أتترك يدي؟
أتترك يدي؟.. أتعرفُ أنك من الممكن أن تكون قد آلمت طفلاً صغيرًا أمسك بأطراف ملابسك على عتبة البيت راجيًا إياك أن تأخذه معك حينما تخرج إلى عملك أو إلى مشوار ما آملاً منك بجبر خاطره وتلبية طلبه، والاستمتاع بصحبتك ودفئ حبك.
ولكنك تعلم جيدا مدى صعوبة الطريق ومدى طولِه وتعرجاته، فبالتالي تمنعه من ذلك، تمنعه أن يأتي معك ويصطحبك، بالرغم من ألم قلبك الشديد، وهوان روحك حين تسمع صراخه وبكاءه لأنك قد خذلته.
تعرف جدًا أن مثل هذا الأمر قد حفر بذاكرتِه نقطة سوداء لصحيفتك عنده وربما لن يسامحك أبدًا، لأنك -من وجهة نظره- قد خذلتَه.
قِس على ذلك الأمر، أنت بالكاد تفعل هكذا مع كل الناس في حياتك، خاصةً المقربون إلى قلبك، لا تريد أن تجرحهم أو أن تأخذهم في طريقِ لا يكتمل أو أن تقف الظروف ويقف القدر أمامك دونهم؛ فلا أنت حافظت عليهم من عاقبة أمرٍ ليس بيديك ولا هم سامحوك لترك يديك من أيديهم رغم حُسن نيتك.
أعرف أنك من الممكن أن تعيش حياتك كلها نادمًا على ترك يدِ أحدهم كان لك بمثابة العالم أجمع، بمثابة روحك التي يحملها جسدك ودمُك الذي يجري في شرايينك، ولكنك سرعان ما تقول في نفسك «لقد أنقذتهم من نفسي، لقد أنقذتهم من قدري، لقد أنقذتهم من مخالب ظروفي».
بالرغم من أنهم من الممكن ألا يسامحوك على ما قد فعلت بهم، إلا أنهم حتمًا سيعرفون حكمة رحيلك يومًا ما. ستفتقدهم في حياتك، ولكنك لن تنسى هؤلاء أبداً، سيُحفرون على وديان روحك، وسيُقفل عليهم بقفل قلبك، فبهم اهتديت، ولطيفهم أحببت، وفيهم تعلقت.
كتب- أحمد حلمي الدقدوقي