ميدان سيمون بوليفار.. حكاية تحولت لرمز دولي
ميدان سيمون بوليفار.. إذا كنت من مرتادي وسط القاهرة، فبالتأكيد سيجذب انتباهك ذلك التمثال الكائن بالقرب من مسجد عمر مكرم، والذي يحمل اسم «سيمون بوليفار»، فدعونا نسلط الضوء على شخصية واحدًا من أهم رموز المقاومة والكفاح من أجل التحرر من قيود الاستعمار في كل زمان ومكان.
نشأة بوليفار
وُلد سيمون بوليفار في الرابع والعشرين من يوليو عام 1783 بمدينة كاراكاس (عاصمة فنزويلا الحالية)، لأسرة أرستقراطية تنحدر أصولها من قرية صغيرة تُدعى «ثيناروسا» بإقليم الباسك الإسباني، وكان والده ينحدر مباشرة من نسل ملك كاستيل «فيرناندو الثالث» والكونت «أماديو» حاكم إقليم سافوي الإسباني.
وتسبب مرض السل في وفاة والديه، فتوفى الأب عندما كان سيمون في الثانية من عمره لتلحق به الأم بعدها بست أعوام.
واضطر بوليفار للرحيل إلى إسبانيا لاستكمال تعليمه عام 1799، وهناك تزوج بالسيدة «ماريا تريزا» عام 1802، إلا أنها توفيت إثر مرضها بالحمى، خلال زيارة قصيرة قام بها بوليفار لفنزويلا عام 1803.
الرحيل إلى أوروبا
سافر بوليفار إلى أوروبا عقب وفاة زوجته حيث بدأ بفرنسا ومنها إلى إيطاليا، وحضر حفل تتويج بونابرت، وفي 15 أغسطس 1805، عقد بوليفار قسم «مونتي ساكرو» في روما ليقسم بتحرير بلاده من الاستعمار الإسباني، مما جعله يعود لفنزويلا في العام التالي.
بداية العمل الثوري
انضم بوليفار لكتائب المقاومة العسكرية في كاراكاس ليثمر عمله عن إعلان استقلال البلاد عام 1810، ثم إعلان دستورها الأول في العام التالي.
وتم إرسال بوليفار في مهمة دبلوماسية ببريطانيا ليعود بعدها إلى فنزويلا عام 1811، لينخرط في الجيش الوطني تحت قيادة الجنرال «فرانسيسكو ميراندا»، إلا أن بوليفار لم يمكث كثيرا بفنزويلا بعدما اضطر للمغادرة إثر زلزال عنيف ضرب البلاد عام 1812، في الوقت الذي نجح فيه الإسبان في شن هجوم مضاد على حركة التحرير الفنزويلية، ليتمكنوا من القبض على «ميراندا»، مما اضطر الجنرال لتوقيع هدنة مع الإسبان في الوقت الذي استقر فيه بوليفار بكارتاجينا (كولومبيا حاليا)، ليواصل ثورته ضد الاستعمار الإسباني من هناك معضدا اتصالاته بحركات المقاومة.
واستطاع بوليفار دخول كاراكاس من جديد يوم 6 أغسطس عام 1813 مؤسسًا الجمهورية الفنزويلية الثانية، إلا أن الخلافات الداخلية عجلت بسقوطها في 15 يونيو 1814 ليشد رحلة جديدة إلى كارتاجينا، ليساعد قوات المقاومة هناك في إسقاط الحكم الملكي بسانتا مارتا.
وقرر بوليفار السفر إلي إلى جامايكا ثم إلى هاييتي بعدما شبت بوادر الخلاف بين أعضاء الحكومة والجيش في كارتاجينا، حيث كان له دورًا كبيرًا في مساعدة القائد «ألكسندر بيتيون» في التخلص من الاستعمار، ولم يمض أكثر من سنتين حتى استطاع بوليفار تحرير مدينة «أنجوسترا» عام 1817 ثم أعقبها عام 1819 بنصر شهير على القوات الإسبانية في غرناطة الجديدة بجيش صغير قوامه 2500 رجل.
