آخر محاولاتي.. هُوَ وَهِيَ وَعَبْدْ اَلْحَلِيمْ ثَالِثِهِمَا، لَمْ يَكُنْ يُعِيرُهُمْ اِنْتِبَاهُهُ حِينَهَا، فَقَدْ كَانَ يُبْصِرُ وَيَنْجُمُ كَثِيرًا، وَحِينُ اِعْتَرَفَ لَهَا أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَبَدًا أَحْزَانًا تُشْبِهُ أَحْزَانَهَا ، كَانَ هُوَ يُحَاوِلُ اَلنَّجَاةَ مِنْ اَلْغَرَقِ فِي سَوَادِ عَيْنَيْهَا، لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هُوَ أَيْضًا يَكْتَرِثُ لِفِنْجَانِ اَلْعَنْدَلِيبِ، وَلَمْ يُثَارَ فُضُولُهُ عَمَّا تَرَى اَلْبِصَارَةُ فِيهِ، وَلَمْ يُهِمْهُ كَمٌّ أَحَبَّ نِزَارْ بِلْقِيسْ وَلَا أَنْ كَانَتْ تِلْكَ اَلْأُغْنِيَةِ فِعْلاً قَدْ تَنَبَّأَتْ بِنِهَايَةِ قِصَّةِ عَبْدِ اَلْحَلِيمْ وَسُعَادْ حُسْنِي كَمَا قَرَأَ ذَاتَ يَوْمٍ.
كَانَ هَمُّهُ اَلْوَحِيدُ حِينِهَا هُوَ اَلْبَحْثُ عَنْ طَوْقِ نَجَاتِهِ وَإِسْكَاتُ عَيْنَاهُ مِنْ اَلِاعْتِرَافِ، هُوَ يَعْرِفُ مُسْبَقًا بِأَنَّ مُحَاوَلَاتِهِ سَتَفْشَلُ فَشَلاً ذَرِيعًا إنَّ بَقِيَ صَامِتًا، فَكَانَتْ اَلْخُطَّةُ (ب) هِيَ اَلْبَدِيلُ، خُطَّةُ عِبَارَةٍ عَنْ لَا شَيْءً سِوَى مُحَاوَلَةٍ لِتَشْتِيتِ اِنْتِبَاهِهَا بِأَيِّ وَسِيلَةٍ، عَلَيْهِ اَلنُّطْقُ بِأَيِّ شَيْءٍ، إِنَّ لَمْ يَفْعَلْ سَتَكُونُ اَلنِّهَايَةُ كَارِثِيَّةً، سَتَتَوَقَّفُ اَلْأَرْضُ عَنْ اَلدَّوَرَانِ حَوْلَ اَلشَّمْسِ أَوْ حَوْلَ نَفْسِهَا، اَلْبَرَاكِينُ سَتَشْتَعِلُ، اَلْبِحَارُ سَتَنْتَفِضُ مُعْلَنَةً ثَوْرَةً تُغَطِّي بِهَا كُلُّ مَا لَمُّ تَغْطِيَةِ اَلْمِيَاهِ من قبل، ثَمَّةَ شَيْءُ مِنْ هَذَا سَيَحْدُثُ بِالتَّأْكِيدِ.
قَالَ مُخَاطِبًا نَفْسُهُ اَلْمُرْهَقَةُ: أَتَظُنُّ أَنَّ سُكُوتَكَ سَيَجْعَلُهَا تَعَلُّمُ أَنَّكَ تُحِبُّهَا فَقَطْ؟ لَا يَاصَدِيقِي صَمْتُكَ هَذَا سَيَجْعَلُهَا تَرَى كَمْ أَنْتَ مُتَيَّمٌ، سَيَجْعَلُهَا تَعَلُّمٌ أَنَّ بُوصَلَتَكَ تَوَقَّفَتْ عِنْدَهَا وَلَيْسَ لَدَيْهَا أَيُّ اِسْتِعْدَادٍ بِأَنْ تَتَحَرَّكَ بِاتِّجَاهٍ يَبْعُدُ عَنْهَا وَلَوْ بِمِقْدَارِ ذَرَّةٍ، سَتَعْرِفُ كَم أَنْتَ يَائِسٌ بِدُونِهَا، أَلَمٌ يُخْبِرُكَ أَحَدُهُمْ أَنَّ اَلْأُنْثَى تَبْحَثُ عَنْ اَلرَّجُلِ شَدِيدٍ اَلْبَأْسِ قَوِيٍّ اَلْقَلْبِ، عَنْ رَجُلٍ لَا تُحَرِّكُهُ اَلْأَعَاصِيرُ، وَأَنْتَ لَا تَقْوَى حَتَّى عَلَى مُجَابَهَةِ نَظَرَاتِهَا!! انَطَقَ بِأَيِّ شَيْءٍ، فَدُمُوعُكَ قَدْ تَخُونُكَ، قَلْبُكَ قَدْ يَخْرُجُ إِنَّ لَمْ تَفْعَلْهَا.
هَيَّا اِتَّخَذَ وَضْعِيَّةَ رَجُلِ اَلْأَدْغَالِ ذُو اَلْكَارِيزْمَا طَوِيلَةً اَلْأَمَدِ، عَالِيَةً اَلْجَوْدَةِ، وَقَلَّ لَهَا أَيُّ شَيْءِ بِأُسْلُوبٍ لَا مُبَالٍ، قَلَّ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ تَكْتَشِفَ أَمْرَكَ… اِذْهَبْ لِلْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ مَقْدُورُكَ أَنْ تَبْقَى مَسْجُونًا بَيْنَ اَلْمَاءِ وَبَيْنَ اَلنَّارِ.
أَزَاحَ بِنَظَرِهِ عَنْهَا لَحْظَةٌ ثُمَّ أَعَادَهَا كَمُمَثِّلٍ يَتَجَهَّزُ لِتَقَمُّصِ شَخْصِيَّةٍ جديدة عليه.
هُوَ: هَلْ أَخْبَرَكَ أَحَدُهُمْ بِأَنَّكَ تُشْبِهِينَ إِحْدَاهُنَّ، فَنَّانَةٌ أَقْصِدُ.
هِيَ: منْ؟
هُوَ: أَرَاك تُشْبِهِينَ هَانْدَا اَرْتَشِيلْ أَشْعُرُ بِذَلِكَ كُلَّمَا رَأَيْتُ صُورَتُهَا، كَمَا أَنَّ تَقَاسِيمَ وَجْهِكِ تَبْدُو لِي أَحْيَانًا كَتَقَاسِيم أَنَا دِي اَرْمَازْ، لَكِنَّ هَانْدَا أَكْثَرَ، أَرَى أَنَّكَ حَقًّا تُشْبِهِينَهَا.
ضَحِكَتْ ضِحْكَةً كَاذِبَةً وَقَالَتْ: لَا لَمَّ أَصْلٍ إِلَى تِلْكَ اَلْمَرْحَلَةِ بَعْد، قِيلَ لِي أَنِّي أَشْبَهَ أَسْمَاءَ جَلَال.
هُوَ: أَنَا قُلْتُ مَا أَرَاهُ فَقَطْ، نَعِمَ عُيُونُكَ تُشْبِهُ عَيْنَا أَسْمَاءِ جَلَالٍ أَيْضًا.
هِيَ: اَهَا، جَيِّد.
جَيِّدٍ!! أَهَذِهِ كَلِمَةٍ تُقَالُ؟ مَا اَلرَّدُّ عَلَى تِلْكَ اَلْكَلِمَةِ بِاَللَّهِ عَلَيْكَ؟ هَلْ سَنَعُودُ لِلصَّمْتِ مَرَّةً أُخْرَى؟ قَوْلِي شَيْئًا.. قَوْلِي أَنِّي أُشْبَهَ أَيَّ شَخْصٍ يَخْطُرُ بِبَالِكَ، حَتَّى لَوْ قَلَّتِ إِنِّي أَشْبَهُ تَوْفِيقْ اَلدِّقْنْ لَا مُشْكِلَةً، لَكِنْ لَا تَبْقَي صَامِتَةً، فأنا مسكينٌ لَا أَحْتَمِلُ اَلصَّمْت وَعَيْنَاكِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، اَلثِّقْلُ لَيْسَ خِيَارًا اَلْآنَ، عَلَيْكِ أَنْ تَنْطِقِيَ بِأَيِّ شَيْءٍ.. إِنْ لَمْ تَتَكَلَّمِي، سَأَبُوحُ لكِ بِكُلِّ شَيْءٍ، سَأُخْبِرُكِ بِأَنَّ كُلَّ مَا قُلْتُهُ لَكِ قَبْل قَلِيلٍ عَنْ أَشْبَاهُك اَلثَّلَاثَةَ لَمْ يَكُنْ سِوَى تُرَّهَاتٍ سُمْعَتُها مِنْ أُخْتِي حِينَ أَرَيْتُهَا صُورَتَكِ وَأنِي كَاذِبٌ كَبِيرٍ، كَاذِب كَبِيرٍ وَلَا أَرَى أَيُّ شَبَهٍ بَيْنَك وَبَيْنَهُنَّ، وَإنْهَ لَوْ كَانَ لِكُلِّ اَلْبَشَرِ 44 شَبِيهًا سَتَكُونِينَ أَنْتَ لَا بَشَرِيَّةً، لَا أَعْلَمُ رُبَّمَا ملَّاك، أَوْ رَحِيقٍ يَقْطُرُ مِنْ زَهْرَةٍ، دَارَتْ لِشِدَّةِ نَقَائِهِ مَعْرَكَةً بَيْنَ خَلِيَّةِ نَحْلٍ بِأَكْمَلِهَا، اَلْمُنْتَصِرُ فِيهَا مِنْ يَحُولُ ذاكَ اَلرَّحِيقِ إِلَى عَسَلٍ فِي اَلنِّهَايَةِ، فَهَلْ سَأَكُونُ تِلْكَ اَلنَّحْلَة يَا شَهْد اَلرُّوح؟
سَوْفَ أَسْأَلُك بِاسْتِهْزَاءٍ.. هَلْ حَقًّا تَظُنِّينَ أنِّي أَرَاكِ مَحَطَّ مُقَارَنَةٍ بِأَحَدٍ؟ وَأنِي حِينَ أَرَاك أَشْعُرُ أَنَّكَ تُشْبِهِينَ إِحْدَاهُنَّ؟ هَلْ تَظُنِّينَ أَنَّ اَلنَّظَرَ إِلَيْكِ يُشْبِهُ اَلنَّظَرُ إِلَيْهِنَّ؟ وَأَنْ لَدَيْهِنَّ ذَاتَ عُيُون اَلْغَزَالِ؟ هَلْ كُنْتُ سَأَرْتَجِفُ عِنْدُ اَلنَّظَرِ فِي عُيُونِهِنَّ كَمَا اِفْعَلْ حِينَ اُنْظُرْ فِي عَيْنَيْكِ؟ أَلِدِيهِنَّ شَفَتَانِ كِشْفِتَاكْ اَلَّتِي أَكَادَ أَجْزِمُ أَنَّ مَذَاقَهَا كَمَذَاقِ نَبِيذِ عُتِقَ لِبِضْعِ مِائَةِ عَامٍ، فَاكْتَسَبَ خِلَالَهَا حُسْنَ اَلطَّعْمِ وَعُلُوِّ اَلْقِيمَةِ. هَلْ تَزِيدُ أَيْدِيَهُنَّ اَلذَّهَبَ بَرِيقًا كَمَا تَفْعَلُ يَدَاكِ؟ أسَيَتَفَجَّرُ اَلدَّمُ فِي أَنَامِلِي عِنْدَ لَمْسِ أَيْدِيهِنَّ كَمَا يَحْدُثُ لِي حِينَ أَلْمِسُ يَدُك مُصَافِحًا؟
أم سَأَتَمَنَّى أَنْ أَدْفِنَ رَأْسِي فِي شَعْرِهِنَّ عُمْرِي كَامِلاً؟ دُونُ أَنْ أَحْزَنَ عَلَى عُمْرِي فِيمَا أَفْنَيْتَهُ، كَمَا اِفْعَلْ حِينَ يَمُرُّ اَلنَّسِيمُ خِلَالَ شَعْرِك اَلْغَجَرِيَّ اَلْمَجْنُونِ.
أَلَّا تَعْلَمِينَ أَنَّ هَدَفِي مِنْ هَذَا كُلُّهُ هُوَ إشْعَارُك بِأَنَّكَ عَادِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِي، وَأنْ بِإِمْكَانِي إِيجَادُ مِنْ يُعَوِّضُ مَكَانُك إِذَا تَخْلِيَتِي عنِيَ ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ إن كُنْت لَا تَبَادْلِينِي نَفْسُ اَلْهيَامِ، أَلَّا تَعْلَمِينَ أَنَّ كُلَّ هَدَفِي هُوَ أَنَّ لَا تَشْعُرِي كَمْ أَنْتَ غَيْرُ عَادِيَّةٍ بِالنِّسْبَةِ لِي وَأنْي لَنْ أَسْتَطِيعَ إِيجَادُ مِنْ يُعَوِّضُ مَكَانُك إنَّ تَخْلِيَتِي عني ذَاتَ يَوْمٍ؟ ألَّا تَعْلَمِينَ أَنِّي بِدُونِكَ مَفْقُود مَفْقُود مَفْقُود؟ أَسْأكُونْ كَذَلِكَ دُونَهُنَّ؟