سينما

فيلم أوديسة الفضاء و إنسان نيتشة المتفوق

بقلم محمد جمال

فيلم أوديسة الفضاء و إنسان نيتشة المتفوق
فيلم أوديسة الفضاء و إنسان نيتشة المتفوق خلال القرن التاسع عشر، خرج علينا أحد أهم فلاسفة التاريخ ليعلن أيدلوجية وفكرا جديدا، خرج نيتشة من رحم ألمانيا ليقدم لنا نظرته للعالم، وللأخلاق و الأديان وأخيرا رؤيته لمفهومه عن الإنسان المتفوق، الإنسان الذي سيخرج في يوم ما من رحم الإنسان الحديث ليمثل  تفوقه علي نفسه أخلاقيا و جسديا و روحيا، بل سيتفوق كذلك علي مفهوم الإله ليكون في النهاية إله نفسه.

وفي عام 1968 أخرج لنا المخرج العظيم ستانلي كوبريك فيلمه التاريخي أوديسة الفضاء أو 2001: A Space Odyssey ليتبنى الفيلم أفكار نيتشة حول الإنسان المفوق ويقدم لنا مناقشة فريدة لتلك الأفكار، وليس ذلك فقط بل يقدم لنا أيضا معضلة جديدة حول فكرة الإنسان المتفوق.

ففي الفيلم يتبنى كوبريك النظرة التطورية النيتشوية حيث يسرد لنا كيف كانت البشرية مجرد قرود قبل أن تصبح إنسانية، ويقدم لنا كذلك رؤية نيتشة للإنسان حيث كان يراه الكائن الوسيط بين القرد و الإنسان المتفوق، ولكن نيتشة كان يرى أن التطور و بالأخص تطور الإنسانية ومراحلها حتي تصل للإنسان المتفوق والذي يمثل الهدف الأسمى في عيون نيتشة، يحدث عن طريق قوة العزيمة و الإرادة، وفي النهاية التطور عند نيتشة يمثل فلسفة القوة الخاصة بها حيث يجب علي القوى أن يمتلك الإرادة للتفوق علي نفسه كي يمثل سلما لتطور نسله حتي يصل في النهاية للإنسان المتفوق.

ولكن كوبريك في الفيلم قدم رؤية مغايرة، كانت تمثل رؤيته هو حيث صدر الفيلم في عز الصراع الأمريكي السوفييتي حول استكشاف الفضاء، وبالتالي كان الفضاء يمثل حلما وهاجسا بشرية أثر في كوبريك فرأي أن التطور و الوصول للإنسان المتفوق هو عن طريق فضوله و قوة عزيمته ورغبته الشديدة لاستكشاف حدود الفضاء، وهكذا رأينا كيف تطورت القرود إلي بشر في الفيلم حيث أنهم تطوروا بعدما تفاعلوا مع الجسم الفضائي المستطيل الأسود و المسمى بالMonolith والذي يمثل دفعة القوي العليا للبشرية حتي تصل للمرحلة الجديدة من التطور، بل و كذلك تمثل فضول البشر وعزيمتهم علي الاستكشاف.

مع سير أحداث الفيلم وتوالي المشاهد، يقدم لنا كوبريك و الكاتب أرثر كلارك مناقشة أخرى لمفهوم الإنسان المتفوق، حيث يتم إرسال بعثة فضائية إلي لاستكشاف الإشارات الغريبة المنبعثة من الجسم الأسود المجهول، مع رائدي فضاء فقط وحاسوب مركزي يسمي هال، وهنا تبدأ الفكرة الجديدة التي يقدمها كوبريك أمامنا بسؤال

” هل من المحتمل أن يكون الإنسان المتفوق الذي قصده نيتشة هو الآلة والتي خرجت من صنع يد البشر ورحم أفكارهم ؟”

وكانت هذه المناقشة تتم عن طريق الصراع الإنساني الآلي بين هال و رائد الفضاء دايفيد بومان، وفي خضم الأحداث والصراع بينهم نري هال بعدما أدرك خطأه ينكره ويظهر مشاعر كبر وغرور بشرية، بل ويرتكب خطيئة القتل البشرية ويقتل أحد رائدي الفضاء، وهنا يخبرنا كوبريك بأنه من المستحيل للآله أن تمثل الإنسان المتفوق الذي قصده نيتشة، فهي في النهاية ناقصة ولا تعكس سوي نقص و عجز صانعيها من البشر، ولا تمثل تفوقهم بأي شكل.

مما يتركنا في النهاية أمام القوي الكونية التي تدفع البشر للتطور، حيث يصل دايفيد إلي وجهته، في فجوة بين نسيج الزمان و المكان، وهناك لا يري غير نفسه تصل لأقصي العمر ويدركها الموت، فتموت نفسه البشرية الأخيرة أمام عينيه، ونري في المشهد النهائي في الفيلم كيف عكس كوبريك رؤيته للإنسان المتفوق، حيث يعود دايفيد إلي الأرض في شكله المتفوق الإلهي، وهكذا يخبرنا كوبريك كيف أن الإنسان لا يمكنه وحده الوصول لتلك المرحلة من التفوق السماوي إلا عن طريق دفعة كونية له، ولكن المحرك الأساسي لذلك التطور هو برغبة الإنسان العميقة لاستكشاف حدود الكون.

في النهاية بلا شك كان فيلم أوديسة الفضاء أحد أهم المحطات التاريخية في تاريخ صناعة أفلام الخيال العلمي، وكذلك من أهم المناقشات المرئية لفلسفة نيتشة، مما يتركنا أمام عمل مهما مر عليه الزمن لا يزال يحطم كل التفسيرات و التوقعات الممكنة لما يعينه حقا.

اقرأ أيضاً

لماذا توقف قرَّاء الفانتازيا العرب عند تولكين ؟

عزيزي المنتج.. أبشر

زر الذهاب إلى الأعلى