كولومبيا الكبرى
عمل بوليفار على الاستفادة من أخطاء الماضي، ومن هنا نشأت فكرة تأسيس اتحاد غرناطة الكبري، والذي يضم أجزاء كبيرة من فنزويلا وأخرى صغيرة من كولومبيا والإكوادور وبنما، لتصبح كل الإمارات المستقلة تحت رئاسته على أن يكون «فرانشيسكو سانتاندير» هو نائبه في رئاسة الاتحاد.
وخاض بوليفار معركتي كارابوبو وبيتشيتشا عامي 1820 و1821، وانتصر فيهما ليتجه بعدها إلى هدف تحرير دولة بيرو من الإسبان، وبالفعل ينجح بوليفار بمعاونة صديقه أنطونيو خوسيه في هزيمة القوات الإسبانية بالجزء الجنوبي هناك في 6 أغسطس عام 1824، ثم تحرر الجزء الشمالي ليتم إطلاق اسم «بوليفيا» على هذه المنطقة تقديرا لدور بوليفار في تحريرها.
انقسامات ونهاية بوليفار
تزايدت حدة الخلافات والانقسامات في اتحاد غرناطة مع حلول عام 1828، بسبب مطالب الثوار الفنزويلية الذين قرر بوليفار العفو عنهم من أجل تجنب تصدع الاتحاد.
وقرر بوليفار عقد مؤتمر دستوري في مدينة «أوكانا»، إلا أنه فشل بسبب رغبة الكثير من الأطراف في الانفراد بالسيطرة مفضلين مصالحهم الشخصية على مصلحة الاتحاد، ليعلن بوليفار انسحابه من ذلك المؤتمر وتنصيب نفسه بعد ذلك ديكتاتورًا في 27 أغسطس 1828، معتبرا ذلك خطوة ضرورية لا مفر منها في الحفاظ على ما تحقق من إنجازات.
إلا أن هذه الخطوة لم تجلب سوى المزيد من المتاعب عليه، بعدما نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال في سبتمبر 1828 ثم قامت الانتفاضات والثورات الداخلية، في كل من غرناطة وفنزويلا وكولومبيا في العامين التاليين ليتصدع الاتحاد.
وشعر بوليفار باليأس بعد تصدع الكيان ليرحل عن الحكم في 13 يناير 1830، ليتوفى بعدها في 17 ديسمبر 1830 بمدينة «كونتا دي سان بيدرو» الكولومبية متأثرًا بمرضه بالسل ليتم نقل رفاته إلى كاراكاس عام 1842، مقيمين له متحفا كبيرا هناك تقديرا لدوره في تحرير البلاد.
بوليفار يتحول إلى رمز
تحول بوليفار إلى رمز كبير في مختلف دول أمريكا اللاتينية، حيث تم إطلاق اسمه على العديد من المدن في القارة قبل أن يمتد الأمر لمختلف قارات العالم، بالإضافة لتماثيله التي تنتشر في العديد من الدول مثل الولايات المتحدة، الأرجنتين، إيطاليا، السلفادور، بورتريكو، جامايكا، كولومبيا، ألمانيا، تشيلي، أستراليا وكندا.
تمثال بوليفار بمصر
كان بوليفار من الشخصيات الملهمة للغاية في الثقافة المصرية، لاسيما في حقبة الستينيات التي شهدت تقاربًا واضحًا مع دول أمريكا اللاتينية ونظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وأهدت فنزويلا التمثال لمصر عام 1979 في خطوة لتأكيد علاقة الصداقة بين البلدين، حيث قام النحات كارميلو تاباكة بصنعه من البرونز بارتفاع قدره 2.3 متر، ليتم تغيير اسم ميدان قصر الدوبارة إلى ميدان سيمون بوليفار.
– حرص الرئيس الفنزويلي الراحل هوجو تشافيز على ترميم التمثال وإعادة افتتاحه عام 2010.