أساطير

من يتزوجها ؟! من حكايا العرب

كومن يتزوجها ؟!

في قديم الزمان في قبائل العربان كان هناك أخوان، يحب الواحد منهم الآخر أكثر من حبه لنفسه. كانا تاجرين وكان لهما من تجارتهما مال وفير، يسافرون سويًا الكثير من الأسفار.. حتى أراد كل منهما الاستقرار.

فتزوج الأكبر وأنجب ثلاثة أبناء ذكور وظل الأصغر يبحث عن فتاة أحلامه عدة أعوام حتى وجد الفتاة المنشودة فاتنة الجمال فتزوجها وسعد بها أيام طوال.

وأنجب منها فتاة هي صورة الحسن الكامل والدلال.. لكن الله قدر أن تموت زوجة الأصغر بعد إنجاب الفتاة بعام ونصف العام.. حزن الشقيق الأصغر حزنًا شديدًا لكنه رأى في ابنته تعويضًا عن زوجته فلزم تربيتها وتعليمها.

وفي يوم خرج الأصغر للتجارة ولم يرافقه الشقيق الأكبر لـ حُمى أصابته، وفي الطريق خرج عليه قطاع الطريق. فهجموا عليه هجمة غادره، فاسقطوه من فوق الراحلة.

لكنه كان فارسًا مغاور فقتل منهم الواحد تلو الآخر، حتى أوشكوا أن يلذوا بالفرار.. لكن أحدهم كان راميًا مكار.. استقر خلف الشقيق الأصغر ورماه بحربة اخترقت درعه وعرفت طريقها إلى صدره، فأردته قتيلًا.

وجد بعض التجار جثته على الطريق فعرفوه ولأخيه الأكبر أعادوه.

حزن الأخ الأكبر حزنًا شديدًا، فمن سيربي هذه المسكينة ذات الخمس أعوام كأبيها؟!

أخذ العم ابنة أخيه وضمها إلى أبناءه وكان يعاملها بمقدار حبه لأبيها حتى أنه كان يفضلها على أبناءه الثلاثة.

كبر الأبناء الثلاثة وصاروا فرسانًا وكبرت الفتاة، وكانت كلما زاد عمرها زادت حسنًا حتى صارت أجمل بنت في القبيلة لا ينافسها على هذا اللقب أحد.

وأراد أبناء الأخوة الثلاثة الفوز بزواج ابنة عمهم، وتشاجروا سويًا على من يتزوجها.. ثم اتفقوا على الذهاب إلى أبيهم ليحكم بينهم.

وقد شغل الأمر الأب وأحزنه حزنًا شديدًا، فهذه أزمة من الممكن أن تؤدي للتفريق بين أبناءه إلى الأبد.. ولا يمكنه أن يعطيها لأحدهم ويميزه على أخويه. فكر الرجل مليًا في تلك المعضلة التي وضعها فيه أبناءه.. من يتزوجها ؟ الأكبر أم الأوسط أم الأصغر؟!

وجاءت له فكرة فطلب من ثلاثتهم الحضور ليحكم في أمر طلبهم، جلسوا صامتين ينتظرون القرار الفصل، قال الأب: إن ابنة عمكم هي أجمل بنت في القبيلة، وهي أمانة في رقبتي ولا أستطيع أن أعطيها لأحدكم بغير المهر الذي تستحقه.

أمامكم أنتم الثلاثة شهر من الآن تخرجون من القبيلة وتحصلوا على شيء ثمين، يصلح أن يكون مهرًا لابنة عمكم، ومن يحصل على أثمن هدية، يفوز بابنة عمه زوجه.. وهذه ألف دينار ذهبي، أعطيها لكل منكم مساعدة لتعينه على رحلته. وافق الثلاثة على المنافسة.. جهزوا راحلتهم.. واستعدوا للخروج في فجر اليوم التالي.

كان الأكبر عاشقًا للفروسية والسرعة فكان أقواهم وأشجعهم، وكان الأوسط عاشقًا للعلم والمعرفة وإلقاء الأشعار فكان أعلمهم وأفصحهم، أما الأصغر فلم يكن يميزه شيء إلا رقة قلبه وحبه لمساعدة الآخرين وتقليل آلامهم.

في الفجر تجمع الثلاثة وخرجوا سويًا إلى رحلتهم ونزلوا في غرفة في نزل لعابري السبيل.. واتفق ثلاثتهم أن مدة شهر طويلة، وأن أسبوع كافي للحصول على المهر المطلوب.

وأنهم سيتجمعوا في نفس النزل بعد سبعة أيام، ومن لا يأتي خلال السبعة أيام يكن قد خسر في المنافسة، ولا يستحق الزواج من ابنة عمهم.

في الصباح تفرق الثلاثة.. أما الأكبر فقصد قبيلة في أعالي الجبال يسكنها عظام الفرسان وقال في نفسه أنه لابد سيجد عندهم شيئًا نفيسًا يقدمه لابنة عمه.

وصل إلى القبيلة وسأل فيها عن أعظم فرسانها فدلوه عليه، أكرم الرجل ضيافته ولم يسأله عن حاجته، فكعادة العرب لا يسئلون عن سبب الزيارة لمدة ثلاثة أيام.

جلس الشاب يراقب الفارس ويتفحص مقتنياته لعله يجد معه شيئًا ثمينًا يشتريه منه.. فوجد أنه يخبأ في دولابه بساطًا غريب الشكل.. وليس من الطبيعي أن يضع الرجل بساطًا في دولاب الملابس.

سأله لماذا تضع هذا البساط في دولابك؟

رد عليه الفارس: هذا ليس بساطًا عاديًا، إنه بساط الريح أسرع من مئة حصان، يطير بك في السماء ويجوب بك البلاد والأنحاء.

سأله: ولماذا تضعه في دولابك ولا تستخدمه؟

رد: لقد استوليت عليه بعد هزيمتي لأحد السحرة المشعوذين، وقد ألقي علي قبل موته لعنة، تجعلني إذا امتطيت البساط أصاب بالمرض والهزال ويزيد عمري في كل ساعة على ظهر عام كامل، فلو امتطيته لأصابني الهرم.

قال الشاب: وهل هذه اللعنة مقتصرة عليك فقط أم أنها للجميع؟

رد الفارس: بل هي لعنتي وحدي؟

قال الشاب: إذًا بعه لي، فهو عندك لا قيمة له، سأشتريه منك وأعطيك ثروة تنتفع بها.

رد الفارس: والله لا أبيعه بأقل من ألف دينار ذهبي.

رد الشاب والابن الأكبر: لك ما تريد.. أخرج من جيبه سرة بها الألف دينار الذي منحه أبوه إياه وناولها للفارس، وقال: هاك مالك ألف دينار ذهبي بالتمام والكمال.

ابتسم الفارس وقال: إذًا فالبساط لك، ولكن بشرط أن تقص علي قصتك.

فقص عليه قصته هو وأخوته وبنت عمه ومنافستهم على من يتزوجها، فضحك الفارس فأخذ البساط واستأذن في الإنصراف، ركب البساط وطار بسرعة الريح وكان أول العائدين إلى نزل عابري السبيل.

أما الابن الأوسط فكان يعرف أحد العارفين في قبيلة  قريبة، فذهب إليه قص عليه قصته هو وأخوته وبنت عمه ومنافستهم على من يتزوجها، فقال له العراف طلبك عندي لكن لا أعطيك إياه بأقل من ألف دينار ذهبي.

قال له أرني إياه ولك ما تريد.

فأخرج له مرآة وناوله إياها.

قال الابن الأوسط: هذه مرآة عادية كيف تريدني أن أدفع فيها كل هذا المبلغ؟

قال: ليست عادية بل هي مرآة مسحورة، أنا أعلم أنك مولع بالمعرفة، وهذه قادرة أن تريك المكان الذي تريد أن تراه ولو كان في الطرف الآخر من الأرض.

أعطاه الألف دينار وأخذ المرآة وغادر.. ووصل النزل قبل يومين من الموعد.

أما الثالث فقد سار طويلًا يسأل الناس عن شخص حكيم حتى دله بعض الناس على رجل عابد فوق الجبل يقصده الناس لطلب العلاج والنصيحة.

فذهب إليه وقص عليه قصته هو وأخوته وبنت عمه ومنافستهم على من يتزوجها.. فقال له الرجل طلبك موجود لكن سأشترط عليك شرطًا.

قال الابن الأصغر: ماذا؟!

رد: أن توزع ألف دينار ذهبي على الفقراء.

أخرج الشاب من جيبه الألف دينار وناوله إياه وقال: ها هي الأف دينار يا سيدي خدها وأفعل فيها ما تشاء.

قال الحكيم: لا أريد مالك، كل ما أطلبه منك أن تعدني أن توزعه على الفقراء في طريق عودتك.

رد: لك مني عهد وميثاق.

