سينماطلاسم

فيلم “الشيء” وما يمثله من الوحشية النقية

بقلم: محمد جمال

فيلم "الشيء" وما يمثله من الوحشية النقية
فيلم “الشيء” وما يمثله من الوحشية النقية ، مجموعة من الرجال، مكدسون في منشأة بحثية صغيرة، تقع في غياهب سهول أنتارتيكا المتجمدة، يقضون جزءا من حياتهم الآمنة وسط الأبحاث، و التعاملات المسالمة بين الزملاء.

ولكن تخفي السهول والجبال المتجمدة حولهم شرا خفيا، لا يدركه الرجال إلا حين يحاول يقوم بزيارتهم باحثين نرويجيين من منشأة بحثية قريبة، يحاولان بيأس قتل كلب هارب.

وفجأة يجد رجالنا أنفسهم أمام شر مخيف، شر قادم من وراء النجوم، رعب يمتلك القدرة علي أكل كل أشكال الحياة ومحاكتها وتقليدها، بل وسرقة وعيها و أفكارها و ذكرياتها كذلك.

وهنا يدركون جميعا أنهم لا يدرون أيهم من بداخله هذا الشر، أيهم هو الشيء، لا يستطيعون الثقة ببعضهم البعض، بل حتي فقدوا الثقة بأنفسهم.

فيلم “الشيء” :

كانت هذه المفارقة التي قرر المخرج العبقري جون كاربنتر أن يلقي بالمشاهد في وسطا من خلال فيلمه العظيم The Thing أو الشيء الذي صدر عام 1982.

فيلم الشيء 1982 في الحقيقة هو إعادة إنتاج لفيلم ” الشيء من عالم أخر” الصادر عام 1951 و الذي كان تبنيا سينمائيا لرواية جون دبليو كامبل القصيرة ” من يذهب هناك؟”.

و بالرغم أن ” فيلم الشيء” 1982 قد صدره له فيلم يحكي ما قبله عام 2011 تحت نفس الاسم ” الشيء” إلا أن فليم جون كاربنتر في رأيي كان الأفضل من بين الأفلام الثلاثة.

فبغض النظر عن كون فيلم جون كاربنتر كان الأكثر إخلاصا للرواية الأصلية إلا أنه استطاع وصف الرعب و الخوف والبشاعة التي يتصف بها الشيء المرعب، والذي ربما لم يستطع المؤلف جون دبليو كامبل الإبداع فيها بسبب بعض المعوقات التي واجهت تصنيف عمله.

 

ما يعبر عنه فيلم “الشيء” :

و في الحقيقة. حينما نتحدث عن فيلم”الشيء” يجب أن نتحدث عن موهبة الوحش أو الشيء في الفيلم علي تصدير أحد اهم الأسئلة الفلسفية لعقل المشاهد.

فبسبب قدرة الوحش علي تقليد ومحاكاة الأشخاص بوعيهم وذكرياتهم وشخصياتهم، وضع المشاهد أمام سؤال حير الفلاسفة لقرون و هي ” مشكلة العقول الأخرى” وكيف تتأكد أن الأشخاص الآخرين هم حقا أنفسهم .

كيف تستطيع التمييز بين صديقك علي سبيل المثال وبين رجل آلي إذا امتلكوا نفس الصفات الشكلية، والنفسية، والشخصية، والذكريات.

في الواقع..أكثر ما يميز فيلم “الشيء” هو ارتكازه علي فلسفة الرعب فيما يكمن خلف وجه الصديق، فمثلا أنت لا تدري ما يكنه لك جارك خلف وجه السعيد المبتسم الذي يقابلك به كل يوم.

ولا تدري ما الذي يكمن في نفس زوجتك خلف نظرات حبها اليومية، ولا تدرك ما يدور في خلد صديق عمرك بين كلماته التي تعبر عن مدي قوة صداقتهم.

مشاعر الخوف من البشر، والخوف مما يدور خلف وجوه الناس..هي أهم المشاعر التي يناقشها فيلم “الشيء” ..

 

وحشية ” الشيء” :

“الشيء” أو الوحش في حد ذاته مخلوق متحول، لا يمتلك هوية، ولا شكلا، فقط يحاكي ضحاياه، وشكله هو شكلهم، وهويته هي هويتهم، ولكن تقوده رغبة مظلمة للقتل و الإبادة و السيطرة.

قد يمتلك “الشيء” أطرافا متحولة، أو مجسات طويلة، أو أطراف عنكبوت ضخمة، فهو بلا شكل، وهو مجرد أسير لشكل مضيفه؛ لإنه يمثل الشر الخالص بداخله في الواقع ليس ذلك فقط بل يمثل أيضا الوحشية الخالصة النقية داخل كل البشر.

لذا يمكننا القول أن فيلم “الشيء” يمكن أن يكون هو فيلم الرعب الذي مثل الوحشية والخوف في أنقي صورها.

الخوف من داخل الصادر من بين جفون البشر، ومن أسفل ثنايا جلودهم، الرعب البشري الأول..المجهور داخل أنفسنا.

اقرأ أيضاً

هل يمكن فعلًا منع الفن؟

فيلم “المنارة” بين الآلهة والبشر

زر الذهاب إلى الأعلى