طلاسم

لعنة منزل ألبرت

لعنة منزل ألبرت
كانت فكرة رائعة أن ننتقل إلي بلدة صغيرة في الصعيد بعيداً عن صخب المدينة، فقد كان أبي كاتباً كبيراً في مجال الروايه البوليسية.
فبالرغم من كون منزلنا القديم أيضاً كان هادئاً ولكن الزحف العمراني وتحويل المنازل الفخمة المكونة من طابقين لأخرى مكونه من أثني عشر طابق، مما جعل وصول الهواء والشمس شبه مستحيل لمنزلنا، ولذلك قررنا الإنتقال وكان قراراً جماعياً، وكان ينقصنا وجود مكان ملائم وبدأنا البحث في المدن الجديدة وغيرها ولم نشعر بأن أحدهم مُلائماً لنا، ولكن في صباح يوم ما تلقي والدي مكالمة من أحد أقاربنا لأبي، يخبره بأن هناك منزل مكون من طابقين علي أطراف البلدة التي ينحدر منها أبي، منزل كان يمتلكه رجل يدعي (ألبرت) جاء إلي مصر منذ عدة أعوام وقرر أن يستقر بها وعاش وحيداً في ذلك المنزل بعد أن أعده علي أكمل وجه وجاء بخبراء تصميم ومهندسي ديكور، ولكنه توفي منذ عدة أيام، وكان قريب والدي يخبره بضرورة سرعه شراء المنزل من المحامي الخاص ب( ألبرت) لأن هناك نزاع علي البيت بين العائلات.

أعرفكم بنفسي.. انا (أمجد ) أبلغ من العمر خمسة وعشرين عام، ولدي أخ وأخت تؤام ( لينا) و(أكرم)، يصغروني في السن بعشرة أعوام، أعتدنا أن نسكن في ڤيلا بالمعادي مع والدي الكاتب ( سمير الغامرى ) ووالدتي (أميرة ) مديرة مدرسة سابقاً، وأنتقلنا حديثاً لمنزل أسطوري علي أطراف مدينة الأقصر.

