سينما

لماذا لم تعد أفلام الرعب مرعبة؟

لماذا لم تعد أفلام الرعب مرعبة؟
دعنا نتفق من البداية عن نسبية و”مطاطية” مفهوم الرعب عند المُتَلقي؛ فمنهم من يستمتع بالرعب المقروء دون المعروض، ومنهم من يستمتع بتيمات معينة، ومنهم من يربط الفزع بأوقات معينة مثل أعياد الهالويين وغيرها..

وهناك نوع (أزعم أنني أنتمي إليه) يربط الرعب بالحالة المزاجية والأجواء المحيطة به، فمثلًا حين تشاهد فيلمًا مُرعبًا في شاليه ساحلي منعزل عن العمران، فهي تجربة مختلفة تمامًا لو كنت تشاهد نفس الفيلم في سينما “جنينة مول” حيث صراخ الأطفال ورائحة الفشار بالجبنة وثرثرة الأمهات.

ولكن ما يتفق عليه كل جمهور الرعب هو خفوت بريقه، سواءً على صعيد الروايات عربيًا وعالميًا، أو على صعيد السينما عالميًا فقط.. فمصر لم تشهد تجربة فيلم رعب حقيقي؛ إلا لو اعتبرتم التعويذة وكامب والإنس والجن أفلامًا غير كوميدية!

1- لماذا نجح الرعب من البداية؟

اعتدتُ حين أبدأ كتابة أي مقال أن أقرأ عن موضوعه من جميع الجوانب، بإستثناء الجانب الذي سأتحدث فيه، حتى لا أتأثر بأسلوب كاتب مقالٍ آخر، ومما جعل عيني جاحظتين ملحوظة طبية قرأتها من أحد الأطباء المهتم بدراسة تأثير أفلام وروايات الرعب على الجسم البشري.

فقد نشر بحثًا يطرح فيه رأيًا علميًا مفاده أن الجزء المسئول عن الخوف في القشرة الدماغية لا يميز –غالبًا- بين ما هو درامي وما هو واقع، فإذا كان الفيلم مُتقنًا فعقلك سيراه حقيقة، سيفرز لك الأدرينالين الذي تعشقه بكميات مهولة، سيبعث بداخلك الشعور بالمغامرة كما لو كنت أنت بطل الفيلم.

كما أن الشعور بأنك قد تغلبت على الخوف أو على نوع التعقيد الذي مرَّ به بطل الفيلم شعورٌ ملهم، شعور بمغامرة وهمية لا يراها عقلك كذلك، وحين ينتهي الفيلم تشعر بأمانٍ مطلق كأنك نلت مزايا البطل دون أن يطولك شيئًا مما طاله.

أتراه سببًا غريبًا؟ انتظر حتى تعرف إجابة معظم الرجال حين سئلوا عن سبب حبهم لأفلام الرعب: “هذه النوعية من الأفلام تجعل النساء تعانقنا بحثًا عن الأمان.”

ولكن مع تكرار الحبكات وابتعادها عن الواقع الملموس الذي قد يعيشه أي منا، وعدم إتقان القصة والمؤثرات، وكذلك أداء الأبطال، فقدْ فَقَدَ الرعب أهم ميزة عند المشاهدين، فحتى العقل لم يعد يصدق أن هذه مغامرة واقعية، وبدلًا من الشعور بالفزع، يحل الضحك.

2- حبكات محدودة:

أتذكر بيت الرعب في مدينة الملاهي؟
كان في الماضي مكانًا مخيفًا، حيث تظهر لك المسوخ تمد يدها عليك، ولكن حين زاد وعيك بكواليس بيت الرعب أدركت أن هذا المسخ مجرد موظف بائس يقضي ثماني ساعات من يومه ليمازح الأطفال ويصرخ في وجوههم “عاوووو”، ويعود لبيته ليواجه فزع الحياة الحقيقي.

نفس الأمر ينطبق على أفلام الرعب، نعلم أن معظم كُتَّاب الرعب الآن مجرد موظفين “غلابة”، يريدون عمل بعض الـ”بِخْ”.. ويحلمون ببيع فيلم أو رواية.

كما ذكرنا في ختام الفقرة السابقة، فإن حبكات الرعب تحولت من أحداث “مخيفة” لمجرد كليشيهات مضحكة، تتناولها الكوميكس والميمز بمنتهى الهزلية، مثل كليشية الدمية التي تدب فيها الحياة، أو المنزل المهجور الذي تصمم الأسرة على المكوث فيه، أو الطفل الذي يرتكب الفظائع بمنتهى البراءة، أو مجموعة المراهقين الذين يحلون في معسكر أو فندق معين، كلها مكررة ومحفوظة.

3- تحدي مع المشاهد:

مع تقدم الزمن أصبح الضغط على أعمال الرعب أكثر من الماضي، فهي أعمال تتحدى المشاهد على طريقة الفنان أحمد ماهر: “لو راجل متخافش!
فأصبح المشاهد يتعامل مع هذه الأفلام بشيء من التحدي، ليجد نفسه في النهاية حافظًا نقلات الكاميرا السريعة، و”الإنذار المزيف” كالفزع من القطة، تجده محبطًا من نسبة الدموية التي نزلت عن توقعاته.

فمؤخرًا أصبحت العلاقة بين مشاهد الرعب وصانعه كقطين بائسين يرفع كلًا منهما مخلبه في وجه الآخر صارخًا “عاركني” في حين أن كلاهما يريد عملًا جيدًا.
لذلك لاقت سلسلة أفلام الرعب التركية التي تتحدث عن الجن نجاحًا هائلًا، وكذلك فعلت سلسلة أخرى أمريكية صورت أفلامها بتقنيات بدائية كما لو كانت كاميرات هواتف، وادعت أن هذا الفيلم حقيقي لفترة حتى انكشف الأمر (للأسف لا يحضرني اسم أي من السلسلتين، يبدو أن ما قد يرعبني حقًا هو النسيان).

نجحت هذه الأفلام بسبب الحبكة الجديدة بالطبع، ولكن السبب الرئيسي لنجاحها هي أنها رفعت هذا الضغط عن نفسها، وأنزلت مخالبها قليلًا من أمام المشاهد.

4- ودنك منين؟:

في النهاية العملية لا تتطلب مجهودًا عظيمًا، المؤثرات مهمة والتطور التقني عظيم، لكنه مجرد “سلاطات” بجوار كيلوجرامات من الكباب، يكفي دراسة بسيطة لعلم النفس، مع قصة محكمة، ودع المشاهد يكمل لك اللوحة، كلما كنت واقعيًا كلما شعر القارئ أن الخطر أقرب.

استفد من تجربة :ألفريد هيتشكوك” في تصدير الرعب من الشخصيات الودودة، أو من “ستيفن كينج” حين جعل الرعب يأتي وسط قصة أصلية غير مدفوعة دفعًا نحو الفزع.
أو استفد من تجربة كاتب المقال الشخصية، والذي وجد الرعب في كل شيء حوله باستثناء أفلام وكتب الرعب، واعلم أن الحياة غير عادلة، حين يصبح التوك شو مرعبًا أكثر من “the conjuring”، فتأكد أنها غير عادلة.

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى