سينما

مراجعة فيلم Tenet.. “العيب في مين يا زمن؟”

مراجعة فيلم Tenet.. "العيب في مين يا زمن؟"مراجعة فيلم Tenet .. أظن أن أفضل ما حدث يوم مشاهدتي للفيلم هو تعليق قاله لي صديق حين اكتشفنا أننا قد تأخرنا عن موعد دخول قاعة العرض، فنظر ليه وصاح بجدية: “يابني انجز، كده هتفوتنا تترات النهاية”.. وتعليق آخر من صديقي حين أخبرته أنني أشاهد الفيلم للمرة الثانية، فقاطعني مصححًا: “لا، دي المرة الأولى، المرة التانية هي اللي أنت شوفتها قبل كده!”

أظن أن هذين التعليقين هما أفضل ما في التجربة، والتي تدخلك سريعًا في عوالمها، لتدرك من اللحظة الأولى أننا أمام قصة من قصص الجاسوسية وحروب نهاية العالم، ولكن هذه المرة ليست حربًا أمريكية روسية، ولا أمريكية ألمانية، ولا حتى أمريكية فضائية، ولكن هذه المرة هي حرب بين أبناء الحاضر والمستقبل..

(ملحوظة: هذه ليست مراجعة بالمعنى الكلاسيكي، وإنما سرد لتجربة مشاهدة ذاتية، الفيلم في من نوعية التجارب التي تستحق المشاهدة بغض النظر عن تجارب الآخرين.. وهذه هي طبيعة أفلام نولان وتارنتينو؛ هي أفلام تشاهدها ولا تشاهد عنها.)

نتعرف فورًا على العميل السري الذي لم يهتم بتعريف نفسه للمشاهد اسمًا، وكذلك لم يهتم نولان، وهذه ملحوظتي الأولى على الفيلم، فجميع الشخصيات أحادية لصالح الفكرة التي استحوذت على كل الأبعاد والاهتمام من جانب الكتابة.. هذا العميل يثبت مهارةً عظيمة، وولاءً استثنائيًا في إحدى العمليات المخابراتية التابعة لـCIA، مما يقوده لمهمة أكثر صعوبة، مهمة لا يعرف عنها سوى كلمة واحدة Tenet “عقيدة”.

يكتشف العميل السري أن هذه العملية الجديدة تتطلب منه فهمًا مختلفًا لمفهوم الزمن، فأبناء الأجيال اللاحقة يحاولون إفناء أجدادهم من أبناء الحاضر، وإنهاء العالم الخاص بهم، وذلك بالاستعانة بأحد تجار الأسلحة الروس “ساتور”.. ويتلخص الفيلم في محاولات العميل لكسب ثقة “ساتور” ومعرفة ما يفعله، وإدراك سبب الحرب المستقبلية عليهم، مع بعض قصص الحب والصداقة، كل هذا مغلف بغلاف زمني مشوش.

وعن سبب تشويش هذا الغلاف الزمني ظننت أن الأمر يحتاج للمزيد من التدقيق، تجاهلت تعليقات أبطال العمل حين صرحوا بأنهم لم يفهموا النص بعد أكثر من قراءة، شاهدت الفيلم مرة أخرى مجتهدًا في محاولة فهم تفاصيل الزمن، قرأت عن الموضوع بشكل علمي حتى ألم بفنياته، لكن كل هذه المحاولات لم تسفر عن فهمٍ كامل لما يريد الفيلم تقديمه من نظرة جديدة للزمن، وقد قررت من منطلقة “جدعنة مني كده” أن العيب في الفيلم، فهو لم يعطِ المساحة الكافية لشرح آلية التنقل وتغيير الأحداث بين الحاضر والمستقبل، وترك الكثير من الأمور معلقة ومطاطية بشكلٍ يصعب فهمه واستيعابه والإلمام به، بل إنه جعل معظم الجمل الحوارية الشارحة للنظرية العلمية مُضمنة داخل مشاهد حركة تتطلب إيقاعًا سريعًا، ومع موسيقى صاخبة ومزعجة في بعض الأحيان، ومع حركات الكاميرا التي تشبه إيقاع الموسيقى.. أصبح الفهم عسيرًا.

أظن أن نولان في هذا الفيلم قد ضحى بعوامل كثيرة لصالح “اللقطة”، وأعني هنا الاستعراض، هذا الاستعراض والإسراف في الهوس بفكرة الزمن جعل العالم مطاطًا على المستوى الزمني، غير محكوم، كل شيء يمكن أن يحدث، حتى أن اقتباس الفيلم الأشهر في الفيلم أن “ما حدث قد حدث بالفعل”، قد تم الإخلال به أكثر من مرة.

إذا تأملت التحف الفنية الأبرز لكريستوفر  نولان مثل Inception، و Interstellar، وMemento وThe prestige.. ستجد دائمًا علاقة إنسانية تقودك للحظة تجعلك توشك على البكاء، مثل قصص الحب بين الزوجين، وعلاقة الأب بابنته، وعلاقات الصداقة بأشكالها المختلفة..

 وقد حاول نولان عمل مثل هذه العلاقة في Tenet عن طريق خلق قصة حب بين “البطل” و”كات” زوجة “ساتور”، وكذلك علاقة “كات” بابنها الوحيد، إلا أن هذه المحاولة قد خابت نظرًا لعدم التمهيد الجيد لها، وعدم وصول شعور الخوف الحقيقي تجاه تهديدات “ساتور” لهذه العلاقات.. لدرجة جعلت مشهد حديث “البطل” عن نهاية العالم، ورد “كات” عليه حين سألته في لوعة عن ابنها مشهدًا كوميديًا تظهر فيه “كات” كسيدة منفصلة عن الواقع، وليست أمًا مثاليةً!

وعلى الناحية الأخرى، فهذا فيلم يدور عن صراع بين الخير والشر، في حين أننا لم نرَ جانب الشر أبدًا، رأينا وسيطهم وتعاملنا معه باعتباره هو الشر المطلق، رأينا أدواتهم، فهمنا فلسفتهم وسمعنا عنها، لكننا لم نرَ أحد أبناء المستقبل ممن يسعون لتدمير عالمنا، لم نشاهد حوارًا على ألسنتهم، لم نسمع سرديتهم من ألسنتهم بشكل مباشر، وكأنهم يحتاجون لأبناء الحاضر للحديث عنهم والدفاع عنهم.

ولكن كل هذه الملاحظات لا تنتقص من متعة الفيلم البصرية، ولا من عظمة الموسيقى الخاصة بالفيلم حتى وإن كانت مرتفعة، ولا من متعة مشاهدة مشهد انفجار الطائرة الحقيقي وتحطم سبائك الذهب، وكذلك مشاهد المعارك التي أزعم أنها من أفضل ما رأيت.. كذلك أعجبت بالذكاء الواضح في تخطيط عمليتي اقتحام المرفأ الدولي وعملية سرقة سيارة النقل، وأداء الممثلين “السلس” الذي قاموا جميعًا بـ”لعب السهل” دون تعقيد أو محاولة للاستعراض، فيكفي استعراض الفكرة..

 صحيح أنها لا تجعله أفضل أفلام نولان، لكنها كذلك لا تجعله عملًا قليل المستوى.

اقرأ أيضاً

الحقيقة خلف فيلم dont breath

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى