تلك السرعة الجنونية التي يقود بها ذلك المُختل تدفعني للقيام من مقعدي وصفعه على قفاه، ماذا سيفتقد عالمنا إذا قدت أبطأ قليلًا، هل نحن في حالة حرجة وأنت تقود بنا إلى المستشفى؟ أعتقد أننا سنذهب للمشرحة جميعًا..
تلك العينين تشعان بالكثير من التبغ، وأعتقد أن تلك الجمرة فيها: هي أثر مُخدر، حتمًا هو مُخدر، فما السبب إذًا في هذه الإبتسامة البلهاء التي تكاد تبتلع وجهه؟
أغنية لـ ( عمرو دياب ) في الخلفية تزيد الموقف إزعاجًا، ليست الأغنية في حد ذاتها ولكن أعتقد أن السماعة التي تبثها مُصابة بأزمة قلبية أو ما شابه، لحن مُزعج ومشوش بشدة يكاد أن يفقدني عقلي.
هل عبرتم بالسيارة بجانب شاحنة كبيرة ( اسكانيا ) على سرعة 90 كم، وأنتم تجتازون منحنى من قبل؟ حسنًا، فعلها سائقنا، فعلها الوغد فوق الكوبري..
هذا غير المناورات الجنونية التي يفعلها، ربما يجب أن يعلق هذا المجنون أمامه صورة ( شوماخر ) ويضع بجانبها هويته الشخصية أيضًا؛ لأنه سيصعب التعرف عليه بعد الحادث.
ما تلك الحركات البلهاء التي يفعلها السائقون عند مرورهم بجوار بعضهم البعض ؟!!
أنا شخص قلوق بطبعي، اركب أي سيارة وأركز نظري على الطريق ربما أكثر من السائق نفسه، تكون أعصابي مشدودة جدًا عند ركوبي مع أحد المختلين عقليًا، ربما يجب أن يقوموا أيضًا بالكشف عن السلامة العقلية للسائق.
المكان أشبه بالمولد هنا، يركب في الكرسي ( المُقدس ) الأمامي ( بجوار السائق ) فتاتان، من هيئتهما ربما هما جامعيتان، يحاول السائق التحدث معهما بين حين وآخر، وهذا هو سبب اختياره لفتاتين بجواره من الأساس، كلنا نعرف أن الرجال مملون بطبعهم ولا يستطيعوا إدارة أي حوار.
إذا حاولت الإقتراب من المقعد الأمامي ( والعياذ بالله، وعافانا الله وعافاكم ) ستجد السائق يصرخ فيك بأعلى صوته ( محجوز يا أستااااااااااذ ) مع العلم أن الفتاة صاحبة الحظ السعيد لم تكن قد أتت بعد، ربما السائق يمتلك حاسة سابعة، ربما فتح المندل، لا أعلم..
باقي العربة خليط من مختلف الأنماط..
فتلك السيدة البدينة التي تركب بجوار الباب وتضع أمامها ذلك الوعاء المعدني الكبير الذي تفوح منه تلك الرائحة الجميلة المتبقية من السمك الذي باعته في الصباح..
وبجانبها ذلك الرجل الذي قرر التغلب على الرائحة بإشعال سيجارة، وسط عدم إعتراض من الركاب، كأنهم تيقنوا أن رائحة التبغ المحروق أهون بكثير..
ورائهم ثلاث سيدات علمت من حديثهن المُقتضب أنهم يعملوا بالسجل المدني، وعلمت أيضًا عدد الموظفين وحالاتهم الإجتماعية، وعلمت لماذا تشاجرت زميلتهن عفاف مع إحداهن منذ ثلاث سنوات مضت، وعلمت لماذا تأبى إبنة إحدهن الرجوع لشقة زوجها مرة أخرى، حماتها اللعينة أرادت منها أن تساعدها في أعمال البيت، ( سحقًا لكِ، هل ابنتنا خادمة عندكم؟! )
ويجلس أمامي في الكرسي قبل الأخير أسرة صغيرة، يلاعب الرجل ابنه بطريقة بديعة للغاية، أقسم لكم أنني كرهت الأطفال من سماجة ذلك الأب وسماجة الطفل الذي أنجبه لنا، الغبي الكبير مُصمم أن يفعل بفمه تلك الأصوات التي أتذكر رؤيتها أمس في أحد الأفلام الوثائقية عن أحد الحيوانات المُنقرضة، على أمل أن يصمت الغبي الصغير، ولكن كيف؟ وبم تكتمل تلك السيمفونية إذًا؟؟
وفي الكرسي الأخير تجلس بجوار الشباك تلك الفتاة الرقيقة التي تحمل قطة صغيرة في يدها وتلاعبها، ويفصل بيننا ذلك الشاب الأشد رقة منها والذي قرر أن يحمل عنها عبأ ملاعبة القطة، ويسدي إليها بعض النصائح أيضًا عنهم، ولكن من قال أنه لا يملك عنهم معلومات؟ هذه هي قوتنا الخارقة، المعلومات..
صحيح أن ملابسه وهيئته توحي بأنه لم يحمل قطة من قبل، وأعتقد أنه لم يعلم أنها قطة من الأساس، لو رأيت نظرة عينيه للقطة لفكرت مثلي أنه ربما يحاول التهامها..
هذا غير أنه يحمل القطة عاليًا في يده في مواجهة الهواء كما فعل القرد مع سيمبا، مما جعل ملابسي تتتسخ ب ( الشعر ) المتطاير من القطة..
تنوية هام..
** نسيت أن أخبركم، إذا أردتم ركوب الميكروباص فاهربوا من المقعد الأخير، هل سمعتم من قبل بشئ يُدعى الـ ( مطبات ) ؟؟، حسنًا لن تسمعوا عنها فقط إذا ركبتم هنا، ولكنكم ستشعروا بها بقوة تقلب أعضائكم الداخلية تقليبًا جيدًا، ربما لو أحدثت ثقبًا في رأسك بعد النزول ستجد نافورة من الدم تنطلق مغادرة الأفق، وسائقنا الهمام من الأشخاص الذين كفروا بالمطبات، أنا أعتقد هذا، هذا الوغد إما أنه لايراها، أو لا يسمع تأوهاتنا في الخلف عندما تصطدم رؤوسنا السقف، أو أنه ربما يريد إغاظتنا، لا أعلم حقيقة هذا الأمر بعد.
** شيئًا آخر، المقعد الأخير غير مخصص لمن يعاني الغثيان، أمراض الظهر، ألام الركبة، أعتقد وأمراض القلب أيضًا، تلك الصدمات المتتالية كفيلة بأن تجعلك تبتلع لسانك، وربما لو هناك إحدى الدعامات القلبية بالداخل لطارت من حلقك.
وماذا أفعل أنا ؟؟ أنا أجلس بجوار الشباك الأخر أصدم رأسي بالإطار الحديدي حتي يزول الصداع وينتهي ذلك الكابوس الذي أعيشه.
على جنب يا اسطااااااااااااااااااااااع..
ضهرك يا باشا لو سمحت..