لعنة منزل ألبرت (الجزء الثاني)
نعم فقد استسلمت لأوامر أنوبيس وقتلتهم جميعاً بخطة ذكية تجعلهم ضحايا لتسريب الغاز، أما أنا.. أنا مفقود في نظر الشرطة والعالم كله.
*في مساء اليوم السابق للحادثة*
قرر أبي أن يودعني في مستشفى الأمراض العقلية والنفسية، بعد ما ظهر مني من عدم تصديق لكلامه وعدم الإعتراف بما صدر مني من تصرفات غريبة وصلت إلى قتل أختي الصغيرة، بالرغم من كون صورتي في التسجيلات واضحة وضوح الشمس.
أخبرني أبي بصرامة أنه الحل الوحيد حتي وإن لم يعجبني، حتى يتمكنوا من النوم دون خوف، وحتى يتم معالجتي من هلاوسي،
بت ليلتها أفكر ماذا علي أن أفعل، هل استسلم واذهب لمستشفى المجاذيب؟ أم أن أبي هو الذي أصابته لوثة وزَوّر تلك التسجيلات، فهو خبير في مثل تلك الأمور بسبب إتجاه كتابته في الروايات البوليسية، ثم لماذا لا تتوقف الأفكار في رأسي!!
ولذلك قررت أن أستمع لتلك الأصوات التي تملي علي ما أفعل بكامل إرادتي، مادامت تنفذ من خلالي ما تريد شئت أم أبيت، لنجعل ذلك بإرادتي الكاملة هذه المرة وابتعد عن النفي وسط المجاذيب لمدة طويلة.
استمعت للخطة، والتي كانت تتضمن أن أستيقظ بعد أن يناموا جميعاً، أنقل أغلب التحف الأثرية في سيارة أبي، واتجه صوب الجبال أبحث عن (سعيد).. سعيد الذي ذكره (ألبرت) في خطابه الموجه لنا، أي الموجه لمن يمتلك المنزل من بعده، كان سعيد يساعد ألبرت في شراء الاثار بطريقة غير شرعية بالطبع.
نفذت الخطة وقبل أن أغادر ذهبت للطابق العلوي (العليه) وفصلت الكهرباء عن الكاميرات، وأحكمت إغلاق جميع النوافذ والأبواب، وفتحت أنبوب الغاز وأحكمت غلق الباب خلفي وذهبت في رحلة البحث عن سعيد.
كان هناك صوت داخل رأسي يوجهني، وجدت نفسي أسلك طريق الجبال كمن يعرف وجهته بالتحديد كما لو أنني ترعرعت هنا، حتى وصلت لمنطقة في الجبل وأخبرني الصوت أن أتوقف وأبحث عن سعيد هنا، وبالفعل وجدته هو ورجاله يتبعوني بنظرات مريبة من أعلي الجبل موجهين أسلحتهم تجاهي، ترجلت من السيارة رافعاً يدي دليل على أنني شخص مسالم ولا أحمل سلاح، ورفعت صوتي أسأل عن سعيد، وبعد أسئلة كثيرة وظنًا منهم أنني مخبر لدى الشرطة وما إلي ذلك، أخيراً قابلت سعيد، فهو يعد واحد من أسياد هذه المنطقة، عندما رأي الخطاب الذي تركه ألبرت والآثار التي معي بالسيارة وقصصت عليه ما حدث معي،
عقد حاجبيه في ذهول وقال لي ” أنت الأن خطر علي نفسك قبل أن تكون خطر علي من حولك، لكن يجب أن أساعدك، أنا أيضا خادم مخلص للأسياد القدماء وأخاف ألا أساعدك يغضبون علي”.
دبر لي سعيد مكان للإقامة، مكان في مغارة في إحدي طيات الجبال لن يجدها جان أزرق كما تقول أمي، كان يأتيني في منامي كيانات غريبة، الخنفساء الذهبية العملاقة والعناكب وأنوبيس وميزان الخير والشر وأوامر كثيرة لا يستوعبها عقلي، ولكن مع الوقت أحسست أن مهمتي أوشكت علي البدء وتكرر لي إسم شخص محدد ورأيت صورته وكان أنوبيس يأخذ قلبه ويضعه في ميزانه ويأمر أن تذهب روحه للجحيم.
