حكايات وأماكنقصص الرعب

فريدة

فريدة.. كل ليلة برجع من الشغل متأخر، بعدي على شارع مضلم طويل وفيه مقابر، ومن المقابر دي مقبرة «فريدة» أختي اللي ماتت من سنة في حادثة أو مش متأكد، موتها كان غامض، في يوم وليلة ملقتهاش موجودة، ولحد دلوقتي موتها مسببلي صدمة عصبية مش قادر أفوق منها.

بحط السماعات في ودني عشان محسش بروحها ولا أسمعها بتناديني وفضلت كده سنة، سنة مينفعش أمشي الطريق ده غير لما يكون فيه سماعات بكلم حد، أسمع قرآن، أو أي حاجة تشغلني وتبقى ونس ليا وخلاص.

مكنتش عامل حساب يوم إني أمشي فيه لوحدي، بس هو جه وأنا اضطريت أعمل اللي خايف منه، أمشي وأحاول أقفل ودني بأي حاجة، وأفكر في حاجة تانية أو بمعنى أصح أشغل دماغي عشان مفكرش في الموضوع، وقولت ده نص ساعة وهتعدي، هتعدي ومش هحس بيها.

بس للأسف حسيت بيها. سمعت الأصوات والأرواح، حد بيراقبني ماشي على نفس خطواتي، أنا حتى رجلي حاسس إنها متشنجة مش عارف أمشي ولا أجري إلا بضغط مني عليها، مش قادر حتى أفكر في حاجة تانية دي الحاجة الوحيدة اللي بفكر فيها، مش عارف دي هلاوس ولا تهيؤات أو حقيقة، بس كنت بقنع نفسي إن دي مجرد تهيؤات عشان أنا خايف من الموضوع مش أكتر، النص ساعة عدت كأنها يوم بكل الأرواح اللي بسمع أصواتها، الخطوات اللي بتمشي ورايا خطوة بخطوة ومش قادر أمنعها.

روحت البيت ومكنتش قادر أتكلم، قولت هحاول أنسى اليوم ده واكنه معداش على حياتي، بس أول ما بدأت أنام حسيت بتشنجات، فيه حد بيخنقني، مش قادر أتنفس ولا أتحرك وكان بيتكرر جملة في وداني، سمعتها بوضوح بس مش قادر أتأكد ده أيه أو منين مصدر الصوت والخنقة دي جيالي منين.

كل ده ومكنتش مهتم أعرف وراه ايه قد ما كنت مهتم أعرف ورا جملة «روح فريدة مماتتش» ايه؟!..

أنا منمتش الليلة دي، كنت مستني الشمس تظهر بأي شكل عشان أقدر أقوم، مش قادر أفكر في حاجة غير إن إزاي فريدة ممكن تكون مماتتش، إزاي روحها لسه عايشة، ده أنا شفت جثتها، جايز ماشي معرفش سبب موتها بس أنا كنت شايف جثتها بتتدفن قدامي، أنا متأكد إنها كانت جثة فريدة. راسي كانت هتنفجر، مش قادر أبطل تفكير في الموضوع ده.

في الوقت اللي كنت بقنع نفسي إنه عقلي الباطن وتهيؤات مش أكتر كانت فريدة بتظهرلي في كل ركن في البيت، كانت واقفة بتبتسملي وبتحاول توصلي رسالة، كانت بتبص على الأوضة المقفولة اللي بابا قفلها من ساعة موتها ومينفعش حد يدخلها، حتى هو.

حقيقي أنا ماكنتش فايق ساعتها أو مخدتش بالي أصلا، بس دلوقتي محتاج أفتحها، محتاج أعرف فريدة عايزة توصلي ايه، واشمعنى الأوضة دي وعلى الأقل ممكن يقربني من سبب موتها.

