مسلسل عفاريت السيالة وفلسفة الست “رزقة”
عبدالرحمن جاويش يكتب: عن عفاريت السيالة وفلسفة الست “رزقة”
مفيش شك إن مسلسل “عفاريت السيالة” من أنجح الأعمال الدرامية، صحيح هو مش عمل ملحمي، لكنه على الأقل نجح في التوفيق بين ذوق الجمهور واستحسان النقاد.. وأكيد حبكته هتفضل علامة مميزة في تاريخ الدراما المصرية.
المسلسل باختصار بيبدأ من (14– شارع أبو نار في حي السيالة)؛ عن الست “رزقة” اللي بتحاول تربي “مغاوري” ابن أختها الفاشل اللي أمه “كريمة” ماتت وهي بتولده.. بتحاول “رزقة”
في بداية الأحداث إنها تبعد “مغاوري” عن ماضيه، وتحديدًا أبوه الغني “صالح الحامولي” اللي بيقرر يرجَّع لـ “مغاوري” حقه ويكفر عن ذنبه.
المسلسل بيعكس الصراع بين الطبقة الغنية والفقيرة في بداية ألفينات الأسكندرية؛ وبيطرح السؤال الدرامي والفلسفي الأبدي: ماذا لو امتلك الفقراء الثروة؟
مفتاح بناء شخصية “رزقة عبد ربه” بالنسبة للكاتب “أسامة أنور عكاشة”؛ هو فكرة (الأهداف غير المكتملة)؛ يعني شخصية “رزقة” قدرت تخوض كل تحديات حياتها بس عمرها ما بتنجح بنسبة 100%.
تحديات “رزقة” جذورها بترجع للـ “backstory” بتاع شخصيتها؛ لما حاولت تحمي أختها “كريمة” من الراجل الغني اللي كان عايز يقضي معاها يومين ويهرب، وبعد ما افتكرت إنها نجحت اكتشفت إن أختها حامل في “مغاوري”!
غير كده “رزقة” حاولت تعيش حياتها وتتجوز من حب عمرها “بكر”، بس برضه الهدف مكملش وحبيبها اتقتل يوم فرحهم.
ومع بداية الأحداث بنشوف محاولات رزقة في تربية مغاوري؛ بس دلعها ليه أدى لنتيجة عكسية و مغاوري طلع شاب “فاقد”؛ حاولت تبعده عن ماضيه وفشلت، حاولت تطلب له حقه من أهله الأغنياء بس الفلوس غيرته وحولته لنسخة أكثر رداءة من مغاوري القديم.
رزقة في عفاريت السيالة
“رزقة” عاملة زي فريق كورة بيلعب حلو، بس مبيعرفش يكمِّل الهجمة للآخر، فاشل في إحراز الأهداف.
عبقرية شخصية “رزقة” هي إنها تبدو متصالحة مع الدنيا، وراضية بدورها كـأم لمغاوري؛ بس في الحقيقة هي لسه مجرد عذراء ثائرة في قرارة نفسها، مؤمنة من جواها إن (لسه أجمل يوم مجاش)؛ “رزقة” مدركه إن اختياراتها في الحياة معدودة جدًا، بس كفاية إنها اختارت تكون أب وأم لـ “مغاوري”.
معضلة “رزقة” بيظهر عكسها في شخصية أختها “عظيمة” اللي بتجسدها القديرة “خيرية أحمد”؛ واللي بتعكس الرضا اللي عند واحدة أدت دورها في الحياة، قدرت تربي أولادها اللي كملوا تعليمهم؛ وقدرت تاخد حظها من الحب والجواز.. وفي النهاية قررت تقضي باقي حياتها في هدوء.
أما كلمة سر تجسيد شخصية “رزقة” بالنسبة لعبلة كامل؛ فهي (لعب المألوف بشكل غير مألوف)؛ يعني عبلة كامل طول تاريخها الفني محصورة في دور الست البسيطة، بس تقريبًا مأدتش دور شبه التاني.. منهم 3 مرات على الأقل قامت بدور الأسكندرانية الفقيرة؛ بس عبلة كامل شافت الشعرة الرفيعة بين: زهد “بلطية العايمة”، وغضب “السفاحة ريا”، وبساطة “الست رزقة”.
أما عن فلسفة “رزقة” في الحياة فهي ممكن تلوم العالم كله، بما فيهم هي نفسها.. بس متلومش مغاوري؛ “مغاوري” نقطة ضعفها الوحيدة، لدرجة إنها قالت جملة بتعكس ضعف كيانها كله قدام مغاوري: وحياة المصحف ده على عنيا، أنا عمر ما راجل لمسني؛ بس صدري حن لمغاوري ورَضَعْته ست شهور.
“رزقة” مع كل كارثة بيعملها “مغاوري” بتحميه من كل شر؛ عشان “مغاوري” قدرت تفرش الملاية لـ “قسمت هانم” وتطردها من “السيَّالة” بزفة -في مشهد “روبن هودي”؛ بعيد عن الواقعية لكنه بيسحب سوكسيه مع المشاهدين.
ممكن كمان تشوف “رزقة” وهي بتعادي أختها “عظيمة” وتعايرها إنها بتصرف عليها هي وأولادها، ممكن “رزقة” تعادي شريكتها وصديقة عمرها “رئيسة”، وممكن تكره نفسها وتدعي عليها.. كل ده وأكتر عشان بس ماتكسرش بخاطر “مغاوري”؛ بعد كل ده تعاقب “مغاوري” براحتها.
وعقاب رزقة لمغاوري برغم بساطته إلا إنه قاسي جدًا عليه وعليها، هي بس بتكتفي إنها تناديه بابن كريمة؛ وهي متأكدة قد إيه الجملة دي هتسيب فيه أثر مؤلم، وهتفكره بكل اللي بينهم.
“رزقة” زي ناس كتير حوالينا؛ وضعت هدف لحياتها في شخص تاني، قابلة تكون ترس مستخبي بيدور ليل نهار عشان مكنة “مغاوري” تطلع قماش؛ بتصحى كل يوم تقابل الحياة بابتسامة هادية وميكانيزم دفاعي بيخرج في شكل سلوك حاد بيحميها من العالم القاسي.. على أمل إنه هيكون يوم رحيم بـ”مغاوري” اللي خرج من بطن كريمة، وعاش في قلب “رزقة”.
يمكنكم مشاهدة المقالات السابقة من هنا