ثقافة وفنونسينما

هل يمكن فعلًا منع الفن؟

بقلم عبدالرحمن جاويش

هل يمكن فعلًا منع الفن؟
هل يمكن فعلًا منع الفن؟ نفس الخطأ يتكرر، تتغير الأزمنة والأماكن، تتشابه الأسباب وتتباين.. ويظل محاولات البعض لمنع العمل الإبداعي مستمرة.. وكأن ذوق المشاهد حصة تموينية يجب أن يحصل عليها الجميع بكميات ونوعيات معينة؛ وفقًا رؤية المسئول!

نختلف أو نتفق على جودة الأعمال المعروضة، ولكن المنع ليس أذكى الحلول لمنعها من الوصول إلى الناس.. فإن كان العمل عظيمًا وصل مهما كان المنع، وإن كان رديئًا صار المنع دعايا..

هل سمع أحدكم عن فيلم “قلب الليل”؟ والذي كتب قصته نجيب محفوظ؟ لا أظن.. وذلك لأن السلطات لم تأخذ إجراءات صارخة بمنعه (حسب المصادر المتوفرة).. على الرغم من كون الفيلم يحمل في طياته ما قد يمنع أي عمل في الوطن العربي.. فهو يتحدث عن جعفر المطرود من قصر “جده” والذي قرر اكتشاف الحياة بنفسه.. ويحمل الفيلم إسقاطًا واضحًا على قصة الخلق، مع تجسيد “فريد شوقي” للذات الإلهية.

هل يمكن فعلًا منع الفن؟
هل يمكن فعلًا منع الفن؟

وعن عن أشهر حوادث منع الأفلام من العرض وأسباب هذه القرارات سيكون الحديث:

(ملحوظة من كاتب المقال: معظم الأفلام المذكورة تستحق المشاهدة لأسباب بحثية وفنية، أو على الأقل ستكون القراءة عنها تجربة مفيدة)

  • السياسة دائمًا وأبدًا

على مدار تاريخ السينما العربية تم منع العديد من الأفلام لأسباب سياسية.. أولها كان مع فيلم “مسمار جحا 1952” والذي مُنِعَ من العرض بحجة أنه يقوم بإهانة صريحة للدولة العثمانية التي كانت مصر تابعةً لها آنذاك..

كانت هذه الحادثة الوحيدة (على حد معرفتي) للملكية المصرية في فرض القيود الإبداعية، أما عن مصر الجمهورية فحدث ولا حرج.. يمكنك الحديث عن منع “شيء من الخوف” من العرض لإسقاطه على حكم عبد الناصر من خلال شخصية عتريس، وكذلك فيلم “وراء الشمس” و”إحنا بتوع الأوتوبيس” و”زائر الفجر” و”البريء” الذين تناولوا الحياة في المعتقلات المصرية.

وعلى المستوى العالمي ففيلم “هيلاري” الوثائقي هو الأشهر بين الممنوعين من العرض، الفيلم الذي تم إنتاجه سنة 2008 أثناء فترة الانتخابات الرئاسية، والذي يتناول الجانب المظلم من أسلوب إدارة “هيلاري كلينتون” للملفات السياسية طيلة تاريخها في العمل العام.. لكن الفيلم مُنِع بحجة أنه خرق لقانون الانتخابات، وكونه محاولة من المحافظين لضرب كلينتون في مقتل.

  • خدش لا مؤاخذة الحياء:

صحيح أن “خدش الحياء” هو مبرر عربي أصيل لمنع الأفلام من العرض، بدايةً من الأعمال المغمورة جماهيريًا مثل “حمام الملاليطي” و”درب الهوى”، مرورًا بـ”المذنبون”، وانتهاءً بأعمال كان متوقع لها ثورة في شباك التذاكر مثل “خمسة باب” الذي جمع أنجح الممثلين –آنذاك- على الرغم من قصته المتوسطة وضعف التنفيذ.. إلا أن قرارًا من وزير الثقافة أخمد ثورة الإيرادات في وجه صُنَّاع الفيلم، وحجبه من الأضواء لأكثر من ثماني سنوات.

وعلى المستوى العالمي فقد تم منع فيلمBrokeback Mountain  من العرض في العديد من دور العرض العربية وكذلك في الصين؛ بسبب تناول قصته للمثلية الجنسية، وكان من أهم أسباب اهتمام أكاديمية الأوسكار بتكريم الأفلام المماثلة فيما بعد، خوفًا من الاتهام برهاب المثلية.

  • عِنيف أوي الفيلم ده

لا أذكر حادثة منع فيلم محلي من العرض بسبب احتوائه على مشاهد عنيفة، وإن كنت أتوقع جلد محمد رمضان بهذا السوط قريبًا؛ حين يزداد النفور ضده وتقل إيراداته.. أما عالميًا فقد مُنِعَ الفيلم الياباني Battle royale في ألمانيا كونه يحمل مشاهد العنف الدموي بين عدد من المراهقين المتقاتلين لأجل الفوز بمسابقة؛ فيما يشبه خليطًا بين سلسلة hunger  games   ورواية Lord of the flies.

كما تكررت نفس الحادثة مع رائعة ستانلي كوبريك Clockwork Orange .. والذي اتهم بالتحريض على العنف وتم منعه في كلا من أيرلندا وسنغافورة.

  • الفيلم فيه كتاب دين

وبالحديث عن التابووهات، يأتي الدين لينال حظه من المنع، فعلى الرغم من إسقاط بعض القصص الديني على الأعمال العربية المختلفة، إلا أن فيلم “الشيخ حسن1952” قد نال نصيب الأسد من الهجوم الراقابي.. فقد تدخلت الكثير من المؤسسات المسيحية لمنعه، لرؤيتهم أنه يحرض على الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.

والفيلم يروي قصة شيخ يقع في حب فتاة مسيحية، فيقنعها بالهروب وإشهار إسلامها ويتزوج منها، وهو ممنوع من العرض على الشاشات العربية حتى هذه اللحظة.

تكررت حادثة مماثلة مع فيلم ( Hail Mary 1985) والذي يتحدث عن قصة ميلاد العذراء بشكل يراه المعظم خارجًا.. وقد تم حظره تمامًا في البرازيل والأرجنتين، وقد حاربت المؤسسات المسيحية عبر العالم عرضه.

في النهاية..

نحن في عصر رأسمالي بحت، المُنتَج المُقَدَم من جنس القيم التي نتبناها ونسعى لمشاهدتها.. فلا أحد في هذه الصناعة يبحث عن خسارة الجمهور، فلو كان المشاهد يبحث حقًا عن “الأخلاق” فقط، لأصبح محمد صبحي نجم شباك عيد الفطر، وأنتجت نتفلكس للفنان أحمد ماهر مسلسلًا تروى فيه سيرة أحد الصالحين..

المغالطة والإنكار يفرضان على الجمهور خدعة أن صناع السينما هم من يوجهون بوصلة المجتمعات، في حين أننا المحرك الحقيقي لما يقدمون.. يتحدث الجمهور عن الوحش الكامن خلف أبوابهم، في حين أنه يسكن كل مرآة.

اقرأ ايضاً

فيلم “المنارة” بين الآلهة والبشر

كيف ينحت المصريون أعمالهم؟

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى