قاتلة الكاكاو الساخن
اسكتلندا.. ١٨٥٧
الدنيا كانِت زحمة جدًا، المُحاكمة النهاردة شدَّت ناس كتير جدًا إنهم يحضروها، خصوصًا مع غموض القضية وعدم وجود أدلة كافية، النهاردة جلسة النُطق بالحُكم، عشان كدا هيئة المُحلَّفين لازِم توصَل لقرار.
القاعة كُلها سكتت لمَّا القاضي دخل، الكُل وقف احترامًا ليه، قعد على المنصَّة، وشاوِر لهم يقعدوا، ودا اللي حَصَل، في ثواني كُله كان قاعِد وساكِت، شاوِر للمُحامي العام عشان يتكلِّم، وبصوت قوي.. المحامي العام قال: ” مادلين سميث كانِت مخطوبة لراجل غني، وكان ليها عشيق سري، بس الأهم.. إن كان عندها وصفة خاصة للكاكاو المسموم ”
أنظار الكُل بدأت تتوجِّه ناحية مادلين، اللي كان باين عليها جدًا إنها مُنهارة جوا القفص، صرخِت وقالِت: ” مقتلتوش.. لازِم تصدَّقوني.. مقتلتوش! ”
القاضي شاوِر ليها عشان تسكُت، قبل ما يشاوِر لمحامي المجني عليه ويسأله: ” مُحامي المجني عليه.. عندك حاجة عايز تقولها؟ ”
قاله: ” آه لو سمحت لي يا فندم ”
القاضي سَمَح له بالكلام وهو بيقولُّه: ” إتفضَّل ”
المُحامي بدأ يتحرَّك لحَد ما وقف في نُص القاعة، وبصوت عالي قال: ” المجني عليه، السيد إيميل لانجيلير، كان بيعيش قصة حُب، ومش أنا اللي بقول.. هو اللي قال، هو اللي قال إنه كان بيقابِل مادلين سميث في السر لشهور طويلة، كان عارِف كُل حاجة عنها، كان عارِف إنها شابة جميلة من عيلة غنية من عائلات جلاسكو، كان عارِف كمان إن والدها كان معارِض العلاقة اللي بينهم، خصوصًا مع الفرق اللي بين العيلتين، لكن مادلين.. قرَّرت تتحدى الدنيا كُلها وتتمسِّك بحُبه، ولو مش مصدَّقين اللي بقوله، مادلين أدامكم أهي.. تقدروا تسألوها! ”
كُل اللي في القاعة بصوا ناحية مادلين، القاضي سألها: ” الكلام اللي بيقوله المُحامي دا صحيح؟ ”
من بين دموعها قالت: ” صحيح، كُل اللي قاله صح ”
مُحامي المجني عليه سأل القاضي: ” تسمح لي يا فندم أسألها كام سؤال؟ ”
القاضي قال له: ” مفيش ما يمنَع.. إتفضَّل ”
المُحامي قرَّب من القفص وسألها: ” كُنتِ متعوِّدة تتقابلي إنتِ وإيميل بشكل يومي، صح؟ ”
هزَّت راسها بالموافقة، بس مكانِتش قادرة تتكلِّم، المُحامي سألها تاني: ” فين؟ كُنتم بتتقابلوا فين؟ ”
مسحت دموعها وقالت بصوت بيترعش: ” في بيت صديق مُشترك لينا، كان بيسمح لنا نتقابِل هناك لو البيت فاضي ”
المُحامي سألها: ” ولو البيت مش فاضي؟ ”
قالت: ” كان بييجي يزورني في البيت، تحديدًا كان بييجي من شباك أوضتي بعد ما بابا وماما يناموا ”
المُحامي طلَّع ظرف من وسط ورق القضية، شاور بيه لمادلين وهو بيسألها: ” دا خطِّك.. صح؟ ”
هزَّت راسها وهي بتقاوم دموعها وقالِت: ” آه.. كُنا متعودين نبعت لبعض جوابات حُب لو مش قادرين نتقابِل ”
المُحامي ابتسم، كان عارِف إنه بيشد مادلين للفخ بتاعه من غير ما هي تاخُد بالها، سألها: ” والجوابات دي كانِت سبب خلاف كبير ما بينكم.. صح؟ يا ريت تحكي لنا بالتفصيل من فضلِك ”
