
أعجب البطل بالمزحة، وحين قرر الذهاب ليرويها على من يريد تملقه (مديره أو والد حبيبته، لا أذكر).. اكتشف الحقيقة المرة “النكتة قديمة”.
خلال أحداث الفيلم كانت مشكلة البطل وحده، لكن صناع الكوميديا في مصر أنهم لم يتوقفوا عن ترديد هذه المزحة السخيفة المهينة التي تتجاوز حد الفكاهة.. والكارثة أنهم كل مرة يظنون أنها جديدة!
صناعة الكوميديا في الأساس هي صناعة “أدبية” خالصة؛ بدأت في العالم لغرض “ثعباني” على حد وصف أحمد السقا.. وهو الهروب من تبعات الإسقاط السياسي والديني (الديانات القديمة) من خلال المزحة، ولكنها مع الوقت أظهرت منافع أخرى، ومررت الكثير والكثير من عقبات الحياة في إطار الحبكة..
ومع الوقت وتطور فنون المسرح، وبزوغ فجر السينما.. زاد الإقبال على الكوميديا.. لما لها من سحر يفصل المشاهدين عن واقعهم، ويضمن لهم البهجة، صحيح أن تسلية الجمهور غرض سمي لذاته، ولكن حين يتحول الضحك لغاية مطلقة، يفقد كل شيء معناه.
ولكن كيف تصنع عملًا كوميديًا “جيدًا” بالمعايير الفنية؟!
(ملحوظة: الطرح التالي هو مجرد وجهة نظر من خلال مشاهدات وقراءات كاتب المقال، وليس رأيًا أكاديميًا ولا حقيقة مطلقة)
-
التراچيديا
“الناس في البلد دي بتاكل من عرق عاهاتها”
سيد زيان-المتسول
جمعتني منذ فترة قريبة جلسة بأحد صناع السينما المخضرمين، وأخدنا الحديث عن الكوميديا، عرض عليَّ بعض السيناريوهات المقدمة له، وقال في حزن: “مشكلة كتاب الكوميديا إنهم فاكرينها عمل تافه، وبينسوا المعاناة!”
لم أفهم العبارة، ولم أطلب شرحًا لها خلال اللقاء.. لكن ظلت تؤزقني لأيام، حتى قررت مشاهدة عمل “كوميدي” ناجح بالمقاييس الحديثة وأبحث عن التراچيديا فيه، فوجدتها ظاهرة جلية.
تذكر أي عمل كوميدي عالمي مهما كان فكاهيًا وناجحًا في إضحاكك؛ ستجد مأساة أبطاله واضحة جلية.. فالقصة الكوميديا المميزة هي ما يمكن تحويلها لتراچيديا وليس العكس.
-
مُجمَع المدارس
“اللي عايز يتعلم يتعلم، واللي مش عايز يتفضل!”
علاء ولي الدين- الناظر
حين تسأل أي طفل عن مدارس الكوميديا سيجيبك بمنتهى السهولة: كوميديا اللفظ، وكوميديا الموقف.
والأهم أن تتذكر أنت هذه الإجابة، ولا تختار من بينها، فالعمل الكوميدي الناجح هو ما يجمع بين المدرستين، ويستخدم منمهما ما يخدم حبكته الدرامية بالأساس.
وكلما أمكنك المزج بينهما في حدود السياق الدرامي وخلفية الشخصيات افعل هذا دون تردد.
-
“إحنا آهه”
“هي دي، وأنا ده.. إحنا هما، إحنا هما.”
إسلام حسام
الفعل المشترك والتعرض لنفس الموقف الكوميدي يرضي المشاهد الذي يحتاج أن يشعر أنه ليس بمفرده في هذا العالم، وهذا سر نجاح كوميديا التواصل الاجتماعي التي تفوقت مؤخرًا على السينما بخطوات واسعة.
الخطوة الثالثة لصناعة عمل كوميدي ناجح هو القرب من الناس، يجب أن يرى المشاهد نفسه في جملة أو موقف أو شخصية.. يجب أًن يرى المشاهد جزءًا منه في شخصية جذابة وفريدة على الشاشة، فأنجح أنواع السخرية هي السخرية من النفس؛ وهي الوحيدة التي يمكنك تلقيها بنفسٍ راضية دون اعتبارها تنمرًا أو استهزاء.. لأنك ببساطة صاحب النكتة.. صحيح أنك مررت بموقف محرج، لكن روايتك أنت له تجعله مضحكًا.
-
حطم صنمًا أو إثنين
“أنا رئيس جمهورية نفسي!”
محمد شرف- ظرف طارئ
الكوميديا الناجحة هي التي تولد في أماكن لا يمكن المزاح فيها؛ كمحراب علمي أو سياسي.. نفس الأمر مع ااشخصيات التي لا يمكن “نكشها” كالمدير والمسئول الحكومي الهام ورجل الأعمال.
المهم أن يجد المشاهد نفسه في موقف الساخر من كل هؤلاء السلطويين، وأن يشعر بلذة تغلب البطل عليهم في الدراما، فهذا أمرٌ لن يعيشه في واقعه.
-
التناقض
“إذا ذُكِرَت الرجولة ذُكِرَ فرج، وإذا ذُكِرَت الكوميديا ذُكِرَ التناقض.”
محمد هنيدي (بتصرف) – حلق حوش
لا خلاف على أن التناقض هو التيمة الأكثر ضمانًا في الأعمال الكوميدية؛ الغني في حي شعبي، الفقير في حفلة مليونيرات، الطيب وسط عصابة شريرة، والقاتل المحترف وسط حضانة أطفال.. إلى آخره من الأمثلة التي حضرت في رأسك من تيمات وافلام بعينها.
ولكن الأهم هو توظيف هذا التناقض بشكل صحيح ومعالجته دراميًا بصورة قوية حتى لا تقع في فخ “كوميديا الفارص” الفارغة التي أصبت سمة مميزة لأعمالنا، وتحديدًا في العشر سنوات الماضية، في حقبة الوفاة الإكلينيكية لجيل المضحكين الجدد والوفاة الباكرة لمن تلاهم من الكوميديا.
-
لا تخترع العجلة
“الإيفيهات كتير، بس اتحشرت”
أحمد مكي (بتصرف) – إتش دبور
في النهاية الكوميديا ليست ولادة عسيرة، هي حولنا في كل موقف ومكان، كل شيء يمكن أن يصبح كوميديا؛ دون السقوط في معضلة أخلاقية ودون الإخلال بالحبكة.. بس “النفس اللي تقفي”.. أو بمعنى أدق “بس النفس اللي تعرف تقفي”.