الغراب الماكر يصطاد حوتا.. قد تعتقد أن أمكر الحيوانات هو «الثعلب».. لكن في الطيور مَن مكره لا يقل عن مكر «الثعالب»، بل ربما يزيد، وهو «الغراب».
وهذه قصة أحد الغربان في بلاد الهند:
كان غراب أصلع يعيش على ضفاف البحر العظيم، وفي أسفاره للجزر المجاورة يرى الحيتان تطفوا على سطح البحر بجسدها الهائل لتستنشق الهواء ثم تغوص مرة أخرى.. ولطالما تمنى الغراب أن يتذوق لحم الحوت؛ لكن كيف له أن يصطاد هذا المخلوق العملاق؟
قال الغراب بجسارة: سأقيده ثم أقتله.
وبالفعل أحضر الغراب حبلًا متينًا وذهب إلى حيث تعود أن يرى الحوت.. ظل وقتًا طويلًا يطير ولم يأتي الحوت إلا عند الظهيرة، كان طوله يفوق طول أطول الأشجار، وكان ينفث الماء كأنه شلال، ارتعدت أوصال الغراب؛ لكنه لم يعد عن قراره وألقى بالحبل الذي لف على جسد الحوت.
ظن الغراب أنه انتصر؛ لكن سرعان ما تحرك الحوت فشد الحبل والغراب معه، ظل الغراب يقاوم لكن سرعان ما سقط في الماء والتقمه الحوت في فمه.
كان فم الحوت كأنه كهف عظيم، صرخ الغراب بخوف: ما أشد الظلام هنا؛ عليّا أن أشعل نارًا لأرى.
كان الكهف لا تنفك جدرانه تنقبض وتنبسط، مشي الغراب فيه وبيده شعلة النار يستطلع المكان، ووجد صخرة ضخمة حمراء تنتفخ ويتضخم حجمها ثم تنكمش ويتقلص حجمها.
سأل الغراب نفسه متعجبًا: تُرى ما هذه الصخرة؟! ثم تحرك ناحيتها وقرر أن ينقرها بمنقاره القوي ليعرف ماهيتها.
وبمجرد أن ضرب الغراب الصخرة بمنقاره، صرخ الحوت قائلًا: أترك قلبي.. أوووه أوووه.
في لحظتها جاءت فكرة لرأس الغراب: قد وجدت نقطة ضعف، وظل ينقر الغراب قلب الحوت الذي كان يصرخ من الألم حتى توقف القلب عن النبض.. واستطاع الغراب قتل الحوت، وحملت المياه جثته إلى الشاطئ.
شعر الغراب بفخر كبير؛ لكنه الآن يعاني من مشكلة كيف سيخرج من هذا السجن؟!
ظل الغراب يضرب بمنقاره جدران سجنه لكنه لم يفلح في إحداث ولو فتحة صغيرة، وفجأة سمع صوتًا بالخارج.. كان مجموعة من الأطفال قد وجدوا جسد الحوت الملقى على الشاطئ، وأخبروا أهلهم الذين جائوا جميعًا ليأخذوا من لحم الحوت المجاني.
ظل الهنود يضربون جسد الحوت بسكاكينهم حتى أنفتحت فيه فتحة صغيرة، فانتهز الغراب الفرصة واندفع خارجًا إلى أحد الأشجار القريبة.. كان سعيدًا بنجاته لكنه سرعان ما شعر بالحزن؛ فالحوت العملاق الذي تعب في صيده ها هو يرى بعينه الهنود يقطعون من لحمه ويأخذونه إلى بيوتهم وهو لم يحصل على شيء.
فكر الغراب في خطة؛ فأحضر لحية طويلة وتنكر في ثوب ساحر عجوز، وجاء إلى الهنود قائلًا: اتركوا هذا الحوت.. اتركوه.
سأل أحد الصيادين: لماذا نتركه أيها الرجل الحكيم؟!
رد الغراب: لقد أخبرتني الأرواح أن هناك روح شريرة عقدت سحرًا على قريتكم، وأن وصول هذا الحوت الميت هو رسول الموت إليكم.
هيا خذوا قواربكم وأبحروا في الماء طيلة هذا الأسبوع ثم عودوا بعد ذلك وستكون اللعنة قد ذهبت؛ بزوال جسد الحوت.. وإياكم أن تأكلوا من لحمه شيء، ولا يتخلف أحد؛ فمن تخلف فالهلاك مصيره.
انتشر الهلع بين سكان القرية، وسارعوا جميعًا في إعداد القارب وانطلقوا مسرعين نحو النهر.. وعندما تأكد الغراب من ابتعادهم خلع عنه الملابس التنكرية، وانطلق نحو جسد الحوت الميت وهو يغني: هذا الصيد لي.. كل هذا اللحم لي.. لي أنا وحدي.. لي أنا وحدي.
ترجمة بتصرف عن:
Hulpach, V. (1965). American Indian tales and legends. Hamlyn.
