كيف تمكنت مدينة إيطالية في القرن السابع عشر من صد الطاعون
دمر الطاعون المدن الكبيرة والبلدات في شمال ووسط إيطاليا في الفترة من 1629-1631م مما أسفر عن مقتل 45 ألف شخص في البندقية وحدها وقتل نصف السكان في فيرونا وبارما، ولكن اللافت للنظر أن هنالك بعد المدن والمجتمعات قد نجت من المرض، فقد تمكنت مدينة فيرارا الإيطالية بشمال إيطاليا من منع وصول المرض إليها عام 1576م بالرغم من تدمير المدن المجاورة فكيف فعلت ؟
تُشير السجلات التاريخية أن الأمر الحاسم في نجاح تلك المدينة في صد الطاعون هو وضع قوانين صحية حاسمة والنظافة الشخصية ومراقبة حدود المدينة .
بداية من وصول كارثة الموت الأسود لإيطاليا 1347م بدأت المدن الإيطالية تدريجيًا في اتخاذ تدابير استباقية للصحة العامة لعزل المرضى، والحجز الصحي وتقييد السفر للمناطق المتضررة، على مدى القرون الثلاث التالية لذلك الوقت انتشر الطاعون في المدن المكتظة بالسكان مما أدى لحدوث تطوير بها لمكافحته ومع ذلك الوضع الصعب قدمت مدينة فيرارا الذي بلغ عدد سكانها 30 ألف نسمة نموذجًا ناجحًا للحد من الانتشار.
مراقبة الحدود والصرف الصحي والنظافة لـصد الطاعون
قام فريق من الباحثين في جامعة فيرارا بالتنقيب في المخطوطات التاريخية المحفوظة للكشف عن النهج الذي اتبعته المدينة لصد المرض، ووجدوا أن النجاح المُبهر جاء من مراقبة الحدود والصرف الصحي ووضع نظام صارم للنظافة الشخصية، كما أنهم استغلوا الخصائص الطبيعية للأعشاب والزيوت وحتى سم العقارب والأفاعي للقضاء على الميكروبات.
فيرارا مدينة لها حدود خلابة تقع على طول فرع نهر بو بمنتصف الطريق بين بولونيا وبادوفا، اللذان تأثرا بشدة من الطاعون عام 1630م ، اهتمت البلدة بنظام الصرف الصحي منذ عام 1425م وإنشاء الطرق المبلطة منذ عام 1375م .
وابتداءً من القرن الخامس بدأت المدن الكبيرة مثل البندقية وفلورنسا بالاتصال المستمر مع المدن الصغيرة مثل فيرارا لتتبع تفشي المرض، وتم استخدام المعلومات المتاحة لتحديد مدى مستوى التهديد تنسيق استجابات الصحة العامة.
في فيرارا تم غلق جميع بوابات المدينة باستثناء اثنين ونشر فرق من النبلاء والأثرياء ومسئولي المدينة والأطباء والصيادلة للتوعية، وأي شخص يخرج من بوابة المدينة يكون معه أوراق وهوية لسهولة تتبعه فيما بعد، ومعرفة المكان الذي يريد التوجه إليه أولًا.
مستشفيات الطاعون خارج أسوار المدينة
كان داخل المدينة نفس المستوى من اليقظة والوعي بالعدوى والمرض، لتحديد الحالات المشتبه فيها ونقلهم إلى مستشفى lazaretti الموجودة خارج أسوار المدينة، وعالجت المستشفيات المماثلة في فلورنسا أكثر من عشرة ألاف حالة، كان الأطباء يعتقدون أن الطاعون ناجم عن الهواء الفاسد والتعفن والنفايات القذرة بالمدن لذلك تم بناء المستشفيات في أماكن نقية الهواء.
في عام 1546م نشر الطبيب الإيطالي جيرولامو فراكاسترو نصًا مؤثرًا عن العدوى فكر عن ما يُسمى بذور المرض غير أنه يمكن أن ينتقل من شخص لشخص أخر فيمكن أن يلتصق بالملابس والأشياء وينتقل من خلالها.
وظهرت حملات الصرف الصحي في مدن مثل فيرارا وتم تطبيق نظرية فراكاسترو وتجريد الشوارع من القمامة والقاذورات، وداخل المنازل كان السكان يستخدمون مجموعة من الأشياء لتطهير الأسطح وحرق الأثاث التالف وحرق الأشياء المتوقع أن تنقل العدوى وتعليق الملابس والمفروشات بالشمس وغمرها بالعطور.
مرهم مضاد لجراثيم الجسم
من أجل النظافة الشخصية لجأ مواطنو المدينة للعلاجات الطبيعية الشائعة الموصوفة للحماية من المرض تم ابتكار زيت طبي يُسمى Composito، تم تخزينه وتوزيعه وقت الطاعون، تم إعداد تلك الوصفة من قبل الطبيب الأسباني Pedro Castagno، وفي الصباح كانوا يشغلون النار وبها الأخشاب المعطرة من العرعر والغار وكانوا يقومون بتدفئة الملابس لقتل الجراثيم وغسل اليدين والوجه بالماء النظيف الممزوج بالخل وغسل الجسم بالإسفنج، في تلك الأثناء قرر الأطباء إضافة السم والمر المعروف بخصائصه المضادة للبكتريا.
وبعد قرون قالوا أن تجربة فيرارا كان هي سر نجاحها وطبقت معظم المدن الإيطالية نفس القواعد والأنظمة في محاربة الطاعون ولكن الاختلاف كان في طريقة ومستوى التطبيق.