كلمة السر: عاش يا رامي
لم يعلُ صوت في المجال الرياضي على صوت الكابتن “ممدوح السبيعي” أو “بيج رامي” الذي فاز أخيرًا بجائزة “مستر أولِمبيا” التي ظل يسعى خلفها لسنوات حتى وصل إليها.. ومع وصول “رامي” لمصر ظهرت بعض الأصوات التي تنادي بتأريخ رحلته في عمل وثائقي، أو استغلال جسده المفتول في عملٍ سينمائي على طريقة هوليوود في استثمار شعبية نجوم المصارعة وكمال الأجسام والأبطال الأوليمبيين، صحيح أنهم ليسوا أعظم ممثلي العالم، لكن لديهم من الشعبية والقبول ما يمكن توظيفه مع حبكة جيدة وممثلين مخضرمين للخروج بعمل ناجح، كل هذا عظيم، ولكن..
الحقيقة الأولى في هذا العالم هي الموت، أما الثانية فهي أن السينما والدراما المصرية كانتا الأسوأ في استغلال أبطال الرياضة، ففي الوقت الذي حولت فيه أمريكا “أرنولد شوارزينجر” من بطلٍ رياضي لرمز سينمائي وسياسي ومجتمعي.. وتحول “ديفيد بيكهام” لأيقونة في مجال الموضة، و”داوين جونسون” من مصارع استعراضي لواحد من أغلى نجوم هوليوود.. نشاهد نحن سوء استغلال لأسماء رياضية بارزة مثل “الشحات مبروك” و”كرم جابر” في أعمال شديدة الضعف الدرامي، لا تساعدهم على الظهور، بل وإنها في بعض الأحيان تظهرهم بمظهر لا يليق بإنجازهم الرياضي.
لا أنكر عدم متابعتي للكثير من الأعمال المستقلة، ولكنني تابعت الإشادة بفيلم “عاش يا كابتن” وتأهله للمنافسة على أوسكار أفضل فيلم وثائقي، حاولت الوصول للفيلم كاملًا لكن لم يسعني إلا الحصول على بعض اللقطات والحوارات الصحفية والمقالات النقدية عن الفيلم الذي يروي قصة الفتاة المصرية”زبيبة”، ومدربها الكابتن الراحل “رمضان عبد المعطي، ورصد رحلة تبدأ من التدرب في ساحة بسيطة بالشارع حتى الوصول إلى منصات التتويج الدولية.. كل هذا من خلال رحلة استمرت لأربعة أعوام شهدت صعودًا وهبوطًا.. ويتتبع مسار “زبيبة” وسعيها نحو حلمها في أن تصبح بطلة العالم في رفع الأثقال، كما نتعرف على كابتن “رمضان” الذي يدرب الفتيات على رفع الأثقال في ساحات الإسكندرية.
“عاش يا كابتن” هو الأول من نوعه –حسب معلوماتي- في مصر، وإن كان هذا اللون عالمي وله جمهور ينتظره، أذكر منه الفيلم الأشهر Stand Tall من إنتاج التسعينيات، والذي يتحدث عن عالم كمال الأجسام، وكذلك فيلم Generation iron الذي يستعرض صعوبات الحياة كلاعب كمال أجسام، واتباع جدول صارم من الطعام وساعات النوم والمكملات الغذائية، وكذلك التكلفة المالية والصحية التي يدفعها هؤلاء اللاعبين من أجل الجوائز العالمية.. علاوةً على التنمر الذي يتعرض له بعضهم أحيانًا نتيجة تضخم الكتلة العضلية لديهم.
يظل العنصر المفقود في أفلام الرياضيين عربيًا هو “القصة”.. والقصة لا يجب أن تكون عن رحلة البطل الرياضي أو هزائمه، بل من الممكن أن تكون قصة كوميدية، أو قصة جريمة، ولعل أبرز مثال في هذه الحالة هو الفيلم العالمي Pain and gain، والذي يروي قصة “دانيال لوجو” لاعب كمال الأجسام الذي يسعى لتحقيق حلمه في الوصول للبطولة، لكن حياته تتعقد حين يكوِّن عصابة ممن يشتركون معه في الحلم، ويتورطون جميعًا في سلسلة من جرائم الخطف والابتزاز والقتل والإدمان.
ولكن ما جعل هذا الفيلم مميزًا كونه يستند على أحداث قصة واقعية حدثت في تسعينيات القرن الماضي وتحديدًا في مدينة ميامي، والتي نشرت على عدة مقالات تروي تفاصيل جرائم لاعبي كمال الأجسام لتكوين الثروة السريعة، وسعيهم وراء الحلم الأمريكي.
ولعل إجابة السؤال عن القصة الجيدة لدينا تكمن عند الكاتب المصري “حسن كمال” وروايته “نسيت كلمة السر” الصادرة منذ ثلاثة أعوام تقريبًا، والتي تروي قصة “عمر الخياط” البطل الذي انتهت قصته في أروع فصولها، وهبط سريعًا من قمة المجد الرياضي للإعاقة والانكسار، واسترجاع ذكريات الماضي من خلال منصات التواصل الاجتماعي الوهمية التي لا وجود لها في الحقيقة.
تستعرض الرواية حكاية بطل سابق في رياضة التايكوندو، والذي اعتزل الحياة وانعزل في كرسيه المتحرك أسيرًا بين منشوراته على حساب الفيسبوك.. كل هذا بالتقاطع مع ذكريات الماضي الخاص به ومنافساته السابقة، واستعراض علاقة عمر بأصدقائه ورفاق رحلته.. هذه رواية مليئة بالصراعات الإنسانية واللحظات الدرامية، كذلك اللقطات الرياضية التي تصنع عنصر الترفيه.. كما تحمل رسالة هامة وهي ألا ينقطع عطائك.
في النهاية “رامي السبيعي” هو واحد من مئات الأبطال الرياضيين، و”عاش يا كابتن” هو واحد من عشرات الأفلام المستقلة تنتظر ممثل مهتم ومنتِج شغوف، و”نسيت كلمة السر” هي رواية بين آلاف الروايات المصرية التي يمكن تحويلها لأعمال درامية عظيمة.. أدعي أن هذه الأمثلة هي مجرد عناصر، قد تتحد معًا، أو تتحد مع أمثلة أخرى، ليخرج في النهاية عملًا دراميًا يليق بالرياضة والفن المصريين.
اقرأ أيضًا
عن فيلم حبيب.. مضاف بلا مضاف إليه