-ماما: «صباح الخير يا عُمر»

صباح الخير يا ماما، لسه مش عايزة تقوليلي سبب موت فريدة لحد دلوقتي؟

اتوترت ووشها قلب وبإبتسامة خفيفة «احنا اتكلمنا في الموضوع ده كتير، أختك ماتت في حادثة مش لازم نعيد الموضوع ده كتير، هي محتاجة إنك تدعيلها بالرحمة دلوقتي»

كنت عارف الإجابة كالعادة بس المرة دي متأكد إن سبب موت فريدة مش حادثة، وإني كان لازم أدور.

قررت أخد إجازة من الشغل حتى كنوع من أنواع الراحة بس كان هدفي الوحيد إني أوصل للسبب.

استنيت لتاني يوم الصبح لما بابا وماما ينزلوا عشان أحاول أفتح باب الأوضة وأدخلها.

الأوضة كانت محروقة تمامًا، حتى الحيطان اللي كانت متغطية عليها كلام ورسومات وأرقام غريبة مش قادر أقرأها ولا أفك شفرتها، بس الحاجة الوحيدة اللي متحرقتش كانت علبة غريبة كده جواها كروت غريبة مكتوب فيها أحكام، كتب سحر، مذكرات بابا، وفستان فريدة الأبيض اللي بتبقى لابساه وهي بتظهرلي دايما.. بس عليه نقط دم.

الرسومات والعلبة اللي جواها كروت والحيطان وكتب السحر مش هيفيدوني بحاجة، بس مذكرات بابا كنت متأكد إن ممكن أطلع منها بأي معلومة.

تاريخ 9 إبريل 2008، ده قبل موت فريدة بيومين…

اتفقت مع الراجل إنه يجبلي اللعبة اللي فيها التحديات، وهيدينا مبلغ كويس جدا لو مشينا خطوة خطوة بالضبط بشكل صح ولو إن ليلى-أم فريدة وعمر- ماكنتش موافقة في الأول بس أنا أقنعتها، هي كده كده كانت هتقتنع، عايزين نأمن مستقبل كويس للولاد ويبقى معانا قرش يستروا نفسهم بيه، بس اتفقنا إن أي تحدي يضرنا سواء أنا أو ليلى هنوقف اللعبة على طول. اتفقنا هنعمل تحدي كل يوم، وهما كده كده تحديات قليلة هناخد عليهم مليون جنيه

طلعت اللعبة بسرعة وبدأت أقرأ التحديات، أنا حاسس إني قربت من الإجابة اللي كنت دايما بشك فيها.

الخطوة الأولى:

نطفي الأنوار كلها في البيت ونردد تمتمات من الكتاب اللي جه مع اللعبة لحد ما الحجرة في اللعبة تتحرك تلقائيا.

كانت الخطوة الأولى سهلة بالنسبالنا، بس كان فيه حاجة غريبة، ليه نطفي والتمتمات الغريبة اللي احنا مش فاهمين منها حاجة بس مكتوبة قدامنا في كتاب الطلاسم بدأنا نحس إنه استحضار جن.

أنا مش فاهم أصلا إزاي بابا وماما وافقوا على حاجة زي دي، كل ده عشان الفلوس؟ معتقدش أنا وفريدة كنا هنوافق على حاجة زي دي لو كانوا قالولنا.

الخطوة التانية:

عايزين خصلة شعر ونقطة دم من بنت، نحطها وسط شمع ونقرأ عليها من الكتب اللي مع اللعبة بردو، كتب طلاسم واستحضار جن بس أكيد مكنتش فيها خطورة على فريدة ما هي البنت الوحيدة اللي جمبنا دلوقتي فأكيد هناخد خصلة شعر ونقطة دم منها

روحنا بسرعة نقوم فريدة من النوم، واتحججنا بأي حاجة نقطة دم عشان تحاليل وخصلة شعر عشان مامتها محتاجاها أو أي حِجة المهم إن إحنا نعملها في أسرع وقت. عملنا بالضبط اللي اتقالنا عليه.

الخطوة التالتة والأخيرة:

نجيب نفس البنت ونعلقها على الحيطة، نملى الحيطان بأرقام وحروف غريبة. التحدي كان غريب، احنا مش مطمنين، بس مكناش واعيين إحنا بنعمل ايه كنا عايزين الفلوس وخلاص، أكيد أسوأ حاجة ممكن نتوقعها إن فريدة يغمى عليها.