استيقظت فجر يوم وأنا في ذهني شيء محدد وهو التوجه للرجل الذي أراه في أحلامي، كان اسمه بلال يتاجر بالمواد المخدرة، توجهت خارج الجبل بالسيارة فجراً لا أعلم وجهتي بل أنا مثل الدمية المتحركة يحركني شيء خفي، بعد ساعتين وجدتني أتوقف أمام إحدي العقارات وأترجل واصعد السلم ورأيته يفتح بابه كمن ينتظرني، هو من أراه في أحلامي، هو الذي كان قلبه أسود داخل ميزان أنوبيس، هذا آخر مشهد أتذكره، بعدها وجدتني في مغارتي حولي التماثيل التي أخذتها من منزلنا تتوسطهم الخنفساء الذهبيه ويدي غارقة بالدماء، غلبني النوم ورأيت نفس الحلم، أنوبيس يأمر بأن يأخذ قلب الرجل ويضعه في ميزانه ولكن هذه المرة بعد أن أمر أن يذهب الي الجحيم، أتي شخصان بوجه كلب وأخذاه لحفرة عميقة تشع منها ألسنة اللهب، وينظر لي أنوبيس مبتسماً ولكن مازال وجهه يثير الرهبه والخوف في نفسي فهو جسد رجل ووجه كلب.
تكررت الأحلام واختلفت الشخصيات وما علي إلا السمع والطاعة، أقتل ولكن ليس بوعي الخاص ولكن هناك من يحركني مثل الدمية.
مرت الأيام كان يأتي لي سعيد خلالهم مرتين يومياً صباحاً ومساءًا لتزويدي بالطعام والشراب وما إلي ذلك، فقد كانت المغارة شبه مجهزة مثل الشقق العمرانية، وذات مرة عندما لاحظ وجود بقع دماء علي ملابسي وتصرفاتي المرتبكة، جلس معي وقت الغذاء وقال أنه (عيش وملح) ولكنه كان يريد أن يعرف ما يحدث معي، أخبرته ما أمر به وعدم وعيي بما يحدث إلا من خلال الأحلام في المساء وأنني مجرد دمية متحركة ولا أعلم متى ينتهي هذا الكابوس،
قال سعيد ” في كل زمن يأتي العقاب، في كل زمان تظهر الخنفساء حتى تنتهي اللعنة من الذين يستحقون الموت من وجهة نظر أنوبيس إله الموت لدي الفراعنة وصاحب ميزان الخير والشر، من الوارد ألا يكون أنوبيس من الأساس ولكنه في كل الأحوال يأتي ليخلص البشرية من شياطين على هيئة بشر، حرفياً شياطين لا أبالغ فهم يتمثلون على هيئة البشر دائماً ويخالطوننا في حياتنا العادية، و لكن الضحية البشرية هي الأداة الوحيدة التي يستخدمها في قتل هؤلاء، والأداه هذه المرة هي أنت.” أتم جملته وهو مطأطأ رأسه ويشعر بالاسف علي، لم أستوعب جملته من أول مرة حتى عادها علي ثانيه وقال أن الخواجة ألبرت كان أداه هو الأخر، وعندما انتهت مهمته مات.
سألته سؤال منطقي وهو لماذا لم تصبك اللعنه أنت الآخر وأنت من باع الخنفساء لألبرت؟
رد سعيد وهو يحدق لي ” كنت منتظراً سؤالك هذا، انا لم أبعه إياها مباشرة ولم أكن أعلم أنها بحوزتي من الأساس، فهي ملعونة وقد خبأها أحدهم منذ قديم الأزل داخل تمثال ولا نعرف مكانها منذ وقت طويل، ولكن لسوء الحظ أو لأن الوقت قد حان لتظهر، كانت بداخل تمثال أخر اشتراه ألبرت مني، وانكسر منه ووجد الخنفساء بداخل التمثال واللعنة تصيب من يلمس الخنفساء، أخبرني وقتها هاتفياً بما وجده وعلمت أن اللعنة بدأت دورة جديدة ولن تنتهي إلا بعد حصاد أرواح كثيرة”.
طالت سهرتنا نحاول أن نجد حلاً، وقال لي سعيد” فقد جاء أباك إلي هنا من قبل وقص علينا ما يحدث معكم في المنزل، وقتها علمت أنه مجرد وقت حتى أسمع اخبار سيئة من هذا المنزل، وكنت أنتظرك ولكني تركتك تقص علي ما يحدث معك حتى أعرف ما يشعر به من يتحكم به أنوبيس” أظهر مشاعر غضب محملة بالأسف وقال ” هناك اختيارين أمامك الأن، أما أن تنهي عمرك بيدك الآن في كل الأحوال ستأخذ روحك، ولكن اذا تمت بيدك فقد انقذت أرواح ناس كثيرة، والحل الآخر هو أن تنقل اللعنة لأحد أخر عبر إهدائه الخنفساء الذهبيه، ولكن أحذر الشخص الذي يُهدي إليه اللعنة لا يُكلف بمهام فهو يعتبر قربان بشري يموت بشكل مأساوي في خلال يومين وتبدو كحادث أيضاً”.
تركني سعيد ليلتها أفكر وأفكر وضربني اليأس حتي أحسست أن الصواب هو الانتحار، ولكني لم أكن أفكر وحدي.. كانت هناك أصوات كثيرة داخل رأسي ليست أفكاري أنا، ظلت الأصوات تدور وتدور، وكنت أفكر أنني سوف أفعل أي شيء للتخلص من تلك الأصوات والتخلص من كوني دمية في يد أرواح فرعونية لعينة، ولكن مهلاً .. حتي وإن قررت أن أهدي الخنفساء لأحد، كيف يطاوعني قلبي وعقلي أن أقرر إنهاء حياة شخص أخر بمنتهي البساطه، كيف سأعيش مع ذنب كهذا.
من كثرة التفكير أعتقد أنني بدأت أهلوس ورأيت نفسي هذه المرة، في المشهد الذي اعتدت أن أراه في أحلامي، تجرني جنود أنوبيس للحفرة وأشعر بألسنة اللهب عن بعد يمر الوقت ببطئ وتجذبني من فوق سريري عناكب عملاقة وبشر بوجوه حيوانات، كلما اقتربت من الحفرة تزداد ضربات قلبي قوة، حتي حملوني استعداداً لإلقائي في النار ولكن ما إن أصابت النار ذراعي حتى أمر كبيرهم أن أرجع مكاني مرة أخري، وضعوني على سريري وقال بلهجة صارمة ” لا تحاول الهرب، وهذا مجرد تحذير لك” وأشار إلى موضع الحرق في يدي الذي تسببت به النيران.
شهقت وكأنني كنت أعاني من الجاثوم ولكنه أمر مختلف، ما أحسست كان واقعياً جدا ولكنه ليس حلم وليس حقيقة لربما هو إنتقال أو إسقاط نجمي، لا أعلم تحديداً ولكن ما أعلمه يقيناً هو أن آثار الحرق ظاهرة علي يدي بوضوح.
بعد ما حدث معي في هذه الليلة قررت أن أتخذ قراراً سريعاً، بما أن غريزة البقاء هي التي تتصدر في مثل تلك المواقف التي يتحكم بها الأدرينالين، فقد قررت أن أهدي الخنفساء لأحدهم، ولكن يجب أن يكون شخص يستحق أن يموت.
وسط تفكيري تقاطعني أصوات ملعونه داخل رأسي تنهاني عن ما أقدم على فعله، ولكني قاومت وأحضرت صندوق هدايا ووضعت به الخنفساء وتحركت بالسيارة لا أعلم وجهتي ولا أعلم من هو صاحب الحظ السيء.
ثم قفز في رأسي فجأة هذا الرجل الأرعن ذو اللحيه البنيه أثر الصبغة التي يضعها عليها، الذي طالما ادعى التدين وهو بكل تأكيد شيطان يجب أن يعود للجحيم، فهو (أستاذ مسعد) صاحب الشركه التي كنا نعمل بها أنا وأصدقائي عندما كنا نشق طريقنا، كان هو يبدأ مشروع جديد ويطلب الشباب أن يعملوا معه ولكنه كان متطرف فكرياً ويتفنن في إيذائنا، فلم يعطنا مرتب في أول فترة بحجة أننا متدربين، وكان سبب في قطع ذراع أيمن زميلي ورفيقي منذ المرحلة الابتدائية، عندما كان بينهم خلاف وكانت الآلات تعمل وظل يقترب منه حتى دفعه تجاه الآله وهي تعمل وتسبب في فقدانه مستقبله ويده، وكان أيضاً المتسبب في قطع عيش الكثير من صغار العمال وأكل حقوقهم.
لذلك كان الأستاذ مسعد اكثر شخص يستحق أن يموت أكثر من مرة وليس مرة واحدة فقط.
كنت أعرف منزله بسبب أنه كان يكلفني أحياناً بالتبضع لعائلته، لم أكن على استعداد لترك الوظيفة حتى لا أبدو غير مستعد لحمل المسؤولية أمام أبي ولذلك تحملت الكثير من الإهانات حتى وجدت عملا آخر والذي تركته حاليا بسبب الخنفساء اللعينة،
ذهبت لمنزله وتأكدت أنه بالاعلي في شقته من سيارته أسفل المنزل، ذهبت للبواب وأخبرته أن هذا طرد هام ويجب أن يستلمه أستاذ مسعد بنفسه في يده، وأشارت إليه بالنقود ففهم أنه يجب أن ينفذ ما قلت له وإلا لن يأخذ تلك النقود.
وبالفعل أخذ البواب الصندوق وغاب عشرة دقائق ثم عاد وعلي وجهه ابتسامة واسعة، وقال لي أنه سلمه له في يده شخصياً، أعطيته مبلغ كبير من المال وذهبت وباقي أن أنتظر..
مر يومين وأنا أتابع الأخبار واذهب كل ليله تحت منزل مسعد ولا يوجد شيء غريب، وفي مساء اليوم الثالث في طريقي لمنزل مسعد ليلا كما تعودت وجدت زحام شديد، وقفت وسط الزحام اسمع ما يتناقلونه، وقفت بجوار شخص يرتدي ملابس منزليه،
وسألته “هل أنت من سكان هذا العقار، أخبرني ماذا يحدث؟”
أجاب الأخر ” نعم أنا ساكن في هذا العقار، فقد انتحر أستاذ مسعد منذ قليل، قالت زوجته انه تلقى هديه منذ ثلاثة أيام ومنذ أول يوم يتصرف تصرفات غريبه ويستيقظ على كوابيس، حتى قام البارحة وأذاب الهدية التي كانت عبارة عن خنفساء ذهبيه في النار وقال أنه بهذا التصرف يحميهم ويحمي نفسه، ثم وجدته منذ قليل وقد ابتلع كمية كبيرة من العقاقير الطبية والتي تسببت في هبوط حاد في الدورة الدموية مما أدي لوفاته”.
تسللت حتي لا يراني البواب ويبلغ عني، ورجعت إلي المغارة وبعد أن قضيت أسبوع أخر وتأكدت أن حياتي قد عادت كما كانت، تواصلت مع سعيد وطلبت منه أن أبيع كل القطع الأثرية التي أملكها وطلبت أيضاً ان يساعدني في استخراج أوراق السفر لأي بلد حتى أبدأ من جديد.
بعد عدة أسابيع كنت جاهز للذهاب إلي أحدي الدول الأوروبية وبدأت في الإستقرار بها، مازالت أحلامي مرعبة وأرجو أن لا تعود اللعنة بالظهور مرة أخرى.