بعد عدة أيام من إنتقالنا وتفريغ حقائبنا وما إلي ذلك، حان الوقت لإكتشاف القبو والعليه، نعم ..هناك قبو وعليه مثل البيوت الأوروبية، كانت العليه فارغة تماماً وقررت أمي أنها ستكون فارغه حتي نري ما الأستخدام الأمثل لها.
كان القبو ملئ بالاشياء ومعتم تماماً ومن تعب الإنتقال قررنا أن نترك استكشافه لاحقاً، ولكن في الليله الثالثه لنا بالمنزل، بعد أن نام الجميع، لم يتركني فضولي فأحضرت أدوات إصلاح الكهرباء في القبو، وبالفعل أصلحتها ووقفت مندهشاً أمام هذا الكم من التحف والمقتنيات الأثرية التي لم تكن واضحة عندما تفحصناها لأول مرة، تجولت وأنا أتفحص القطع المدهشه التي لابد أن تكون باهظة الثمن، ولربما لا تعلم عنها هيئة الأثار شيئاً، توقفت لحظات أمام خنفساء مصنوعه من الذهب.. فهذا بالتأكيد ذهب، كيف لقطعه مقلدة أن تعكس هذا البريق الأخاذ، لم أتمالك نفسي حتي مددت يدي ورفعتها لأتفحصها جيداً فكانت جميله وبها ألوان كثيرة الأزرق والأخضر والأحمر لتميز ملامح الخنفساء وسط الذهب البراق، وضعتها في جيبي فلا يتعدي طولها الثلاثه أصابع ولكنها ثقيله نوعاً ما، أحسست برعشه تسري في أوصالي، وأحسست بأن هناك من يراقبني ولذلك قررت إيقاف هذه الجوله واستكمالها لاحقاً، وذهبت لغرفتي لأنام ولكن لم يتوقف إحساس المراقبه ولكن غلبني النوم من كثرة الإجهاد في ترتيب المنزل طوال اليوم.
غلبني النوم ..طاردتني أحلام غريبه بها الخنفساء الذهبيه عملاقه ودبت بها الحياة لتقف ويصل طولها لأكثر من مترين وتنظر تجاهي في غضب وتلوح بيدها لينطلق من خلفها أسطول من العناكب الضخمه تجاهي ويسحبوني لحفرة سوداء من شدة عمقها ويسقطوني بها وسط صراخي وعويلي، واستيقظت ساقطاً علي الأرض وأرتطمت رأسي بحافة السرير.
نظرت أول شيء للخنفساء بجوار فراشي وأنا أتسائل هل هي لعنه الفراعنة أم هي مجرد تبعيات الإنتقال لمنزل جديد وتوتر ليس أكثر ..!
وفي الصباح علي المائدة وسط أجواء أسرية كالمعتاد في أسرتنا ولأول مرة يسود الوجوم علي وجوهنا ولم ينطق أياً منا بحرف، يبدو أننا جميعاً واجهنا ليله عصيبة، وكانت تلك هي البداية لأسود أيام حياتنا.
يبدو أن المنزل والأجواء الهادئة مرة أخري كانت ملهمه لأبي للكتابه فكان يمكث بالساعات في الغرفه المطلة علي الشارع التي خصصها أن تكون مكتبه.
بعد أسبوع قررت أن أخبرهم ماذا يوجد بالقبو، فبعد أن أخبرتنا أمي أنها سوف تنزل إليه لتنظفه وتري ما به، أخبرتهم أن هناك أثار ويجب أن نفكر ماذا نفعل بها، أندهشوا جميعاً ولكن كان أندهاشهم أكبر عندما أخبرتهم بأحلامي المفزعة، فقد قالت أمي أنها أيضاً تواجه كوابيس وكذلك لينا وأكرم، ولم يكن أبي حاضراً فقد كان يكتب في غرفته.
وعندما أخبرنا أبي وقررنا أن نذهب سوياً لتفقد محتويات القبو الاثرية، يبدو وأنها لعنة ما ربطتنا سويا بتجمعنا، أصابتنا وخزة في الرأس جميعاً في ذات الوقت، ربما بسبب الرائحه العطنة التي تصدر من أسفلنا، أكملنا تفصح القطع ولكن كان هناك صندوق لم أره عندما أتيت المرة السابقة، صندوق خشبي ذو طراز حديث ليس أثري كباقي القطع، فتحه أبي ليجد به أوراق كثيرة فأخذته للأعلى لنعرف ما به فهو الصندوق الوحيد الذي به اوراق ربما تدلنا علي أصل هذه الأشياء.
كانت الأوراق مكتوبه باللغة الانجليزية وكان معها بعض البرديات الفرعونية، كان محتوي الأوراق العاديه المكتوبه باللغه الانجليزيه بعد الترجمه كالآتي: ” أنا ألبرت فريد، ألماني من أم ألمانية وأب عربي جئت مصر في الستينات وتجولت كثيراً حتي أخترت هذا البيت، وكانت لدي هواية تجميع الآثار، ليس لغرض الإتجار أو أي شيء ولكن لحب إقتناء التراث الفرعوني، وكان يساعدني في تهريب تلك القطع رجل يدعي سعيد من الرجال الذين يتخذون الجبال بيوتاً، لم أعتقد أن هناك ما يسمي لعنه فراعنة ولكن أعتقد أن ما يحدث معي تفسيره الوحيد هو أن تكون لعنه ما مرتبطة بأحدي القطع الأثرية الموجوده لدي.. لقد تركت وصية للمحامي أن لا يتفحص المنزل بعد وفاتي وعدم المساس بأي الاشياء خوفاً من إنتقال اللعنة لأحد وأن يحرق المنزل أو يتركه مهجوراً، ولكن اكتب كلامي هذا في حالة إن سكن أحدهم المنزل فأنا أعلم جشع المحامي الخاص بي وأنه لن يترك فرصة بيعه بسعر عالٍ تضيع من يديه، ولذلك احذروا فهو يأتي ليلاً.. تشعر بنظراته تخترقك ولكن لا تراه، تراه في أحلامك علي هيئة إله الموت عند الفراعنه أو يتخذ شكل من أشكال القطع الموجوده قي القبو، هدفه واحد أن يأخذ روحك للجحيم.. إذا كنت تقرأ كلماتي وأنت بداخل المنزل يجب أن تهرع خارجه ولا تعود ابداً، أكتب كلامتي هذه وانا أهم لمغادرة المنزل بعد أن استنفذت كل المحاولات لإنهاء هذه اللعنه واستعنت بالمشايخ والقساوسة وحتي الدجالين، كلها محاولات لم تثمر، أهررررب””
ساد الوجوم بيننا لما قرأناه، وقال أبي إن تاريخ كتابه الرساله هي قبل يوم واحد من موت ألبرت، وقال أيضاً ربما كان مرتبطاً بشكل مرضي بالمنزل ولذلك قرر أن يترك رساله حمقاء ليخوف بها من يسكن بعده حتي يظل المنزل مهجوراً، ربما كونه وحيداً جعله ينتحر وقد جن بالتأكيد ليترك رساله مثل هذه.
ولكني قاطعت أبي وقلت له مستنكراً ” إذاً لماذا نري جميعا كوابيس غير منطقية، جميعااا حتي حضرتك يا أبي؟”
قال أن هناك ما يسمي الوعي الجمعي وهو عندما قصصت عليهم كوابيسي سلطت الضوء علي تلك الأحلام المزعجة التي أصابتنا بسبب الإنتقال حديثاً وهو شيء طبيعي ومنطقي، كان كلامه علمياً منطقياً ولكن لا أعلم لماذا كان يتصبب عرقاً، كانت تصرفات أبي مريبة وعلي غير طبيعته، ولكن اعتقدت أن السبب هو توفر الهدوء له فقرر أن يستلهم من الأجواء ويبدأ في كتابه الجديد.
انهي أبي اجتماعنا الأسري الصغير بأنه لم يقرأ مثل هذا الهراء من قبل وأن الخواجة ألبرت قرر ان ينتحر ولكن قبل أن ينتحر ترك رساله لترهيب من يقرر أن يسكن بعده، ولذلك لن ننتقل وسنبقي في هذا المنزل الجميل، لم تكن أمي راضيه بهذه النتيجة وكانت تخشي المنزل الأن أكثر فأكثر، أما إخوتي فكانت أعينهم تلمع كمن يعيش مغامرة مثل الأفلام، بالنسبة لي لم أكن أعرف ماذا أشعر بالتحديد، بالفعل نشعر جميعاً بنظرات تتبعنا أينما ذهبنا، صدقني إذا أحسست في يوم بأن هناك نظرات تتبعك فلابد ان يكون هناك كائن يرصدك ويتبعك ولا تعلم نواياه فأحذر.

