عن عشرى صاحب صاحبه بقلم: عبدالرحمن جاويش
عشرى صاحب صاحبه – بقلك عبد الرحمن جاويش:
من رأيي إن الكتابة السينمائية في بدايتها كانت متخذة شكل “مثالي” جدًا، كل شخصياتها أحادية البعد.. البطل طيب، صاحب البطل شديد الولاء، حبيبة البطل جميلة، والشرير نموذج مثالي لكل ما هو قبيح.. عكس كل الصفات السابق ذكرها، وده طبيعي لأنك وقتها كنت بتأسس لفن جديد، وعندك أولويات فنية وإخراجية أهم بكتير من التركيز في القصة نفسها أو أبعاد الشخصيات، لأن التحدي الأبرز كان “صناعة فيلم”.
مع تطور الحبكات وظهور جيل عظيم من صُنَّاع السينما محليًا وعالميًا بدأ الموضوع ياخد اتجاه “متمرد” تمامًا على المثالية؛ كان سهل تحب الشرير، وتكره البطل، وتشوف الحبيبة نموذج سيء، وصاحب البطل قنبلة موقوتة.. بمبرر وبدون مبرر، أيًا كانت الحبكة أو الحدوتة.. لازم نتمرد عليها.
لكن مع نضوج السينما الحقيقي، وظهور قواعد واضحة لصناعة الحبكة وبناء الشخصيات، بدأ الموضوع يكون أكثر اتزانًا، هو غير “مثالي” وغير “متمرد”.. هو بيتصرف طبقًا للقصة اللي قدامنا، وعلى أساس الحبكة والدراما المصنوعة الشخصيات هتتصرف.. والرهان كان على ذكاء المشاهد في تقبل حالة التوازن دي.. والرهان ده نجح مع شخصيات سينمائية كتير، أشهرهم في مصر هو “عشري”.. الرجل الثاني لـ”إبراهيم الأبيض”.
“الصاحب له عند صاحبه كدبة، وعشوة، وتظبيطة”.. ده مثل شعبي مصري طبقه عشري بامتياز مع صديقه الوحيد إبراهيم من خلال أحداث الفيلم، يمكن كمان يكون طبقه وهو بيحكي قصة “إبراهيم”، متنساش إن عشري هو راوي الأحداث، يعني إحنا طول الفيلم مبنشوفش الحقيقة؛ إحنا بنشوف اللي عشري شايفه وبس.
أهم سمتين في شخصية عشري بيظهروا مع أول مشهد؛ وهو مطاردة إبراهيم من الشرطة، بالتوازي مع سرقة (كيس المخدرات) من عشري أثناء المطاردة.. بيظهر لنا إنه فعلًا صديق مخلص لإبراهيم، وكذلك هو تابع على قدر كبير من الغباء، هو مجرد أداة للتنفيذ، ميقدرش يعيش بدون قائد يخطط له كل خطوة.
أما على سبيل التطور؛ فعشري شخصية جامدة، أي تغيير بيحصل له لازم يكون نتيجة لتطور معين في شخصية إبراهيم.. عشري ابن الشارع وعايز يفضل ابن الشارع.. معندوش صراعات أبعد من المنطقة العشوائية اللي عايش فيها.. كل مشاكله بتخلص بـ”عركة” يا يموت يا يعيش فيها، معندوش رفاهية الصراعات النفسية؛ لو عايز ست معينة هياخدها، ولو عايز حاجة هيسرقها.. وده بيظهر في الفترة اللي ابراهيم اتحبس فيها.. هتلاحظ إنه فضل ثابت، بيصرف من فلوس محوشها من الشغل القديم وبس.
أما نقطة التحول الحقيقية في حياة عشري؛ فهي محاولة اعتدائه على “حورية” معشوقة إبراهيم.. وبسبب جهل عشري، وعدم اعتياده على النوع ده من الصراعات النفسية، محاولش يفكر في الموضوع صح، ومقدرش يبرر لنفسه إنه كان سكران، وإنه حاول يمنع نفسه عنها.
محاولش يقيم مشاعره تجاه “حورية” ويفكر إنه مبيبحبهاش زي زرزور وإبراهيم، وإنه تقريبًا بيحتقرها.. بيحتقرها لأنها غيرت صديقه للأسوأ من وجهة نظره، علمت إبراهيم يحب ويخاف على نفسه.. خرجته من سباق الغابة اللي كان عايش فيه، مفيش تابع يحب يشوف القائد الخاص بيه في الحالة دي من الهيام والعشق.
مشكلة عشري إنه جاهل وماتعلمش يبص على حياته من برة.. نسي إنه قتل عشان إبراهيم، وأخد رصاصة عشان إبراهيم، وإنه اضطر يتعامل بنفسه مع تجار مخدرات في فترة غياب إبراهيم.. وإنه موافقش على تسليم إبراهيم لعبد الملك زرزور غير لما عرف إن الموضوع كله مجرد “قرصة ودن”..
عشري مُخلِص لإبراهيم، لكنه فشل في كل شيء اختاره بإرادته الحرة.. زي أي تابع في الدنيا؛ فشل في تطويع “حورية” له، فشل في الحفاظ على “تحويشة” إبراهيم.. فشل في الحفاظ على إبراهيم نفسه حتى لو بحسن نية، فشل إنه يعترف بخطأه، وفشل إنه يبقى خاين حقيقي ويهرب.. حتى لما قرر ينتحر؛ فشل.
مشكلة عشري إنه ماقدرش الصورة الكاملة.. معرفش إنه عاش “صاحب صاحبه”، ومباعش إبراهيم عكس قناعة كل الشخصيات، عشري “اختار” بإرادته الحرة إنه يموت “كتفه في كتف إبراهيم” زي ما كان عايش معاه بالظبط..
ممكن يكون قرر يموت بدافع التخلص من الذنب، أو بدافع الولاء لصديقه، أو حتى بدافع إنه مش هيقدر يعيش من غير “قائد” زي إبراهيم.. لكنه في النهاية ربط حياته ووجوده بصديقه.. عارف إن قصص الخيانة حلوة، بس أنا آسف.. عشري مباعش إبراهيم.
اقرأ أيضًا:
مهرجان القاهرة السينمائى الدولى يجذب صناع السينما و متابعيها