اكتشفمقالاتمواهـب

متأخرون بالفطرة

متأخرون بالفطرة.. سأبدأ بسؤال بسيط لطالما سألته لنفسك: كيف ترى عينيك الأشياء بمجرد وقع نظرك عليها؟
الموضوع ليس بتلك البساطة التي تتوقعها ولكن سأشرح لك الفكرة بصورة مختصرة.

متأخرون بالفطرة

عندما تنظر مثلا نحو كوب ماء تسقط على عينيك الملايين من الأشعة الضوئية المنعكسة عن كل جزء من أجزاء الكوب، وعندما تلامس عدسة العين تنكسر تلك الأشعة بمعامل انكسار معين لتكون نقطة مقلوبة على الشبكية، أي أن الصورة تصلك على هيئة نقاط متفرقة مقلوبة كل نقطة منها أو مجموعة نقاط تحمل معلومة عن جزء صغير جدًا من الكوب (كشكله ولونه وزواياه…..)، وهنا يأتي دور المخ الذي يستقبل تلك المعلومات ثم يترجمها ويعيدها إلى العين، من وإلى العصب البصري على هيئة صورة معدولة متكاملة.

سؤال آخر: كيف تسمع الأصوات؟
وإليك الإجابة أيضًا بطريقة مبسطة..
الصوت عبارة عن موجات ميكانيكية تسير في الهواء حتى تصل إلى أذنك، ثم يتم تحويلها إلى صورة كهربية تنتقل عبر العصب السمعي إلى المخ، حيث يتم ترجمتها وتحويلها إلى نغمة أو لغة مفهومة.

السؤال الأهم الآن: ما العلاقة بين عنوان المقال وتلك النماذج المذكورة؟
في الواقع العلاقة مباشرة وواضحة تمامًا؛ فتلك العمليات المعقدة من سمع وإبصار تستغرق أجزاء دقيقة جدًا من الثانية لحدوثها، أي أنها لا تحدث مباشرة في التو واللحظة، بمعنى أقرب فإنه دائمًا ما تكون هناك نسبة تأخير لا ذنب لك فيها وإنما هي الفطرة التي فطرنا عليها.

ولكن قد يقول البعض أنه لا يشعر أبدًا بذلك التأخير..
هذا شيء منطقى جدًا لأن جميع الأمور في حياتك قد فطرت على نفس الدرجة من التأخير، فمثلًا الشخص المتحدث الذي تسمعه قد استغرق وقتًا في ترتيب الكلام بالمخ على هيئة إشارات عصبية ثم إرساله لعضلات اللسان والوجه والفكين لتحويله إلى لغة منطوقة في صورة حروف وكلمات.

كل الأمور والحركات في حياتك تسير بنفس النظام المحتوي على نسب متقاربة من التأخير تساعدك على إدراكها.
ومن نفس المنطق أنت لا تدرك مثلا التفاعلات الكيميائية في حياة البكتيريا، لأنها تسير بسرعة مختلفة عن سرعة إدراكك، لم نتمكن من إدراكها إلا بعد اكتشاف دكتور زويل للفيمتوثانية وتطويره لكاميرا تصوير دقيقة نجحت في تسجيل ثوان من تلك الحياة لتعرضها لنا بشكل بطئ يناسب إدراكنا على هيئة فيلم يمتد لساعات.

والمفاجأة الأكبر من ذلك هي أننا لم ندرك بعد كل تفاصيل تلك الحيوات، حتى أنه بين كل تفاعل وآخر قمنا بتصويره فإنه توجد الآلاف بل والملايين من التفاعلات الأكثر دقة ما بين كل تفاعل وآخر، إلا أن كاميراتنا كانت أبطأ من إدراكها.

عوالم الكائنات الفضائية

وهناك الملايين من الحيوات والعوالم التي لا تدركها حواسنا لأنها أسرع من استقبالنا وإدراكنا.
لذا هناك بعض الاعتقادات التي تفترض أننا لا ندرك عوالم الكائنات الفضائية لأنها أسرع بكثير من نطاق حواسنا وأكثر تطورًا منا، مما يعني أنهم يدركون وجودنا جيدًا ويراقبوننا عن كثب، ربما قام أحدهم بطباعة ذلك المقال قبل كتابتي له بعدة أيام من يدرى؟ ربما كتبوه قبل أن أولد من الأساس، ربما كل تراثنا قد سجلوه وهم الآن يسجلون أمور قد نفكر فيها بعد بضعة سنين!

لذا ربما نكون الأكثر تطورًا من جهة إدراكنا ولكننا متأخرون جدًا مقارنة بعوالم أخرى، فحتى البكتيريا بسيطة التركيب تسبق إدراكنا.
بناءًا على ذلك تكون كل حساباتنا وإحصائياتنا غير صحيحة، فمثلًا متوسط عمر الأرنب (1-2) سنوات طبقًا لحساباتنا، ولكن قد يكون ذلك خاطئًا طبقًا لحسابات عالمه، قد يكون متوسط عمره هناك (10-20) سنة مثلًا أو ربما أكثر.

فنحن ندرك وجوده لكن لا ندرك عالمه وتفاعلاته الداخلية لأنها أسرع من أن ندركها، ومن ذلك نعلم أنه ليس كل ما نراه وندركه نعلم تفاصيل حياته وسرعتها، فما بالكم بحياة وتفاصيل ما لا ندركه من الأساس، الأمر مريب وفظيع!

لذا عندما تتأخر عن العمل أو عن المحاضرة قف بكل ثقة وأخبر مديرك أو أستاذك بأنك لم تخطئ في شيء، وإنما أتيت بأمر من الفطرة التي وجدت عليها، ولا ذنب لك في ذلك، بل وأخبره أنك في عالم آخر لا نعرفه قد تكون وصلت مبكرًا بحوالي عام أو عامين أو ربما قبل يوم ميلاده هو نفسه، إنه فرق التوقيت في الحس والإدراك.

زر الذهاب إلى الأعلى