لم أتعجب كثيراً عندما رأيت أبي واقفاً علي أعتاب غرفه أكرم أخي ويحمل سكيناً، فكل تصرفاته في الفترة الأخيرة تدل أنه ليس بطبيعته، أنا الأن مقتنع تماماً أن كلام ألبرت سليم وأن هناك لعنه ما تحيط بنا ولن نخرج أحياء منها.
وقد تم تأكيد شكوكى عندما بحثنا ذات صباح عن لينا أختي مطولاً حتي وجدناها غارقه في أحدي البحيرات القريبة من منزلنا، كانت .. كانت حادثه مؤلمة أربكت المنزل الذي كان يدعي أنه متماسك، ورفض أبي الصارم للإنتقال وقوله بأن ما يحدث ما هو إلا صدف وأن المنزل لا بأس به وكان قد بدأ في بيع قطع من الأثار وأصبحنا أغنياء ولكنه كان مستمر في الكتابه والإنعزال في مكتبه.
ولكن أثار فضولي كل هذا الوقت الذي يقضيه في مكتبه، تسللت الي مكتبه عندما كان في ميعاد مع أحد تجار الأثار لبيع قطعه أخري، كانت المفاجأة الصاعقه أن كل الأوراق علي مكتبه التي من المتوقع ان يكون بها محتويات كتابه الجديد، كانت مجرد خطوط ورسومات غريبه تشبه كثيراً ما أراه في أحلامي، خنفساء كبيرة ذهبيه، أنوبيس، حفر من نار وظلام، كلام بلغات ميته لا أعتقد أن يعرفها أبي من الأساس، كنت أسمع أصوات داخل رأسي طوال الوقت واحاول جاهداً أن لا استمع لها، ولكن لابد أن أبي قرر أن يستمع لها ولذلك هو أشبه بالمجاذيب الأن، كنت احذر أمي مما يحدث واقنعها أن تترك المنزل هي وأكرم ولكن كانت تنظر لي وتبكي.
مشوشاً مرتبكاً لا أعلم ماذا أفعل ولذلك قررت ان أتحدث مع أبي وأحاول أن أجد حلاً، أخبرني أنه يجب أن يريني شيئاً ما، أخذني للعلية الطابق الأخير من المنزل لأجد أن به شاشات تعرض أرجاء المنزل، فقد ثبت أبي كاميرات في جميع أنحاء المنزل داخله وخارجه، وجعلني أشاهد اليوم الذي وجدنا به أختي غارقه في البحيرة، الغريب أن الشريط يظهرني وانا أحمل أختي لينا علي كتفي وأنزل بها الدرج وأخرج من باب المنزل واتجه الي البحيرة.. ليس فقط ذلك ولكن كان هناك شريطا أخر لي اقف أمام غرفه أكرم حاملاً سكيناً لمدة ساعه دون أن أتحرك.
قلت له لابد ان هناك من يتلاعب بنا، ماذا عن الأوراق والرسومات الغريبه في مكتبك يا أبي، فقد رأيتك أنت تحمل السكين أمام غرفه أكرم، لا اعلم ماذا يحدث؟؟
ولكنه نظر لي بحزن وبدل الأشرطة وكان الشريط لي مرة أخري أحمل أوراقاً كثيرة وابعثرها بغرفه أبي!
تحدث أبي أخيراً وقال ” تأكدت من وجود لعنة بعد ما رأيت تصرفاتك، ولكن لم أقدر أن أسلمك لمشفي الأمراض العقلية، أو حتي أن أخبر أحداً بأنك قتلت أختك، لم أقدر علي التفريط بك، وظللت أبحث عن حلول وكان الأمر يزداد تعقيداً ولا أعلم الأن ماذا أفعل بعد أن أصبحت أنا وأخيك وأمك نتبادل النوم في ذات الغرفة خوفاً مما ستقوم به في الخطوة التالية، كنت أقول لك أنني ذاهب لبيع قطع أثار ولكن في الواقع أنني اتقابل مع شيوخ القبائل المجاورة لأجد حل ولكن عندما أخبرهم بما يحدث معنا يستعيذون بالله ويقولون لا يوجد حل سوي أن نرحل ونتركك، وأنا يا بني لا أقدر علي ذلك ..لا أقدر أن اتركك فأنت أبني يجب أن تحارب ما يسيطر عليك يا بني”.
بعدما أنهي كلامه أحسست بأن هناك أمر غريب هل ما يقوله صحيحاً، لابد أنه صحيح فقد رأيت بعيني نفسي أفعل كل ما ظننت أنني رأيت أبي يفعله.. ماذا أفعل الأن؟

نشرة الأخبار
-وفاه الكاتب الشهير سمير الغامري وزوجته وولدهم أكرم ذو الخمسة عشر عام في ڤيلته الخاصة بسبب الاختناق بالغاز، هذا وقد توفت ابنتهم منذ عدة أيام غرقاً، ومازال الإبن البكري أمجد مختفيًا حتي هذه اللحظه_

زر الذهاب إلى الأعلى