ظاهرة التحدث إلى الموتى كيف أثارت جائحة 1918 جنونًا روحانيًا
هل ظاهرة التحدث إلى الموتى قديمة أو جديدة ؟ عندما اجتاح وباء الإنفلونزا الولايات المتحدة ما بين عامي 1918-1920م أراد الأمريكيون الحصول على إجابات لبعض الأسئلة، ولم تقتصر أسئلتهم عن سبب الوباء أو كيفية منع الإصابة، ولكنهم عانوا من مخاوف أكثر بدائية، مثل ما الذي يحدث لنا بعد الموت ..! وكيف لنا أن نتواصل مع أحبابنا الموتى .
لم تكن جائحة الإنفلونزا الأسبانية وحدها التي طرحت مثل هذه الأسئلة والبحث عن ذلك، فوفقًا لأحد التقارير فقد أسفرت الحرب العالمية الأولى التي انتهت في فبراير 1918 عن مقتل 20 مليون جندي ومدني في كل العالم، وتسبب الوباء في موت 50 مليون شخص، في كلتا الحالتين كان الضحايا من فئة الشباب ولكن في حالة الوباء فقد تركوا خلفهم أزواج وأبناء.
ولذلك ليس من المستغرب أن ظاهرة الروحانية التي وعدت بفتح نافذة على العالم الأخر، تظهر بشكل مفاجئ في بلدان عديدة منها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبلدان أخرى حتى أنه في شهر فبراير لعام 1920م نُشر مقال في جريدة نيويورك صن بعنوان “لغز الحياة الأخرى يجذب انتباه العالم”.
كيف استمدت ظاهرة التحدث إلى الموتى مصداقيتها
كان البريطانيون من أبرز مؤيدي الروحانية، كان السير سير آرثر إغناتيوس كونان دويل مبتكر شخصية سيرلوك هولمز والسير أوليفر جوزيف لودج فيزيائيًا محترمًا ومعروفًا بعمله على موجات الراديو، كل منهما كان له اهتمام بالخوارق الطبيعية، وكلاهما فقد ابنه في الحرب، فقد أصيب ابن لودج أثناء القتال في بلجيكا عام 1915م وأصيب نجل دويل في فرنسا عام 1916م ومات آخر بسبب الالتهاب الرئوي عام 1918م، وتوفى الشقيق الأصغر لدويل بسبب وباء الأنفلونزا عام 1919م.
بعد الحرب كتب الرجلان كتبًا وصفا فيها تجاربهما النفسية، وصف كتاب لودج “الحياة والموت Life and Death” العديد من الاتصالات المزعومة مع ابنه الراحل، وكتب عن تجاربه والتقنيات التي استعملها في التواصل مع الموتى.
منها تقنية الكتابة الآلية، زعم أن الروح كانت تُحرك الطاولة حتى تصل للحرف الذي تقصده، وكانت تقوم بحركات أخرى واستمرت وسائل أخرى سمحت بالتحدث مع الموتى مباشرة، كانت رسائل الابن تُأكد لوالديه أنه سعيد وأخبرهم أنه اتصل بجده وكون صداقات جديدة وبلغهم أن الجنود الذين فقدوا أعضائهم بالحرب تم استبدلهم بأخرى بطريقة سحرية.
في زيارة لودج لنيويورك عام 1920م أخبر أحد المراسلين أنه مازال على اتصال مع ابنه وكل الجنود الذين سقطوا بالحرب، وأنه تحدث مع كثير من الفتيات الذين قتلوا بالحرب..!
أما نجل دويل كان أيضًا سعيد وأنه اتصل بابنه في جلسة روحية عام 1919م، وقال أنه سأل ابنه هل هو سعيد وأجابه أنه سعيد، وفي محاضرة له عام 1922م تكلم أنه تحدث عدة مرات إلى ابنه وادعى أنه يعرف مجموعة من الأمهات استطاعت التواصل مع أبنائهن عام 1918م..! من هنا استمدت ظاهرة التحدث إلى الموتى مصداقيتها.
ظهور فن الوهم
بينما كانا الرجلان مؤمنين جدًا بمعتقداتهما أعطيا فرصة للكثيرين من المخادعين من جني المال من العائلات الحزينة واستغلالهم، وكتبت جريدة النيويورك صن عام 1920م أنه منذ الحرب قامت الكثير من الوسائل المزعومة التي تُعرض الكشف وانتعش ذلك الأمر لأن كل المدن كانت منكومة القلب.
وساعد ذلك في ظهور هاري هوديني الأستاذ في فن الوهم، كان من أكبر الأسماء في فن الإيحاء والتخلص من القيود، واكتسب شهرة عالمية، وكان معروف عنه نقد الوسطاء الروحيين الذين زعموا استطاعتهم الاتصال بالموتى، وقضى وقته في الكشف عن الوسائل الاحتيالية وكتب في كتابه عام 1924م ” A Magician Among the Spirits” أنه بعد البحث لم يجد شيئًا واحدًا لإقناعه بوجود اتصال بين الموتى والأحياء.
في عام 1926م تم استدعائه للإدلاء بشهادته أمام الكونجرس الذي كان يدرس قانون لحظر الوسطاء الروحانيين والعرافين.
استمر الاهتمام بالروحانيات وانتشرت ظاهرة التحدث إلى الموتى طوال عشرينيات القرن العشرين وفي فترة الثلاثينيات ولكنها انخفضت في زمن الحرب العالمية الثانية عام 1941.