علقنا فريدة على الحيطة زي ما مكتوبلنا بالضبط، كل ده وأنا مكنتش حاسس بنظرتها ليا، واللي كلها حزن واستغراب، بس أنا كنت مطمنها، ليلى مقدرتش تكمل ولا تشوف فريدة في الموقف ده، طلعت بره بعد ما خلصنا كتابة الأرقام والحروف على الحيطة. بدأت أقرأ الطلاسم عليها، جسمها بدأ يتحرق الحيطان بتشتعل أنا بعرق ومش قادر أوقف، ليلى بتحاول تفتح الباب بس مفيش فايدة، الباب مقفول وأنا مش عارف أوقف قراية وجسم فريدة والأوضة بتولع.

محستش بنفسي غير وأنا مغمى عليا في الأرض وجسم فريدة تحول لرماد، الحيطان لسه الأرقام والحروف موجودة عليها، تليفوني بيرن «حولتلك المليون جنيه على حسابك في البنك، واه صحيح، شكرا على روح فريدة لبنتي»

إزاي انخدعت كل ده، إزاي هقول لليلى وعمر الخبر ده، أنا موت بنتي بأيدي عشان الفلوس، اللي ملحقتش تستمتع بيها. طلعت ليلى وأنا كلي أسف وحزن، بس هي كمان كان مغمى عليها ولما صحيت ماكنتش قادرة تستحمل الصدمة، بس كان المفروض نخبي على الموضوع ونتصرف، وإزاي هنقول لعمر، إزاي هنواجهه وهو متعلق بفريدة، حاجة زي دي ممكن تموتوا وإحنا مش مستعدين نخسر عيالنا الاتنين ورا بعض، فعشان كده اتفقنا منقولهوش الحقيقة ونقولو إنها ماتت في حادثة.

أنا مش قادر أصدق، بس دلوقتي عرفت إزاي فريدة ماتت، مصعبتش عليهم نظراتها، إحنا مكناش عايزين فلوس، أنا مصدوم إزاي قدروا يخبوا سنة وعايشين ولا كأن حاجة حصلت ولا كأنهم موتوا بنتهم.

كان فيه صفحة فاضلة لسة مقرأتهاش.

عمر، أنا عارف إن هيجي يوم وهتقرأ المذكرات وتكتشف الحقيقة اللي إحنا مش هنقدر نواجهك بيها، دا شيك الفلوس اللي كنا هنأمن بيهم مستقبلكم، ابدأ حياتك من أول وجديد بعيد عن لعنة البيت ده

أنا فعلا قررت أسيب البيت وابدأ حياتي من أول وجديد، وخدت اللعبة ومذكرات بابا وكل حاجة كانت متعلقة بفريدة، وهدفنهم جمبها، وقررت ابتدي من أول وجديد.

بعد يومين، صحيت على رقم تليفون غريب بيقولي إن شقتنا اتحرقت بالكامل وبابا وماما كانوا جوا. مش متضايق ولا فرحان، دي النهاية المتوقعة اللي كانوا يستحقوها أو اللي كانوا هما كمان متوقعينها. اتدفنوا جمب فريدة وهما التلاتة بقو في الآخر مجرد رماد. اللي حصلي ده كان لازم اتشافى منه ببداية جديدة تمامًا.

مذكرات عمر

تاريخ  15 مايو 2017:

النهاردة عيد ميلاد فريدة- بنتي- السابع، أعتقد ده أنسب وقت ممكن أرجع بيه روح فريدة أختي، اللحظة اللي استنيت عشانها 8 سنين، فريدة كانت وحشاني جدًا وأكيد أنا كمان وحشتها، كنت بحس بيها في كل مكان وفي كل وقت وفي كل خطوة أخدها، بس النهاردة أخيرًا هي هترجع للحياة معايا.


اقرأ أيضا:

شبح شيبيتا المظلومة

قصة ابن الأرض

زر الذهاب إلى الأعلى