أساطير الهنود الحمر.. الطوفان الكبير
الطوفان الكبير.. بينما كانت الحيوانات تمرح وتأكل وكانت النباتات مخضرة زاهية.. جاء ضيف غير مرغوب فيه، إذ بدأ الثلج يهطل بغزارة في غير ميعاده.. تعجبت الحيوانات ولم يعرفوا سببًا لهذا الأمر الذي لم يعهدوه.
هطل الثلج إلى أن غطى كل شيء حتى لم تعد تظهر معالم الأرض، فلم يكن يعلم نهر من وادي من هضبة، حلقت الحيوانات حول النار في خيمة مصنوعة من الجلد السميك، وبدأوا يتباحثون هذا الأمر الخطير الذي يهدد حياتهم.. تناقشوا لوقت طويل لكن لم يستطع أحد الإتيان بحل.
كانت النار على وشك أن تنطفى فتكلم السنجاب قائلًا: إن الليل يقترب وقد توقفت صديقتنا النار عن الغناء وتعبت، فهيا ننام وغدًا نكمل حديثنا.
ذهبت كل الحيوانات إلى مخادعهم، ووضع السنجاب يده تحت رأسه بقرب النار ونام، كانت تلفحه النار أحيانًا بدفئها وتلفحه الرياح الباردة أحيانًا أخرى فتجعل جسده يرتعش.. لكن السنجاب رأى في منامه حلمًا عجيبًا: فقد رأى دبًا ضخمًا يحمل في يده كيس كبير يجمع فيه أشياء عدة، ومن ضمن الأشياء التي جمعها الدب كان الطقس الجميل، فقد استولى الدب بمكر على الطقس الجميل، لأنه وحده من يحب الجليد.
استيقظ السنجاب وقام بسرعة حتى لا ينسى الحلم ونادى كافة الحيوانات قائلًا: انهضوا إنني أعرف من سرق الطقس الجميل.. انهضوا يا أصدقاء.
تجمهرت كافة الحيوانات حوله، حتى حيوان الكسلان أتى إليه مسرعًا رغم ما عرف عنه من الكسل.. قال السنجاب وكأنه يخطب: لقد رأيت في منامي دبًا أعرف شكله أظنه يعيش في الضفة الأخرى من البحيرة، رأيته يضع في كيس له الطقس الجميل ويخبأه!
قال الثعلب: إذًا كل ما علينا إن كان كلام السنجاب صحيحًا أن نسرق كيس الدب ونفتحه لنعيد الطقس الجميل.
حشد الحيوانات أمهرهم في القتال والمناورة وتجهزوا كأنهم خارجون في سرية قتالية لمواجهة عدو شديد، أخذوا قواربهم وعبروا البحرية وسرعان ما وجدوا الكهف الذي يعيش فيه الدب الضخم.
كان وكر الدب خاليًا وكأنه هُجِر منذ زمن، دخل السنجاب إليه بحذر وسرعان ما وجد الكيس الذي رآه في منامه في أحد أركان الكهف.. فنادى من الفرح: تعالوا ساعدوني على حمل الكيس.
لم يستطع أحد زحزحة الكيس الذي كان ثقيلًا جدًا سوى حيوان الرنة، التي التقطته ووضعته في أحد القوارب.
قال الثعلب: إن الدب ربما يعود بعد قليل وسيكتشف سرقتنا لكيسه وسيأتي ليطاردنا، من منكم لديه أسنان قوية؟
ردت الفأرة: أنا أقواكم أسنانًا.
تعجبت الحيوانات كيف يكون أصغرهم حجمًا هو أقواهم أسنانًا!
قالت الفأرة: إن أسناني حادة كالمنشار.
قال الثعلب: إذًا اذهبِ وأتلفِ المجداف في قارب الدب حتى لا يستطيع اللحاق بنا إذا حاول مطاردتنا، هيا بسرعة.
جرت الفأرة بسرعة وبدأت في قرض المجداف، وانتظرتها الحيوانات في قواربهم حتى تعود، لكن الدب تنبه لوجودهم واكتشف سرقتهم فجاء وزمجر بقوة أرعبت كافة الحيوانات..
قال الدب: انتظروا ماذا سأفعل بكم أيها الأوغاد عندما أقبض عليكم.
جرى الدب ناحية قاربه فلم تستطع الفأرة إنهاء قرض المجداف وجرت مسرعة ناحية قوارب الحيوانات.
جدف الحيوانات بكل قوتهم، لكن الدب كان أقوى، وبينما كان الدب على بعد تجديفة واحدة منهم، انكسر مجدافة وانقلب قاربه فسقط الدب في الماء.
أكمل الحيوانات طريقهم إلى الضفة الأخرى بينما يسخرون من زمجرات الدب الغاضبة المتوعدة.
عندما عادت الحيوانات إلى خيمتها فتحوا الكيس وأخرجوا منه الطقس الجميل، وسرعان ما ذهب الغيوم وعادت الشمس وبدأت الثلوج في الذوبان.
ولكن الأمر كان أسوأ مما توقعوا فقد انقلبت الثلوج إلى طوفان جارف، ملأ أرض الهند كلها بالماء وتجمعت الحيوانات على سفح الجبال خوفًا من الغرق؛ في انتظار أن ينحسر الماء لكنه ظل على حاله لأيام.
اقترح ثعلب الماء قائلًا: سأغوص إلى الأعماق وأجلب لكم التراب وإلا هلكنا جميعًا.. لكنه بعد فترة من الغوص خرج وقد ظهر عليه الإنهاك وقال إنه لم يستطع الوصول للقاع.
تطوع أرنب البيكا لكن مصيره كان مثل مصير ثعلب الماء.
وأخيرًا تطوعت البطة التي هبطت في الماء لفترة طويلة جدًا حتى ظن الحيوانات أنها غرقت، لكن البطة وصلت للقاع وأحضرت حفنة من التراب، كانت قليلة لكنها على الأقل عرفت الطريق إلى هناك، وقادت الحيوانات إلى القاع وبدأوا في إخراج التراب إلى الجبل حتى أعادوا اليابسة مرة أخرى.. ثم عادت الحيوانات إلى مخادعها بعد أن هزموا الطوفان والبرد والدب الضخم.
ترجمة بتصرف عن:
Hulpach, V. (1965). American Indian tales and legends. Hamlyn.