مسحت دموعها تاني وبدأت تحكي: ” عيلتي كان عندهم خطط تانية، كانوا شايفين إني لازِم أتجوِّز حد من مستوانا، عشان كدا ارتبطت – غصب عني – بواحد اسمه ويليام هاربر، واحد من نفس الدايرة الاجتماعية بتاعتنا، ساعتها كان لازِم علاقتي أنا وإيميل تُقف احترامًا لويليام، حتى لو مش بحبه، لمَّا طلبت من إيميل يحرق الجوابات القديمة.. رفض، وهدِّدني إني لو مهربتش معاه، هيبعت الجوابات لبابا ولويليام، وهيبوَّظ لي حياتي كُلها ويوصم عيلتي بالعار ”
سكتت شوية، كان باين عليها إنها مش قادرة تكمِّل، وهو دا اللي المُحامي كان عايزه، عشان كدا قرَّر يضغط عليها أكتر، سألها بتحدي: ” فقرَّرتي تقتليه؟ ”
بان عليها الغضب وهي بتصرخ: ” مقتلتوش.. لازِم تصدَّقوني.. مقتلتوش! ”
ابتسم وهو بيبعد عن القفص، بص للناس وقال: ” اسمحوا لي أنا أكمِّل من هنا، عشان زي ما إنتم شايفين.. حالتها عاملة إزاي، اللي حَصَل يا حضرات إن مُستقبَل مادلين بدأ ينهار، إيميل كان بيحبَّها، ومُتمسِّك بيها، بدأ يتكلِّم مع الناس، يحكي لهم عن قصة الحُب اللي عاشها معاها، قال للكُل على تفاصيل خاصة كتير، لكن أهم تفصيلة كانِت.. إنه في كُل مرة كان بيزورها من شبّاك بيتها، كانِت بتعمل له كوباية كاكاو سُخنة ”
القاضي حس إنه بيماطِل، قاله بصرامة: ” مُمكِن تدخُل في الموضوع على طول؟ ”
ابتسم وهو بيقول: ” هل تسمح لي هيئة المحكمة باستدعاء شاهد؟ ”
القاضي قال: ” مفيش ما يمنع، إتفضَّل ”
المُحامي قال بصوت عالي: ” أطلب استدعاء الشاهدة الأولى.. صاحبة البيت اللي كان ساكِن فيه إيميل ”
إتقدمت لأدام ووقفت أدام القاضي، كان باين عليها الارتباك، بس دا كان طبيعي جدًا بالنسبة لواحدة بتلاقي نفسها في قاعة محكمة لأول مرة في حياتها، المُحامي سألها: ” مُمكِن تحكي لينا إيه اللي حَصَل؟ ”
وشها احمر شوية قبل ما تقول: ” في ليلة من الليالي.. إيميل رجع من برا وكان باين عليه إنه تعبان أوي، ساعدته يدخُل بيته ونيمته في سريره، تاني يوم.. جه يشرب معايا الشاي عشان يشكرني على اللي عملته معاه، وساعتها قال حاجة غريبة جدًا، قالي أنه هيفضل يحب مادلين حتى لو سممته، حالته كانت بتتدهوَّر كُل ليلة أكتر من الأول لحَد ما مات ”
المُحامي شكرها، واستدعى الشاهِد التاني، دكتور الطب الشرعي اللي شرَّح جُثة إيميل بعد ما مات، وطلب منه يحكي اللي حَصَل، الدكتور قال: ” تشريح الجُثة أثبت إن سبب الموت هو التسمُّم، لقينا كميات كبيرة من الزرنيخ جوا معدته، وكمان كان فيه سائل لونه بني طلع شوكولاتة ”
المُحامي ابتسم بعد ما أثبت وجهة نظره، قال للقاضي: ” أنا كدا خلَّصت حضرتك.. شكرًا ”
مادلين كانت في وضع صعب، مفيش أي شهود على صحة كلامها، مفيش غير كلمتها اللي قصاد كلمة راجل ميت، لكنها كانِت فعلًا مُصمِّمة إنه فعلًا ابتزَّها لكنها مقتلتوش.
هيئة المُحلفين اجتمعوا سوا، ووصلوا لحُكم مُهِم: ” غير مُثبَت ”
ودا حُكم معناه إنهم شايفين إنها مُذنبة، بس مفيش عليها دليل واحِد، وبالتالي.. أفرجوا عنها!
بعد شوية غيَّرِت مادلين كُل بياناتها بعلم المحكمة والبوليس، هربت من المكان وعاشِت حياة تانية تحت اسم مُختلِف، بس سابِت وراها لغز جدير يكون معانا في حقل ألغاز!
مين قتل إيميل؟ وهل فعلًا لها يد في القتل دا؟
رائعة