حكايات كرة القدم الإفريقية| من هو الجنتلمان المصري حسين حجازي؟
الأنيق.. الهادئ.. المتأمل.. الضوء المشرق
كتب: محمود عدوي
حسين حجازي.. ماكينة الأهداف التي لم تتوقف منذ أن لمست الكرة قدمه النحيفة.. ماكينة الأهداف التي تظل دائرة حتى يطلق الحكم صفارته لينقذ الخصم من الإهانات المتكررة في المرمى.
ولد حسين حجازي في القاهرة بعد دخول الإنجليز بتسعة أعوام، ومروراً بالمدرسة الابتدائية حتى وصوله للمدرسة الثانوية لم يتوقف عن إحراز الأهداف. كانت تلك متعته التي لا حدود لها في الحياة.
وفي غياب الحركة الوطنية التي حطمها الإنجليز في عام 1882 حينما احتلوا القاهرة، بعد معركة التل الكبير ونفي زعماء الحركة الوطنية إلى خارج البلاد، كانت أهداف حجازي في فرق الجيش الإنجليزي وفرق المكاتب والوكالات الأجنبية في مصر، هي شكل من أشكال إظهار المقاومة.
اللاعب حسين حجازي
نحيف بشكل واضح، يوحي إليك بأنه مدرس لغة فرنسية وليس لاعب كرة قدم. وفي ظل اعتماد كرة القدم في تلك الفترة على القوة البدنية والركض بلا توقف، كان اختيار حجازي مركز المهاجم نوعاً من المغامرة والجرأة، فالعنف كان هو السمة الغالبة على المباريات، ولم تكن للحكم في تلك الفترة أي قدرة على إيقاف العنف، فلم تكن هناك لا بطاقات صفراء ولا حمراء، ولا أي عقوبة تستطيع أن توقف أي مجزرة يمكن أن تنشب في الملعب.
ولكن حجازي الذي غامر وقرر أن يتحدى كل ذلك، استطاع خلال أول موسم له في لعب كرة القدم أن يحرز 57 هدفاً. وفي عام 1911 عندما كان في العشرين من عمره، انتقل حجازي إلى لندن ليدرس الهندسة في جامعة لندن.
احتراف حسين حجازي
قادته قدماه إلى نادي دولويتش هاملت الإنجليزي، قبل أن تقوده يداه للرسوم والخرائط والنظريات العلمية.
ومن أول مباراة لناديه ضد ويستنوورد، استطاع حجازي أن يفرض نفسه على تعليقات وكتابات الصحف التي أشارت إليه بكونه “لاعباً جيداً وذا حركات سريعة كالبرق”.
كان حجازي يميل دوماً إلى الاستعراض والمراوغة وإظهار مهاراته بالكرة، ما أغضب منافسيه وجعله غير مفهوم لدى جمهور لا يفهم في مباريات الكرة سوى القوة والسرعة وإحراز الأهداف بأي طريقة كانت.
ومع كل مباراة كان حجازي يلعبها، كان يحرز هدفاً، ما جعله مهيئاً لأن يكون له اسم مميز في تاريخ كرة القدم الإنجليزية.
الضوء المشرق
في مباراة الديربي بين دولويتش ضد نيونهيد، والتي تألق فيها حجازي كعادته، علقت جريدة سوث لندن بريس بأنه “كالضوء المشرق في المباراة”، لعب حجازي بكلتا قدميه، مرر الكرات السريعة، تخطى منافسيه بمراوغات بين الأقدام، هيأ الكرة بصدره ورأسه، أوقف الكرة حيثما أراد هو وليس حيثما أرادت هي، تحكم في الكرة واللعب وتحكم أيضاً في الجمهور. كان يتحرك بمنتهى السلاسة وكأنه جنتلمان فوق حصان يقفز من فوق الحواجز من دون أي مجهود.
كان وقوراً في اللعب كأسد عجوز يعرف قدراته وقدرات خصمه، ولكنه في لحظة يتحول إلى قط بري يتملص من كل صياديه، ومن ثم يركض كفهد مرقط تاركاً خصمه خلفه يمسك الهواء، ومن ثم يصنع تمريرة سحرية لزميله يجعله بها في مواجهة مرمى الخصم.
في مباراة الديربي تلك ضد نيونهيد، اكتسح فريق حجازي خصومه بستة أهداف نظيفة، سجل هو هدفان وشارك في صناعة الأهداف الباقية.
أهداف حسين حجازي
ذاع صيت حجازي بعد العديد من المباريات، ما جعل فولهام يطلب منه الانضمام إليه في مباراته مع ستوكبورت كاونتي.
كان الجميع في فولهام يشكك في قدرات ذلك المصري بأن يساعد في مباراة مهمة كتلك المباراة، لكن حجازي منذ بداية المباراة كان قد قرر أن يحسم هذا التشكيك، فأحرز الهدف الأول لفريقه في الدقيقة الـ14 قبل أن يساهم مع زملائه بإحراز هدفين آخرين، لتنتهي المباراة بنتيجة 3 – 0 لصالح فولهام.
وحينما عرض فولهام على حجازي الانضمام إليه وترك دولويتش هاملت، رفض حجازي بشدة، وقال لهم إنه أعطى كلمته لدولويتش بأن يبقى معهم، ولا يستطيع أن يتنازل عن كلمته.
وحين سألوا با ويلسون مدير دولويتش عن ذلك الأمر، علق على ذلك بكل لطف: “حجازي رجل شريف داخل الملعب وخارجه”.
وقبل أن يرحل إلى مصر في عام 1913، كانت مباراة دولويتش هاملت ضد أحد خصومه، حينما علقت صحيفة سوث لندن بريس “بدأ حجازي التهديف في المباراة، بأسلوبه المميز، فحينما حصل على تمريرة من ديفيس، غير من وضعه على الفور، وسدد مثل البرق، فدخلت الكرة في الشبكة قبل أن يدرك حارس المرمى روبرتسون أنه قد سدد”.
في السبع عشرة سنة التالية، وبعد رجوعه إلى مصر قبيل الحرب العالمية الأولى، ظل حجازي يتنقل من الأهلي إلى الزمالك ومن الزمالك إلى الأهلي، الخصمين اللدودين في كرة القدم المصرية، مراراً وتكراراً، وكانت تلك بدايات التطرف في الخصومة بين الناديين وجمهورهما، إلا أن شارع حسين حجازي الذي يحتضن مجلس الوزراء، كان هو نفس الشارع الذي استضاف مسيرات الاحتجاج منذ عام 2006 وحتى قيام الثورة. وفي 2011 ولأول مرة تجمع مشجعي الناديين في شارع حسين حجازي، ليعلنا عن دفاعهما عن الثورة المصرية والمطالبة برحيل مبارك.