سينما

لماذا نهيم بأفلام المراهقين؟| بقلم عبدالرحمن جاويش

لماذا نهيم بأفلام المراهقين؟| بقلم عبدالرحمن جاويش
كانت من المشاكل التي أرقت حياتي لفترة طويلة، وجود أعمال درامية وسينمائية أخجل من الاعتراف بحبي لها؛ مثل بعض أفلام محمد سعد، والكثير من مسرحيات محمد نجم.. ولكن ظلت أعمال المراهقين الأمريكية هي أكثر ما يؤرق ذوقي الفني، ويجعلني أخجل من الاعتراف بهيامي بمثل هذه الأعمال.. حتى اكتشفت مؤخرًا أننا كثيرون، وأن الذوق الفني درجات.

هي خلطة ثابتة في كل الأعمال، ونجاحها شبه مضمون.. صحيح أننا لم نستطع تمصيرها بشكل ناجح حتى الآن لأسباب تتعلق بقيم المجتمع وضرورة تقويم المراهقين، وأسباب تتعلق بفقر الإبداع وقلة المواهب في هذه المرحلة العمرية، قد تكون هذه ميزة أخرى تجعلنا نلهث وراء هذه الأعمال في الخارج، فالبديل المصري غير مطروح.. أما عن الخلطة نفسها، فاحضر ورقة وقلمًا واكتب ما سأمليه:

 

  • البطل هو مراهق مسكين لديه ثلاثة مشاكل يتم حلها على التوازي؛ الأولى بخصوص أسرته التي لا تحتويه كمراهق، والثانية فتاة يعجب بها في المدرسة الثانوي/ الجامعة، وثالثهما مشكلته الشخصية التي قد تكون الانطواء أو الشعور بالوحدة أو التعرض للتنمر أو أيًا ما كان.

 

  • ثم نضيف القليل من الفتيات المرحات، مشجعات كرة القدم من ذوات السيقان الجذابة، تتوسطهم فتاة ذكية تهيم بها المدرسة حبًا.. ولكن لا ترى مراهقنا المسكين في بداية الأحداث، وبعد ذلك صديق البطل الجبان المنصاع للبطل، والذي يشكل معه ثنائيًا فاشلًا والمادة الخام المثلى للتنمر.

 

  • وحين تظن أن الأمور جميعها تسير وفق هواك، ستجد “شلة المتنمرين” لا تخشاهم فهم بؤساء، وسيأخذ مراهقنا المسكين ثأره منهم فلا تتعجل.. انظر حولك لتجد الوافد الجديد النحيل الذي يتم ضربه صباحًا ومساءًا، وستجد مدرسًا مرحًا يجلس مع فتاة ذكية غريبة الأطوار، وناظرًا قاسيًا يعنف الجميع بسبب وبدون سبب.. نترك كل هذا في الفرن، وبعد 40 دقيقة ستجد في نهاية المطاف حفل نهاية العام الراقص في انتظارك.

ولكن السؤال الأهم لماذا يميل الجمهور لهذه النوعية من الأعمال الدرامية والسينمائية؟

  • حبكة غنية

لا شك أن أفلام المراهقين عبارة عن قماشة درامية عظيمة، فلديك الكثير من الأطفال يمرون بطور عظيم من حياتهم وهو طور البلوغ، يمكنك رؤية تأثير التغير الفسيولوجي عليهم، كلٌ حسب بيته ونشأته واستجابة جسده لهذا التغير..

يمكنك كذلك أن تلاحظ تنوع الخلفيات التي ينحدر منها كل شاب، وكذلك محاولات استكشاف أنفسهم جنسيًا ودراسيًا وكذلك على مستوى المواهب والأنشطة الرياضية.. أضف على ذلك رغبة كل منهم في التميز وإبراز ذاته، ستجد نفسك أمام حبكة درامية غنية بالشخصيات والمواقف الدرامية والكوميدية.

انسى كذلك مساحات المط والأحداث الخالية من الفائدة ودفع الحبكة الدرامية، فالممثلين خلال سنوات معدودة سيتغير شكلهم، كذلك فترة الدراسة الثانوية أو الجامعية ليست بالفترة الكبيرة حتى تسمع بتعدد المواسم الزائد عن الحد.

  • صالحة لكل الأعمار

مهما كان عمرك ستجد دراما المراهقين تمثلك بشكلٍ أو بآخر.. فإن كنت طفلًا ستجد أمامك عالمًا ينتظرك، خياراتك فيه مفتوحة، طموحك فيه عالٍ، لا مزيد من سيطرة الأهل، ولا مسؤوليات الشباب.. أنت هنا في مرحلة تكون فيها مسئولًا بأموال أهلك!

أما إن كنت مراهقًا فستجد نموذج الشباب في أصدقائك ومعارفك، صحيح أن مراهقتك ليست مثيرة مثلهم لأن هناك من يؤلفها عكس مراهقتك التي تعيشها كما هي.. لكنك ستستمتع بالتأكيد، ولا تنكر أنك ستحاول تقليدهم يومًا ما.

أما إن كنت شابًا أعيته الوظيفة، أو كهلًا أنهكته الأسرة.. فستجد في دراما المراهقين نوعًا من النوستالجيا المزيفة.. والذكريات الخاطئة التي تظن أنك قد عشتها يومًا ما، لكن الحقيقة أنك لم ترها، لأنكم –كما قلت لك حين بالأعلى– كنت مراهقًا مملًا.

  • هروب من الواقع

تمتاز أفلام المراهقين أن أحداثها خالية من التعقيدات.. فالمراهق مهما علا صوته واخشنت حنجرته مسكين يبحث عن الاهتمام والتميز، والمراهقة مهما استدار جسدها فهي تطمح لحب حقيقي وشخص يحتويها، وهذه تيمة يجيدها الكاتب الغربي على مر التاريخ..

نحب مشاهدة المراهقين لأن مشاعرهم صادقة، دون تعصب أو رفض للآخر.. كذلك طموحاتهم قصيرة المدى، فهم يحلمون بمجرد رفيق في حفل راقص، أو كلية معينة.. فلن تجد مراهقًا عدميًا يبحث عن معنى الحياة، ولا مراهقة تفكر في تغيير العالم والجلوس على عرشه..

في أعمال المراهقين كل شخص قابل للتغير.. لا مكان لشرير حقيقي في هذا العالم الذي يودع أيام براءته.. الغضب هش والعقاب يسير، حتى الشهوة غالبًا ما تكون مغلفة بالبراءة.. وهذه نوعية حبكات أحب أن أشاهده قبل النوم، أحب أن أترك بقايا عقلي المنهك له دون تفكير فلسفي ولا جدال اجتماعي طويل.

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى