عندما يحلق طائر النورس
عندما يحلق طائر النورس.. «قد ما عمري يطول ياحماده.. قد ماعمري يطول.. حستناك على طول ياحماده حستناك على طول» …كان الرجل الأسمر يغنيها هكذا وبإحساس صادق حاملا على كتفه قفة السوداني الذي يبيعه بأي قيمة نقدية، وبأية عملة للعابرين من شط الإسماعيلية إلى حدود سيناء عبر المعدية رقم (6).
صعد الفتى بزيه العسكري كاملا مع زملائه من السلاح والأسلحة الأخرى متجنبا أفراد الشرطة العسكرية، الذين يتربصون بالعساكر ويوقعون العقوبة عليهم حسب النظام المعمول به.
سيارات عسكرية، وأخرى مدنية تسير على المعدية من جنسيات مختلفة. تحركت المعدية.. كانت الفتاة تنظر من خلف نافذة السيارة إلى أفق بعيد. قد تكون مارسيليا.. بوسطن.. مدينة البندقية أو أي بقعة أخري أتت منها هذه السيدة، وتتذكرها الآن عبر رحلة المعدية القصيرة.
توقفت عينيها تجاه الفتى الذي لم يدرك لأول وهلة أنه المقصود بالنظرة. توقع أنها تنظر إلى أي شيء آخر سواه. ابتسامتها تخللت رجلان بالكرسي الأمامي بسيارتها يبدو وجهها خلفهما كأنه جزيرة نائية صعبة المنال. تحلق حولها طيور نورس في فصول ومواسم غريبة. لم يكن هناك حرب في الجهة الأخرى للمعدية.
كان الفتى فى طريقه لأداء الخدمة العسكرية مثل الآلاف غيره، وعلى وجهه مسحة حزن لم تخفها وسامته. كانت هناك موسيقى حزينة تعزف بداخله. استمرت نظرات الفتاة إليه طوال رحلة المعدية التي تقترب الآن من الشاطىء. ولا يزال الرجل الأسمر يغني الأغنية نفسها ويبيع السوداني للمنتظرين عودة المعدية. بدأ وجه الفتى ينبسط وعضلاته تلين ليبتسم ويرى الأشياء من حوله أكثر جمالا.
تجمعت العساكر ببطء على حافة المعدية، وأخذت السيارات تصيح معلنة بدء التحرك. تحركت سيارتها على التوازي مع خطواته التي بدأت تلامس الأرض. أخرجت الفتاة الأجنبية الجميلة ذراعها خارج السيارة وبصوت عالٍِ أمام الجميع الذين لم يدركوا لمن بالضبط تلوح بذراعها، ربما للقناة أو لمدينة الإسماعيلية أو لطائر النورس البعيد، لكل الناس.
لم يدرك غيره هو المبتسم حفاوةٍ لمن ترفع هذه الذراع الفاتنة، قائلة وبصوت رنان لن ينساه حتى الممات. بااااي.
قصة قصيرة