يعبر شاب نحيل المدخل الضيق للقهوة البلدي ، حاملاً ساندوتشات الكبدة التي أوشك زيتها على الخروج من الشنطة البلاستيكية بعد أن نجح في عبور الورق الرديء المحاط به .
بحث بعينه عن مكان تشمله مروحة ما في منطقة نفوذها ، استقر في منضدة أسفلها وهو يدعو عامل القهوة – الذي يضع له كوب الماء الساقع – بدون أي نية حقيقية للمشاركة.
تأمل بعيون جائعة محتويات وجبته من قطع الليمون التي لا تصلح للعصر على الكبدة أو حتى للأكل بمفردها وتسائل بسخرية عن كونه ليمون معاد التصنيع، أعاد قطع المخلل بعد أن أوشك شكلها على تغيير رغبته في الأكل نهائيا ثم أخرج الساندوتش الأول وحددت عيناه الهدف لمخه الذي بدأ في لعب دور القائد وتوجيه عملية الالتهام..لكنها لم تكن العيون الوحيدة المراقبة له!
نقترب من صاحب العيون المحدقة ولنسترق السمع قليلا
– الحمد لله، ظننت أن هذه اللحظة ستتأخر كثيرا، علي أن انتظر حتى يستقر في مكان ثم أقوم بخطواتي المجربة جيدا المتوارثة عبر الأجيال والتي ضمنت لنا نوعا من البقاء..من أنا؟ ، لدي اسم يعرفني به أبناء عشيرتي لكني أظن أنكم أسميتوني اسم آخر تحيونني به دائما عندما نتشارك الطعام سويا ، اسمي بلغتكم “هششش”.
-ينظر لي بنظرة لا أفهم مغزاها، لكني أظن أنها المعادل ل “أتفضل” الذي يصيح بها كلما مر به أحد، هيا يا صديقي أني أتضور جوعا..لكني سأقف أمامه بمنتهى الذوق و الهدوء كأي ضيف مؤدب ينتظر كرم مضيفه…ولأني كائن ذكي سأتعامل معه بلغته ، فأخذت انظر لعيناه واخبره بكل ما أريد.
-الوقت يمر والطعام يقل وجوعي فقط يزداد، لعله لا يراني بوضوح أو أنه ليس بمثل براعتي في حوار النظرات، فلا جرب طريقة أخرى لم اقل لك أني متعدد المواهب، وحتى أتجنب حدوث أخطاء أخرى أخدت موضع أقرب لنظره ،أمامه مباشرة على المنضدة وأخبرته بنبرة واضحة – تنجح في كل مرة – اعذرني يا صديقي فأنا جائع جدا وكما ترى حجمي ضئيل ولقمة صغيرة قد تشبعني ولن تضرك في شيء”
–نياو نياااااو نياااااووووو
” نظر الشاب لذالك القط المزعج، حاول تجاهله في البداية لكن كيف ينجح في ذلك بعد أن تجرأ وقفز بالقرب من المتبقي من الساندوتشات وهو يصدر مواء مزعج ، فكر في إكمال محاولة التجاهل خاصة أن المتبقي منهم قليل وسينصرف القط بالتأكيد بعد انتهائهم.انتبهت عيناه وهي ترتفع مع مضغات أسنانه المتعجلة لنظرة رجل يجلس قريبا..كانت نظرة لكنها تستنكر قسوة قلبه وكأنها تصرخ فيه: اعطه لقمة يا منعدم المشاعر كيف تستطيع أن تستلذ بطعامك وذالك المسكين البائس يتألم من جوعه! ”
“لا يصح أن يظن مرتادي القهوة أني بدون مشاعر خاصة أني اجلس هنا يوميا..هكذا فكر الشاب, فانتقى بأصابعه -وهو يحرص على عدم تلويثهم – قطعة صغيرة من الكبد وهم أن يرميها للضيف الثقيل وهو شاعرا بنشوة العطاء و لولا كبر سنه لسمعناه يغني الآن لنفسه ” شاطر شاطر ” …لكن لحظة , أين القط؟؟ لم ينتبه إلى توقف مؤاه المزعج وتحرر المنضدة منه منذ بداية الأغنية”
-فلنكن أكثر وضوحا هذه المرة ، قالها ” هششش” وهو يقف أمام شاب آخر يفض الغلاف الفاخر جيد الصنع لساندوتش الشاورما الذي عبقت رائحته الشهية أنفه، جالسا بمنتهى الذوق والهدوء ينظر لعيناه ويخبره بكل ما يريد.