أخرج الحكيم من جيبه كيسًا قماشيًا به مسحوق أبيض اللون، وقال للشاب: هذا دواء في شفاء لعضال الداء، خذه فهو مهر لن يأتي أحد بخير منه، فما من شيء أثمن من الصحة.

أخذ الابن الأصغر المهر، وفي طريقه بدأ يوزع الألف دينار على الفقراء مما أخره عن موعده مع أخوته.. وفي اليوم السابع بدأ الأخوان يحتفلان بأن أخاهما الأصغر لم يعد وأن المنافسة ستقتصر عليهما فقط.. لكن قبل المغيب بلحظات دخل الغرفة أخوهما الصغير.

وعندما أراهم كيسه الذي يحتوي على مسحوق أبيض، ضحك الاثنان منه، فمن يشتري ترابًا بألف دينار؟!

جلس الثلاثة في جلسة سمر مرحة فقال الأخ الأكبر للأوسط: لما لا ترينا المنزل من خلال مرآتك، نرى ماذا يحدث هناك وما يقولون عنا.

فقال: هذه فكرة جيدة. وأخرج المرآة وطلب منها أن تريهم منزلهم فظهرت صورة المنزل وبدا صامتًا كئيبًا ثم رأوا والدهم يجلس حزينًا أمام غرفة بنت عمهم.

كان المنظر مقلقًا فطلب الأوسط من المرأة أن تريهم غرفة بنت عمهم فوجدوها في سريرها مريضة تتوجع ويبدوا أنها تحتضر.. فقام الأصغر من مجلسه وقال: يجب أن نعود الآن معي علاجها.

قال الأخ الأكبر: معي البساط، هيا نركبه لنصل بأقصى سرعة.

وصل الثلاثة ونزل الأخ الأصغر مهرولًا أحضر بعض اللبن ووضعه في وعاء وخلط به جزء من المسحوق الذي أعطاه له الحكيم.. ثم دخل لبنت عمه وجعلها تشربه، ثم خرج.

في الصباح تماثلت الفتاة للشفاء وقامت من سريرها نشيطة كأنما لم تصب بمرض.

سعد عمها بهذا الأمر وجمع أبناءه لكي يرى ما أحضروه، فقال كل واحد منهم أنه أحضر الشيء الأهم، وأنه لولاه لماتت بنت عمهم.

تحير الأب مرة أخرى، فكل واحد منهم قد شارك في علاج بنت عمه، لكنه قال: كلكم قد شاركتم وأراكم متعادلين، وحيث أني أريد السعادة لبنت أخي، فإني سأعطيها هي حرية الاختيار، سأعرض عليها أمركم أنتم الثلاثة وأجعلها هي تختار من تريد منكم أن يكون زوجها.

لكن عدوني بشيء، أن من لم يقع عليه الاختيار يجب أن يرضى ولا يكن مثل ابن آدم الأكبر الذي حقد على أخيه، أيًا كان من يقع عليه الاختيار سيرضى الإثنان الآخرين وسيفرحا لأخيهما، وأعدكم أن الله سيرزقكم جميعًا بالزوجة التي تسعدكم بإذن الله لو خلعتم عن قلوبكم الأحقاد.

وافق الأخوة على كلام والدهم، فذهب إلى الفتاة وعرض عليها أمر أبناءه الثلاثة وطلب منها أن تختار هي من يتزوجها منهم، ففكرت قليلًا ثم ردت بعد أن أحمر وجهها خجلًا واختارت الابن الأصغر.

سألها عمها عن السبب فردت: لأنه لولا الدواء ما نفعت السرعة ولا المعرفة في زوال الداء وتحقق الشفاء.. سكتت هنيهة ثم أردفت: ولأني أستلطفه.

تبسم الرجل ثم تركها وخرج وزف الخبر إلى أبناءه الثلاثة فبارك الأخوين الأكبر والأوسط لأخيهما وأقيم زفافًا عظيمًا تحاكت عنه القبائل العربية، وبعد شهور قليلة رزق كل منهما بزوجة جميلة.. وعاش الجميع في هناء وسعادة.

اقرأ أيضًا

جاك دريدا والفلسفة التفكيكية

مستوحى من كتاب أساطير شعبية من قلب الجزيرة العربية.

سمير أبوزيد

باحث ومهندس في مجال النانو تكنولوجي بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، وله عدة أبحاث علمية منشورة. ألف ثلاثة روايات " صندوق أرخيف" و " الرفاعي الأخير" و " عز الدين"، كما كتب للعديد من المجلات وله ما يزيد عن الثلاثمائة مقال.
زر الذهاب إلى الأعلى