سينما

عن مسلسل lupin.. اللص الشريف

عن مسلسل lupin.. اللص الشريف

على منصة تحتوي على عمل في قيمة ” breaking bad” في رأيي هو الأعظم في التاريخ، وعلى أكثر الأعمال الكوميدية نجاحًا وتنوعًا مثل friends وhow I met your mother  و brooklyn 99 وتضم كذلك الأعمال الإسبانية التي تعتمد على “الستايل” وتتغاضى عن عناصر الدراما والحبكة وكل ما قد يمل منه المشاهد.. ومسلسلات وأفلام أخرى من كل حدب وزمان.. يأتي وسط كل هذا مسلسل lupin الفرنسي ليصبح هو الأعلى مشاهدة في تاريخ عروض منصة نتفلكس، بمشاهدات تتخطى ال70 مليون؛ هذه ظاهرة لا يمكن تفسيرها!

 

المسلسل من خمس حلقات، يروي قصة “اسان ديوب اللص المحترف الذي يعتمد على الخدع، وخاصةً التي كان يمارسها بطل طفولته وبطل سلسلة الروايات الشهيرة “آرسين لوبين”، وقد تأثر بها “أسان” حين قرأه في طفولته، وكانت هذه الكتب هي ما تهون عليه فاجعة فقدان والده في حادث مدبر من عائلة “بيليجريني” الثرية التي كان والده يعمل لديهم سائقًا.

 

مسلسل lupin ليس أكثر الأعمال إبهارًا، ولا الأعظم دراميًا، لن يهلكك ضحكًا، ولن تخرج منه بفكرة فلسفية ليست في مكانٍ آخر سواه، هو مسلسل ينتمي لحبكات السرقات التي تبدو من الخارج معقدة، لكنه حتى في هذه التيمة بسيط، وأعمال مثل ocean’s eleven وmoney heist كانت محكمة في هذا الأمر أكثر منه.. هو فقط يحكي قصة لص شريف؛ وكأن الواقع يكمل لهم المزحة؛ فقد سرق لوبن مشاهدات باقية المسلسلات، بطريقة ساذجة، ولكنها شريفة.

 

المسلسل بطولة النجم “عمر سي”، بطل رائعة the intouchables.. والتي أعدها واحدة من أفضل الأعمال التي شاهدتها في حياتي.. ولكن دعنا من هذا الفيلم، ولنعد لمسلسل lupin.. المسلسل الذي تجنب صناعه كافة الصراعات المحتملة؛ بدايةً من حيلة أن البطل مجرد معجب بشخصية “آسين لوبين” ويسير على نهجه؛ وليس هو البطل ذاته، وذلك لتمرير كون البطل أسمر اللون عكس الأحداث الأصلية للرواية، وكذلك لرفع ضغط المقارنة عن أنفسهم وذلك بعدم التقيد بأحداث الرواية ولا شخصياتها، واستغلال التقنيات الحديثة في تنفيذ بعض خدع “أسان” لإثبات براءة والده من التهمة التي شككت في نزاهته وأودت بحياته بعد ذلك داخل أسوار السجن.

 

ولكن حبكة الانتقام قديمة قدم الحَكي، وحبكة السرقة تم استهلاكها حديثًا، والممثلين من ذوي الحضور وحس الدعابة اللطيف مثل “عمر سي” كُثُر، واللغة الفرنسية ليست أكثر اللغات تحدثًا في العالم على غرار الإنجليزية بلهجاتها، وروايات آرسين لوبن على رغم نجاحها إلا أنها ليست الأنجح في التاريخ، وعلى مستوى الجريمة وتعقيد الحبكة فهي ليست الأكثر إحكامًا كذلك.. ولكن ماذا جعل المسلسل ينجح كل هذا النجاح؟ أظن الإجابة أنه احتوى على بعض من كل هذا، لم يحاول رفع ذائقة الجمهور، بل نزل إليه بكل هذا في مكانه.. فكان من الطبيعي نجاحًا جماهيريًا كهذا.

 

تبدأ الأحداث من متحف اللوفر، حيث “أسان” متنكرًا في هوية بديلة، يظهر كعامل نظافة، نشاهد العنصرية التي يتعرض لها الفقراء بشكل عام، وأصحاب البشرة السوداء منهم بشكل خاص، نشاهد “أسان” وهو يتعامل مع مديونية له مع إحدى العصابات بذكاء “لوبن” الشهير، ويقنعهم بعملية سرقة لقلادة معروضة في مزاد داخل المتحف.. يتخفى أسان مرة أخرى في هوية مشترٍ ثري ويدخل لعمل إلهاء يقود العصابة لسرقة القلادة بالفعل، ويتركهم بين أنياب الشرطة ليفرهو بالقلادة.. ونعرف أن “أسان” ليس عامل نظافة قرر السرقة نتيجة مديونياته، وإنما ينفذ خطة محكمة كان من ضمن خطواتها العمل داخل المتحف والتنكر في هذه الهوية المزعومة.

 

وانطلاقًا من هذا الحدث نشاهد الحياة بعيون “أسان” ونعرف أكثر عن علاقته بصديقته وطليقته وأم ولده الوحيد راؤول، والتفاعل بينه وبينهما، وعلاقته بالماضي وبحادث انتحار والده الذي يرفض أسان أن يتجاوزه ويسعى من خلال مهارته ومن خلال التعامل مع أشباح الماضي في إثبات براءة والده.. كافة العوامل “جيدة” أو فوق الجيدة، السيناريو كان موفقًا في الحوار والقصة، لكنه لم يكن موفقًا على الإطلاق في الخدع ولا في تنفيذ السرقات والاعتماد على المصادفة وأن البطل في يوم حظه طيلة الوقت.

 

 لكن ما يستحق الإعجاب بالفعل هو المونتاج، قطعات سهلة وسلسلة، تربط الماضي بالحاضر بطريقة جعلتني أنتظر لحظات الانتقال بين الزمنين وأشاهد كيف سينفذها المونتير هذه المرة.. صحيح أن صناع المسلسل كانوا خادعين حين أعلنوا عن المسلسل كمسلسل “سرقات قصير” مدته خمس حلقات، وفي نهاية الموسم اتضح أن هناك موسمًا آخر، ولا أستبعد خلق مواسم أخرى بطريقة “الحشو” على غرار نتفلكس في تحقيق أعلى الأرباح حتى النهاية مستغلين حالة الانتظار والتشوق لمواسم جديدة بغض النظر على جودتها الفنية، على غرار ما حدث مع مسلسل La casa de papel، الذي بدأ مشروعًا واعدًا وانتهى به الأمر لمحاولات استنزاف فنية لا هدف لها سوى الربح.. فأتمنى أن تنتهي رحلة “أسان” على الرغم من متعتها وبساطتها قبل أن يملها الناس، ويتحول لوبن من لص شريف محظوظ إلى لص حقيقي لا يعنيه الجمهور.

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى