سينما

كريستوفر نولان .. المخرج الذي أحرق الطيارة

بقلم عبدالرحمن جاويش

كريستوفر نولان .. المخرج الذي أحرق الطيارة
بخطواتٍ كبيرة يفرق كريستوفر نولان عن أبناء جيله من المخرجين، كونه يبحث عن الصعب دائمًا، لا يترك تفصيله في عمله إلا ويوفيها حقها بحثًا، بدايةً من الحبكة الرئيسية مرورًا ببناء الشخصيات حتى الثانوي منها، وإن كانت الحبكة علمية فإنه يعود للمختصين ليخرج بعملٍ محكوم، هذا ليس رأي في عمل كريستوفر نولان، بل تذكير بإنجازات مخرج حصد من الجوائز أكثر مما حصد معظم زملاء مهنته.

عبقرية نولان التي جعلت الجمهور العام يبحث في النسبية ويحاول فهمها، وهي عبقرية تبلغ حد الجنون، ولعل أحدث ما يؤكد صفة الجنون على هذا المخرج، الذي يشارك بجزء من إنتاج أفلامه (تذكر هذه المعلومة جيدًا، سنحتاجها بعد لحظات) هو تصويره الفيلم في سبع دول مختلفة، وكذلك رغبته في تنفيذ مشهد في فيلمه الجديد Tenet، والمشهد عبارة عن طائرة تحترق كليًا.. وقد قرر نولان الذي يشارك في إنتاج أعماله (تذكر هذه المعلومة جيدًا، ستحتاجها الآن) أن يصور هذا المشهد بحرق طائرة حقيقية تم شراؤها خصيصًا لغرض التصوير فقط.. لمجرد أنه لا يفضل الخدع السينمائية والجرافيكس، ليصبح Tenet هو ثاني أعلى الأفلام من حيث الميزانية..

تروي أحداث فيلم Tenet جزءًا من عالم الجاسوسية الدولية؛ في إطار خاص بالسفر عبر الزمن، ويقال أنه سيكون فيلم ملحمي ينتمي لنوعية “الحركة” و”التشويق”،  وقد وصفه صُناعه الذين تكتموا على تفاصيله حتى الآن بأنه أكثر الأفلام جنونًا التي سيراها المشاهدون.. وأن مدته ستعادل مدة ثلاثة أفلام!

بالطبع ثيمات التلاعب بالزمن والتشويق ليست مستحدثة على نولان الذي اعتمد عليها في أكثر من فيلم، وكذلك مصطلح “فيلم جنوني” ليس جديدًا عليه، وهو ما سنستعرضه في بعض أعماله السابقة التي لو عُرضت على أي مخرج غير كريستوفر لتناولها بشكلٍ مختلف، بالتأكيد لن يبهر الجمهور مثلما حدث مع نولان..

(1)

Memento 2000

حلت النوبة الأولى من عبقرية كريستوفر نولان، أو جنونه إن صح التعبير في هذا الفيلم الذي عرضت مشاهده من النهاية للبداية؛ فتبدأ الأحداث مع المشهد الأخير يليه المشهد قبل الأخير، وهكذا حتى نصل للمشهد الأول.. يروي الفيلم قصة “ليوناردو” محقق الجرائم الذي تعرض لحادث فقد على إثره زوجته، وتعرض لضربة شديدة على رأسه جعلته مصابًا بمرض فقدان الذاكرة المؤقت، ليدخل في رحلة للتغلب على مرضه الذي يعيد ذاكرته لنقطة الحادث، ورحلة أصعب في البحث عن قاتل زوجته.. وقد اعتمد على ذكائه في هذا الأمر وبعض الإرشادات التي رسمها على جسده لتساعده على تذكر ما مر به بعد الحادث والوصول لمرتكب الجريمة..

وبالرغم من أن هذا العمل ليس أولى أعمال كريستوفر، إلا أنه كان عقد الثقة الذي عقده مع المشاهدين، والذين تفاعلوا مع القصة وتقبلوها، فتجاوز المشاهد الجانب الصعب من الحكاية والذي قد تظنه معقدًا للوهلة الأولى، لكن نولان جعله سهلًا.

(2)

The Prestige 2006

تمر ستة أعوام على التعارف الحقيقي بين كريستوفر نولان ومشاهديه، ليعود بصحبة إثنين من نجوم هوليوود وهما “هيو جاكمان” و”كريستيان بال” في قصة غريبة؛ حيث روبرت وألفريد الساحران اللذان تزاملا لفترة طويلة، حتى تحولا لأعداء متنافسين، وقد سيطر هوس المنافسة على كليهما، وأصبح هدف كل منهما الوصول للعظمة فوق أكتاف الآخر.. ليخوض كل منهما رحلة صعبة وشاقة في الوصول لخدع سحرية أفضل من منافسه..

الفيلم يتناول حبكة رومانسية عن “مثلث الحب” وعن الخدع السحرية وعن الصداقة، وعما قد يفعله الهوس في صاحبه، لينتهي في النهاية –كعادة نولان- بنهاية غير متوقعة على الإطلاق.

(3)

سلسلة Batman

أما عن المحطة الأهم في مسيرة كريستوفر فبدأت قبل The prestigeبعام، واستمرت بعده لسنوات، وهي ثلاثية باتمان التي أخرجها نولان بوجهة نظر مختلفة عن الأفلام السابقة؛ التي تروي نفس القصة عن “بروس واين” الشاب الذي ورث ثروة طائلة ومجموعة شركات عن والده، كما ترك له الوالد ثأرًا يجب أن يأخذه بروس ممن قتل أباه أمام عينه حين كان طفلًا، الأمر الذي جعله يخرج في رحلة شاقة لينمي قدراته الذهنية والجسدية، ويعود لمدينته الأصلية “جوثام” متخذًا من الوطواط شعارًا ودليلًا على وجوده، ليحارب كل ما هو فاسد في هذه المدينة المظلمة.

ولكن نولان راهن على معالجة هذه السلسلة من جديد، وإحيائها من جديد بعد فشل أكثر من عمل تناول نفس الشخصيات من قبل،  واستعان في راهنه على “كريستيان بال” مجددًا، ولكن رهانه الأعظم كان في جعل شخصية الجوكر محبوبة بين الناس على الرغم من شره، وما ساعده على هذا هو تألق الممثل الراحل “هيث ليدجر” في أداء دور الجوكر الشرير الذي اتخذ من “باتمان” ندًا له.. حتى بلغت السلسلة ذروة نجاحها في جزئها الثالث الذي رشح للأوسكار في أكثر من جائزة في أمرٍ نادر الحدوث مع أفلام القصص الهزلية، وحقق الفيلم أكثر من مليار دولار إيرادات.

وآخر عملين – من وجهة نظري- توجا مسيرة نولان سيتشابهان مع Tenet في تيمة السفر عبر الأزمنة، وأولهما Inception الذي يتناول فكرة التلاعب العقلي وزرع الأحلام، في حبكة مميزة ونهاية احتار النقاد في تفسيرها  حتى هذه اللحظة، والثاني هو رائعة Interstellar التي انطلقت من حبكة علمية غاية في الروعة، جعلت العلماء يستخدمون أحداث الفيلم مرجعًا لشرح الكثير من نظريات الفيزياء.. وفي النهاية فإن كريستوفر نولان بالتأكيد هو فرس يمكن الرهان عليه بقلب مرتاح، ويقين من فوزه بهذا الرهان.

اقرأ أيضًا

سمع هوس .. الأفلام الغنائية فى السينما

فيلم أوديسة الفضاء و إنسان نيتشة المتفوق

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى